من ف3 : الكتابة عن المزارات:من ج 1 :( البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية )
مصر المملوكية فى رحلة ابن بطوطة : ( النّص الثالث )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٥ - أكتوبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

مصر المملوكية فى رحلة ابن بطوطة : ( النّص الثالث )

من ف3 : الكتابة عن المزارات:من ج 1 :( البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية )

                              وصف مصر

( ثم وصلت إلى مدينة مصر . وهى أم البلاد وقرارة فرعون ذي الأوتاد , ذات الأقاليم العريضة , والبلاد الأريضة , المتناهية في كثرة العمارة ,المتباهية بالحسن والنضارة , مجمع الوارد والصادر , ومحط رحل الضعيف والقادر , وبها ما شئت من عالم وجاهل , وجاد وهازل , وحليم وسفيه , ووضيع ونبيه , وشريف ومشروف , ومنكر ومعروف , تموج موج البحر بسكانها , وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها . شبابها يجد على طول العهد, وكوكب تعديلها لا يبرح عن منزل السعد, قهرت قاهرتها الأمم, وتملكت ملوكها نواصي العرب والعجم . ولها خصوصية النيل التي جل خطرها, وأغناها عن أن يستمد القطر قطرها. وأرضها مسيرة شهر لمجد السير, كريمة التربة مؤنسة لذوى الغربة.

قال ابن جزي : وفيها يقول الشاعر :

لعمرك ما مصر بمصر وإنما      هي الجنة الـدنيا لـمن يتبصر

فأولادها الولدان والحور عينها     وروضتها الفردوس والنيل كوثر

وفيها يقول ناصر الدين بن ناهض :

شاطئ مصر جـنة        ما مثلها من بلد

لا سيما مذ زخرفت        بنيلها المطـرد

وللريـاح فوقــه             سوابغ من زرد

مسرودة مـا مسها         داودهـا  بمبرد

والفلك كالأفلاك       بين حادر ومصعد

ويقال أن بمصر من السقائين على الجمال اثني عشر ألف سقاء , وإن بها ثلاثين ألف مكار , وأن بنيلها من المراكب ستة وثلاثين ألفاً للسلطان والرعية, تمر صاعدة إلى الصعيد ومنحدرة إلى الإسكندرية ودمياط بأنواع الخيرات والمرافق , وعلى ضفة النيل مما يواجه مصر الموضع المعروف بالروضة , وهو مكان النزاهة والتفرج , وبه البساتين الكثيرة الحسنة .

وأهل مصر ذو طرب وسرور ولهو, شاهدت بها مرة فرجة بسبب برء الملك الناصر من كسر أصابع يده, فزين كل أهل سوق سوقهم, وعلقوا بحوانيتهم الحلل والحلي وثياب الحرير, وبقوا على ذلك أياماً.

 ذكر مسجد عمرو بن العاص  والمدارس والمارستانات والزوايا

ومسجد عمرو بن العاص مسجد شريف كبير القدر , شهير الذكر , تقام فيه الجمعة , والطريق يعترضه من شرق إلى غرب . وبشرقه الزاوية , حيث كان يدرس الإمام أبو عبد الله الشافعي .

وأما المدارس بمصر فلا يحيط أحد بحصرها لكثرتها . وأما المارستان الذي بين القصرين عند تربة الملك المنصور قلاوون , فيعجز الواصف عن محاسنه, وقد أعد فيه من المرافق والأدوية ما لا يحصى , ويذكر أن مجباه ألفا دينار كل يوم . وأما الزوايا فكثيرة , وهم يسمونها الخوانق واحدتها خانقة . والأمراء بمصر يتنافسون في بناء الزوايا, وكل زاوية بمصر معينة لطائفة من الفقراء وأكثرهم الأعاجم, وهم أهل أدب ومعرفة بطريقة التصوف. ولكل زاوية شيخ وحارس , وترتيب أمورهم عجيب .

