كــل شئ ممكــن
عندما تكون البلادة من الإيمـــان
36)
إن هناك كتابا ومفكرين غير مسلمين صرحوا بأنهم بعد اطلاعهم وتأملهم ما جاء في التوراة والإنجيل بمختلف الروايات ذهلوا لهول ما صدموا به من تناقضات وخرافات لم تتمكن من الصمود أمام سلطان الفطرة والعقل والعلم والموضوعية . وقد صرحوا بهذا بعد أن تسلحوا بالإنصاف والنقد الموضوعي.
كما أن نفس الكتاب والمفكرين صرحوا بكل إنصاف وشجاعة أنهم ذهلوا كذلك بعد أن اطلعوا على ما جاء في القرآن . نعم صرحوا بأنهم ملئوا دهشة لأنهم لم ي&;جدوا في القرآن ما يتناقض مع العقل أو يصطدم بالعلم أو الفطرة ، بل وأكثر من ذلك صرحوا بأنهم انبهروا لما علموا أن القرآن بالذات جاء حاثا الناس للإعتماد على العقل والتدبر والفطرة والموضوعية والعلم .
وعندما نلتفت إلى حال المسلمين الذين تلقوا آخر جزء من الرسالة بواسطة الرسول محمد عليه الصلاة ، وهم الذين ينتظر منهم أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس ، نجد حالهم يرثى له لاسيما منذ حوالي عشرة قرون ، نعم يرثى لحالهم ولسببـين اثنين على الأقل حسب رأيي وبكل تواضع :
01) لأنهم أحكموا إغلاق وإقفال باب الاجتهاد ولأنهم غيبوا العقل ووأدوه منذ أزيد مما لبث سيدنا نوح في قومه مبشرا ونذيرا .
– 2 –
02) ولأنهم بالمقابل فتحوا على مصاريعها أبواب كل شئ ناسبيـن أي شئ إلى الرسول محمد زاعمين أنه قاله أو تحدث به أو فعله أو اعتمده ، نعم فعلوا كل ذلك ولم يكونوا يشعرون أنه مفعول بهم وأن ذلك هو محلهم في الإعراب ، وأما الفاعـــل فهو عدوهم إبليس وبكل ما أوتي من صبر وجلد وأناة وإخلاص مصداقا لرهانه الذي تراهن به عندما طلب من الخالق سبحانه وتعالى أن ينظره إلى يوم البعث قائلا له : (( فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم - ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن إيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين - )) 14+15+16+17 – سورة الأعراف –
وهكذا تمكنوا فعلا من وضع الأقفال على قلوبهم وتكبيلها بإحكام واضعين عقولهم داخل آلات التجميد غير مكترثين بما تفعله البطالة الضاربة أطنابها فيها .
وإذا كان أهل الكتاب من يهود ومسيحيين متشبثين بالأجزاء التي ورثوها من توراة وإنجيل أو أناجيل ، وإذا كانوا عاضين عليها بالنواجذ واضعين فيها الثقة العمياء رافضين التحقيق فيها ببصيرة العقل والعلم والموضوعية ، بل محاولين لــي أعناق كل ما هو مرفوض أو ملفوظ من قبل الموضوعية والعلم والفطرة متظاهرين بمزاعم غير مستقيمة ، فهم في الحقيقة غير معذورين ، ولعل التعبير القريب من الصحة هو : إن موقفهم مفهوم لأنه نتيجة إصرار وتعنت وتكبر.
أما الطامة الكبرى فهي في الموقف الغامض وغير المفهوم للمسلمين الذين أداروا ظهورهم لحديث الخالق الذي صرح لإبليس أن كيده لا يصمد أمام عباد الله المخلصين ، والأدهى والأمر أن المسلمين لم يقض مضجعهم كونهم يقرأون القرآن آناء الليل وأطراف النهار وكونهم يتلون قسم الله العظيم الصارخ بأن الأمر جاد وبأنه قسم عظيم للمتدبرين السالكين منهج العلم الذي يفيد بأنه حقا قرآن كريم وبأنه تنزيل من رب العالمين . نعم إن حالهم يفيد بأنهم لم يكترثوا وبأنهم بهذا الحديث ما زالوا مدهنين ، ولا أدل على غفلة المسلمين عن الحديث الوحيد الذي ينبغي اعتباره وتقديره حق قدره ولا أدل على تكذيبهم له من موقفهم حاليا ومنذ قرون ، ذلك الموقف الذي ينطبق عليه التعبير الساخر الكاريكاتوري الذي اعتمده الله سبحانه وتعالى في الآية رقم 24 في سورة محمد عليه الصلاة .
والدليل القاطع على هذا هو أن المسلمين لم يكتفوا بأن يكونوا مدهنين بحديث الخالق بل راحوا يخترعون ويبتدعون ويتقولون الآلاف المؤلفة من أحاديث وأفعال ومواقف نسبوها إلى الرسول محمد الذي يصلى عليه الله وملائكته ، وتمكن هؤلاء المسلمون حقا من أن يملأوا الدنيا بل أن يغرقوا حديث الخالق المنزل ، أن يغرقوه في بحر متلاطم من كل ما هو بعيد عن الفطرة والعقل والموضوعية. وهكذا يصبح كل شئ ممكنا عندما تكون البلادة من الإيمان .