ومن عاداتهم في الطعام أنه يأتي خادم الزاوية إلى الفقراء صباحاً, فيعين له كل واحد ما يشتهيه من الطعام, فإذا اجتمعوا للأكل, جعلوا لكل إنسان خبزه ومرقه في إناء على حدة لا يشاركه فيه أحد. وطعامهم مرتان في اليوم, ولهم كسوة الشتاء وكسوة الصيف, ومرتب شهري من ثلاثين درهماً للواحد في الشهر إلى عشرين ولهم الحلاوة من السكر في كل ليلة جمعة, والصابون لغسل ثوابهم, والأجرة لدخول الحمام, والزيت للاستصباح. وهم أعزاب , وللمتزوجين زوايا على حدة . ومن المشترط عليهم حضور الصلوات الخمس, والمبيت بالزاوية. واجتماعهم بقبة داخل الزاوية . ومن عاداتهم أن يجلس كل واحد منهم على سجادة مختصة به. وإذا صلوا صلاة الصبح قرءا سورة الفتح وسورة الملك وسورة عم, ثم يؤتى بنسخ من القرآن العظيم مجزأة, فيأخذ كل فقير جزءاً ويختمون القرآن ويذكرون. ثم يقرأ القراء على عادة أهل المشرق , ومثل ذلك يفعلون بعد صلاة العصر .

ومن عاداتهم مع القادم أنه يأتي باب الزاوية فيقف به مشدود الوسط , وعلى كاهله سجادة , وبيمناه العكاز , وبيسراه الإبريق , فيعلم البواب خادم الزاوية بمكانه , فيخرج إليه ويسأله من أي البلاد أتى ؟ وبأي الزوايا نزل في طريقه ؟ ومن شيخه ؟ فإذا عرف صحة قوله , أدخله الزاوية وفرش له سجادته في موضع يليق به , واراه موضع الطهارة , فيجدد الوضوء , ويأتي إلى سجادته فيحل وسطه ويصلى ركعتين , ويصافح الشيخ ومن حضر ويقعد معه .

ومن عاداتهم أنه إذا كان يوم الجمعة أخذ الخادم جميع سجاجيدهم, فيذهب بها إلى المسجد, ويفرشها لهم هنالك, ويخرجون مجتمعين ومعهم شيخهم, فيأتون المسجد, ويصلى كل واحد على سجادته. فإذا فرغوا من الصلاة قرءوا القرآن على عادتهم , ثم ينصرفون مجتمعين إلى الزاوية ومعهم شيخهم .

 ذكر قرافة مصر ومزاراتها

ولمصر القرافة العظيمة الشأن في التبرك بها , وقد جاء في فضلها أثر أخرجه القرطبي وغيره , لأنها من جملة الجبل المقطم الذي وعد الله أن يكون روضة من رياض الجنة . وهم يبنون بالقرافة القباب الحسنة , ويجعلون عليها الحيطان فتكون كالدور , ويبنون بها البيوت , ويرتبون القراء يقرءون ليلاً ونهاراً بالأصوات الحسان . ومنهم من يبنى الزاوية والمدرسة إلى جانب التربة, ويخرجون في كل ليلة جمعة إلى المبيت بها بأولادهم ونسائهم, ويطوفون المزارات الشهيرة, ويخرجون أيضاً للمبيت بها ليلة النصف من شعبان, ويخرج أهل الأسواق بصنوف المآكل.

ومن المزارات الشريفة , المشهد المقدس العظيم الشأن , حيث رأس الحسين بن على عليهما السلام , وعليه رباط ضخم عجيب البناء , على أبوابه حلق الفضة وصفائحها , وهو موفى الحق من الإجلال والتعظيم .

ومنها تربة السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور بن زيد بن على بن الحسين بن على , عليهم السلام . وكانت مجابة الدعوة , مجتهدة في العبادة . وهذه التربة أنيقة البناء , مشرقة الضياء , عليها رباط مقصود .

ومنها تربة الإمام أبى عبد الله محمد ابن إدريس الشافعي رضي الله عنه , وعليها رباط كبير , ولها جراية ضخمة . وبها القبة الشهيرة البديعة الإتقان , العجيبة البنيان , المتناهية الإحكام , المفرطة السمو , وسعتها من ثلاثين ذراعاً.

وبقرافة مصر من قبور العلماء والصالحين ما لا يضبطه الحصر, وبها عدد من الصحابة وصدور السلف والخلف رضي الله تعالى عنهم, مثل : عبد الرحمن بن القاسم , وأشهب بن عبد العزيز , وأصبغ بن الفراج, وأبنى عبد الحكيم , وأبى القاسم بن شعبان , وأبى محمد عبد الوهاب . لكن ليس لهم بها اشتهار, ولا يعرفهم إلا من له بهم عناية. والشافعي رضي الله عنه ساعده الجد في نفسه وأتباعه وأصحابه في حياته ومماته, فظهر من أمره مصداق قوله

الجد يدني كل مر شاسع    والجد يفتح كل باب مغلق

                            ذكر نيل مصر 

ونيل مصر يفضل أنهار الأرض عذوبة مذاق وأتساع قطر, وعظم منفعة. والمدن والقرى بضفتيه منتظمة . ليس في المعمورة مثلها, ولا يعلم نهر يزرع عليه ما يزرع على النيل, وليس في الأرض نهر يسمى بحراً غيره. قال الله تعالى ( فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ). فسماه يماً وهو البحر .

ومجرى النيل من الجنوب إلى الشمال , خلافاً لجميع الأنهار . ومن عجائبه أن ابتداء زيادته في شدة الحر عند نقص الأنهار وجفوفها , وابتداء نقصه حين زيادة الأنهر وفيضها . ونهر السند مثله في ذلك ( وسيأتي ذكره ) . وأول ابتداء زيادته في حزيران وهو يونيو , فإذا بلغت زيادته ست عشرة ذراعاً تم خراج السلطان , فإن زاد ذراعاً كان الخصب في العام , والصلاح التام , فإن بلغ ثماني عشرة ذراعاً أضر بالضياع , وأعقب الوباء , وإن نقص ذراعاً عن ست عشرة نقص خراج السلطان , وإن نقص ذراعين أستسقى الناس وكان الضرر الشديد .

والنيل أحد أنهار الدنيا الخمسة الكبار , وهى : النيل , والفرات , والدجلة , وسيحون , وجيحون . وتماثلها أنهار خمسة أيضاً : نهر السند ويسمى ينجباب , ونهر الهند ويسمى الكنك , وإليه تحج الهنود , وإذا حرقوا أمواتهم رموا برمادهم فيه , ويقولون : هو من الجنة . ونهر الجون بالهند أيضاً , ونهر أتل بصحراء قفجق , وعلى ساحله مدينة السرا , ونهر السرو بأرض الخطا , وعلى ضفته مدينة خان بالق , ومنها ينحدر إلى مدينة الخنسا ! ثم إلى مدينة الزيتون بأرض الصين . ( وسيذكر ذلك كله في مواضعه إن شاء الله ) . والنيل يفترق بعد مسافة من مصر على ثلاثة أقسام , ولا يعبر نهر منها إلا في السفن شتاءاً وصيفاً , وأهل كل بلد لهم خلجان تخرج من النيل , فإذا أمدّ ترعها فاضت على المزارع .

                        ذكر الأهرام والبرابي

وهى من العجائب المذكورة على مر الدهور , وللناس فيها كلام كثير , وخوض في شأنها وأولية بنائها . ويزعمون أن جميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان أخذت عن هرمس الأول الساكن بصعيد مصر الأعلى , ويسمى أخنوخ , وهو إدريس عليه السلام , وأنه أول من تكلم في الحركات الفلكية , والجواهر العلوية , وأول من بني الهياكل ومجّد الله تعالى فيها , وأنه أنذر الناس بالطوفان , وخاف ذهاب العلم ودروس الصناعات , فبني الأهرام والبرابي , وصور فيها جميع الصناعات والآلات , ورسم العلوم فيها , لتبقى مخلدة .ويقال أن دار العلم لملك بمصر مدينة منف , وهى على بريد من الفسطاط . فلما بنيت الإسكندرية أنتقل الناس إليها , وصارت دار العلم والملك , إلى أن أتى الإسلام , فاختط عمرو بن العاص رضي الله عنه مدينة الفسطاط , فهي قاعدة مصر إلى هذا العهد .

وصف الأهرام

والأهرام بناء بالحجر الصلد المنحوت, متناهي السمو, مستدير, متسع الأسفل, ضيق الأعلى كالشكل المخروط, ولا أبواب لها, ولا تعلم كيفية بنائها. ومما يذكر في شأنها أن ملكاً من ملوك مصر قبل الطوفان, رأى رؤيا هالته, وأوجبت عنده أنه بني تلك الأهرام بالجانب الغربي من النيل , لتكون مستودعاً للعلوم ولجثث الملوك , وأنه سأل المنجمين : هل يفتح موضع ؟ فأخبروه أنه تفتح من الجانب الشمالي , وعينوا له الموضع الذي تفتح منه , مبلغ الإنفاق في فتحه , فأمر أن يجعل بذلك الموضع من المال قدر ما أخبروه أنه ينفق في فتحه . واشتد في البناء فأتمه في ستين سنة , وكتب عليها : بنينا هذه الأهرام في ستين سنة , فليهدمها من يريد ذلك في ستمائة سنة , فإن الهدم أيسر من البناء .فلما أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين المأمون أراد هدمها , فأشار عليه بعض مشايخ مصر ألا يفعل , فلج في ذلك , وأمر أن تفتح من الجانب الشمالي , فكانوا يوقدون عليها النار , ثم يرشونها بالخل ويرمونها بالمنجنيق , حتى فتحت السلمة التي بها إلى اليوم . ووجدوا بإزاء النقب مالاً أمر أمير المؤمنين بوزنه, فحصر ما أنفق في النقب فوجدهما سواء, فطال عجبه من ذلك, ووجدوا عرض الحائط عشرين ذراعاً. 

                            ذكر سلطان مصر

وكان سلطان مصر على عهد دخولي إليها الملك الناصر أبو الفتح محمد بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي . وكان قلاوون يعرف بالألفي لأن الملك الصالح أشتراه بألف دينار ذهباً , وأصله من قفجق . وللملك الناصر رحمه الله السيرة الكريمة , والفضائل العظيمة . وكفاه شرفاً انتماؤه لخدمة الحرمين الشريفين , وما يفعله في كل سنة من أفعال البر التي تعين الحجاج , من الجمال التي تحمل الزاد والماء للمنقطعين والضعفاء , وتحمل من تأخر أو ضعف عن المشي في الدربين : المصري والشامي . وبني زاوية عظيمة بسرياقص خارج القاهرة . لكن الزاوية التي بناها مولانا أمير المؤمنين وناصر الدين , كهف الفقراء والمساكين , خليفة الله في أرضه , القائم من الجهاد بنفله وفرضه , أبو عنان ( أيد الله أمره وأظهره , و سني له الفتح المبين ويسره ) بخارج حضرته العلية , المدينة البيضاء حرسها الله , لا نظير لها في المعمورة , في إتقان الوضع , وحسن البناء والنقش في الجص , بحيث لا يقدر أهل المشرق على مثله . وسيأتي ذكر ما عمره – أيده الله – من المدارس والمارستانات والزوايا ببلاده, حرسها الله وحفظها بدوام ملكه.

                          ذكر بعض أمراء مصر

منهم ساقي الملك الناصر وهو الأمير بكتمور , وهو الذي قتله الملك الناصر بالسم ( وسيذكر ذلك ) . ومنهم نائب الملك الناصر أرغون الدوادار , وهو الذي يلي بكتمور في المنزلة .

ومنهم طشط المعروف بحمص أخضر , وكان من خيار الأمراء , وله الصدقات الكثيرة على الأيتام  , من كسوة ونفقة وأجرة لمن يعلمهم القرآن . وله الإحسان العظيم للحرافيش , وهم طائفة كبيرة , أهل صلابة وجوه ودعارة. وسجنه الملك الناصر مرة فاجتمع من الحرافيش آلاف , ووقفوا بأسفل القلعة , ونادوا بلسان واحد : يا أعرج النحس ! ( يعنون الملك الناصر) أخرجه. فأخرجه من محبسه, وسجنه مرة أخرى, ففعل الأيتام مثل ذلك فأطلقه. ومنهم وزير الملك الناصر , يعرف بالجمالي . ومنهم بدر الدين بن البابه . ومنهم جمال الدين نائب الكرك . ومنهم تقزدمور . ومنهم بهادر الحجازي . ومنهم قوصون . ومنهم بشتك . وكل هؤلاء يتنافسون في أفعال الخيرات , وبناء المساجد والزوايا . ومنهم ناظر جيش الملك الناصر وكاتبه, القاضي فخر الدين القبطي, وكان نصرانياً من القبط, فأسلم وحسن إسلامه. وله المكارم العظيمة . والفضائل التامة , ودرجته من أعلى الدرجات عند الملك الناصر , وله الصدقات الكثيرة والإحسان الجزيل .ومن عادته أن يجلس عشي النهار في مجلس له بأسطوان داره على النيل , ويليه المسجد ,فإذا حضر المغرب صلى في المسجد , وعاد إلى مجلسه , وأتى بالطعام , ولا يمنع حينئذ أحدا من الدخول كائناً من كان , فمن كان ذا حاجة تكلم فيها فقضاها له , ومن كان طالب صدقة أمر مملوكاً له يدعى بدر الدين , وأسمه لؤلؤ بأن يصحبه إلى خارج الدار , وهنالك خازنه ومعه سرر الدراهم , فيعطيه ما قدر له . ويحضر عنده في ذلك الوقت الفقهاء, ويقرأ بين يديه كتاب البخاري, فإذا صلى العشاء الأخيرة أنصرف الناس عنه.

 ذكر القضاة بمصر في عهد دخولي إليها

فمنهم قاضى القضاة الشافعية, وهو أعلاهم منزلة وأكبرهم قدراً, وإليه ولاية القضاة بمصر وعزلهم وهو القاضي الإمام العالم بدر الدين ابن جماعة, وأبنه عز الدين هو الآن متولي ذلك. ومنهم قاضى القضاة المالكية الإمام الصالح تقي الدين الأخنائي . ومنهم قاضى القضاة الحنفية الإمام العالم شمس الدين الحريري , وكان شديد السطوة لا تأخذه في الله لومة لائم , وكانت الأمراء تخافه . ولقد ذكر لي أن الملك الناصر قال يوماً لجلسائه: إني لا أخاف أحداً إلا شمس الدين الحريري.ومنهم قاضى القضاة الحنبلية , ولا أعرفه الآن , إلا أنه كان يدعى بعز الدين.

حكاية :

كان الملك الناصر, رحمه الله, يقعد للنظر في المظالم, ورفع قصص المتشكين, كل يوم أثنين وخميس, ويقعد القضاة الأربعة عن يساره, وتقرأ القصص بين يديه, ويعين من يسأل صاحب القصة عنها. وكان رسم القضاة المذكورين أن يكون أعلاهم منزلة في الجلوس قاضى الشافعية, ثم قاضى الحنفية, ثم قاضى المالكية, ثم قاضى الحنبلية. فلما توفى شمس الدين الحريري وولى مكانه برهان الدين بن عبدالحق الحنفي , أشار الأمراء على الملك الناصر بأن يكون مجلس المالكي فوقه , وذكروا أن العادة جرت بذلك قديماً , إذ كان قاضى المالكية زين الدين بن مخلوف يلي قاضى الشافعية تقي الدين بن دقيق العيد , فأمر الملك الناصر بذلك .فلما علم به قاضى الحنفية غاب عن شؤون المجلس أنفة من ذلك . فأنكر الملك الناصر مغيبه , وعلم ما قصده , فأمر بإحضاره , فلما مثل بين يديه , أخذ الحاجب بيده وأقعده , حيث نفذ أمر السلطان , مما يلي قاضي المالكية , واستمر حاله على ذلك .

                     ذكر بعض علماء مصر وأعيانها

فمنهم شمس الدين الأصفهاني , إمام الدنيا في المعقولات . ومنهم شرف الدين الزواوي المالكي . ومنهم برهان الدين بن بنت الشاذلي ,نائب قاضى القضاة بجامع الصالح . ومنهم ركن الدين بن القوبع التونسي ، من الأئمة في المعقولات . ومنهم شمس الدين بن عدلان ، كبير الشافعية . ومنهم بهاء الدين بن عقيل ، فقيه كبير . ومنهم أثير الدين أبو حيان محمد ابن يوسف بن حيان الغرناطي ، وهو أعلمهم بالنحو . ومنهم الشيخ الصالح بدر الدين عبد الله المنوفي . ومنهم برهان الدين السفاقسي . ومنهم قوام الدين القرماني ، وكان سكناه بأعلى سطح الجامع الأزهر ، وله جماعة من الفقهاء والقراء يلازمونه ، ويدرس فنون العلم ، ويفتى في المذاهب ، ولباسه عباءة صوف خشنة وعمامة صوف سوداء ، ومن عادته أن يذهب بعد صلاة العصر إلى مواضع الفرج والنزهات منفرداً عن أصحابه . ومنهم السيد الشريف شمس الدين بن بنت الصاحب تاج الدين بن حناء . ومنهم شيخ شيوخ القراء بديار مصر ، مجد الدين الإقصرائي (نسبة إلى قصرا من بلاد الروم ) ومسكنه سرياقص.  ومنهم الشيخ جمال الدين الحويزائي ( والحويزة على مسيرة ثلاثة أيام من البصرة ). ومنهم نقيب الأشراف بديار مصر، السيد الشريف المعظم، بدر الدين الحسيني، من كبار الصالحين. ومنهم وكيل بيت المال ، المدرس بقبة الإمام الشافعي ، مجد الدين بن حرمي . ومنهم المحتسب بمصر ، نجم الدين السهرتي ، من كبار الفقهاء ، وله بمصر رياسة عظيمة وجاه .

اجمالي القراءات 3819