حول موت الرئيس الأسبق محمد مرسى
مقدمة
1 ـ من يومين دارت مناقشاتنا العائلية فى المنزل حول الحملة الاعلامية علينا فى موضوع الحلقات الثلاث فى برنامج ( عصير الكتب ) والتى تم حفها بسبب هجومنا على ( الخلفاء الراشدين ) . إنتهى سريعا هذا ( المولد الإعلامى ) ، وبدأ فجأة ( مولد إعلامى ) جديد حول موت الرئيس الأسبق مرسى . قالت (أم محمد ) : ( إن الناس لن تنسى ماحدث للرئيس الأسبق محمد مرسى وسيتعاطفون معه ). قلت : ( إن فى مصر : " كل شىء فيها يُنسى بعد حين " ، كما قال أمير الشعراء أحمد شوقى ، سينتقل الناس الى موضوعات أخرى ربما بعد اسبوع أو أكثر ، وسينتهى مولد مرسى كما إنتهت موالد أخرى سابقة ، منها مولد أمس عنّا .). قال محمد منصور : ( أنا ضد الاخوان سياسيا ولكننى متعاطف معهم إنسانيا ، وخصوصا مع المعتقلين منهم وما يرد من أخبار عن تعذيبهم . وزاد تعاطفى مع الرئيس الأسبق مرسى بعد موته والتعتيم على دفنه ومنع صلاة الغائب عليه . هذا تطرف فى الخصومة . إن مرسى لم يرتكب 1% مما إرتكبه حسنى مبارك ، ولكنه عانى فى السجن مائة ضعف مما عاناه مبارك فى سجنه فى مستشفى فاخر ، ثم الإفراج عنه ليتمتع بعشرات البلايين مما تبقى له من سرقاته ، أين هذا من مصادرة أموال الإخوان وهم لم يسرقوا ما سرقه العسكر ؟!).
2 ـ وسألنى ابنى محمد لماذا لا تكتب فى موضوع مرسى ؟ . قلت له : سأكتب عنه من وجهة نظر أخرى ، ليس تعاطفا معه ، ولكن تعاطفا مع الذين أنتمى اليهم وهم المستضعفون فى الأرض ضحايا العسكر والإخوان ، مع ملاحظة ان العسكر والاخوان مع صراعهم معا الى حد الفجور فى الخصومة إلا إنهم يتحدون معا ضدنا ، والدليل ما حدث أمس، فالصحفى أحمد موسى الذى هاجمنا بوقاحة أتفق معه فى الهجوم علينا معتز مطر الإخوانى بنفس الوقاحة ، ومعهم كثيرون ممّن أطلقت عليهم لقب القفا ، فى المقال السابق : (القفا حين يتوجع ويتفجّع : عن حذف الحلقات التى شاركت فيها فى برنامج (عصير الكتب).
3 ـ وأقول بعض ملاحظات :
أولا : نحن مع المستضعفين فى الأرض ضد المستكبرين فى الأرض :
1 ـ دفاعنا عن المستضعفين فى الأرض ورد فى مقالات متفرقة وفى أجزاء بعض الكتب مثل
1 / 1 : أحدث كتاب منشور لنا وهو ( الصبر فى الاسلام ) وفيه الفصل الثالث : المستضعفون والصبر)
1 / 2 :وقبله كتاب ( مذبحة مسجدى نيوزلنده فى رؤية إسلامية) فى الفصل الثانى : ( المستضعفون الظالمون لأنفسهم ولرب العزة جل وعلا ) ( على هامش المذبحة : المستضعفون فى الجولان ).
1 / 3 : ويجرى الآن نشر مقالات عن ثقافة الفقر وفيها التركيز على مصر ، حيث يجرى إفقار الطبقة الوسطى وهبوطها الى طبقة الفقراء بينما يتحول الفقراء الى أفقر الفقراء ، ويتحول فيه (السادة )الى مترفين إرهاصا بتدمير مصر من الداخل ، فالقاعدة القرآنية تؤكد أن وجود المترفين علامة على الإهلاك للمجتمع . كتابة هذه المقالات تسبب لى إكتئابا فأستريح منها أياما لأكتب فى موضوع جديد . سبب الإكتئاب هو الانتماء للمستضعفين واليأس من إصلاح سلمى للمستكبرين .
2 ـ فى الهجوم على المستبدين المستكبرين كتبت شاهدا على العصر:
2 / 1 : ضد حسنى مبارك
2 / 1 / 1 كتاب ( وعظ السلاطين من الخلفاء الفاسقين الى حسنى مبارك اللعين )
2 / 1 / 2 : هذا عدا عشرات المقالات من عام 2006 الى إسقاطه ، ثم مقالات ضد حكم المجلس العسكرى الذى تولى بعده ، بالإضافة الى نضال سياسى فى واشنطن من تكوين منظمات تدعو للحرية وعقد لقاءات ومؤتمرات صحفية ضد مبارك وقيادة مظاهرات شارك فيها أحرار مصريون فى المهجر الأمريكى ومعهم أولادى .
2 ـ وتولى مرسى بإخوانه فكتبت ضده :
2 / 1 : الكثير من المقالات ، مع كتاب أنتقد فيها الدستور الذى عرضه : ( دستور مرسى الاخوانى فى دراسة تحليلية أصولية تاريخية )
2 / 2 : ثم هاجمته فى كتاب (هذا الحكم المسىء للاسلام الذى يقضى باعدام المسيئين للرسول عليه السلام ) ، إذ صدر حكم بالإعدام على الناشط القبطى موريس صادق وبعض رفاقه ، وكان المقال الأخير فى الكتاب بعنوان :( أيهما الأكثر عداءا للإسلام : مرسى أم موريس ؟ )
2 / 3 : هذا عدا الهجوم على محمد مرسى بسبب قتل وسحل الفقيه الشيعى حسن شحاتة ورفاقه يوم الأحد 23 يونية 2013 . أصدرنا : ( بيان المركز العالمى للقرآن الكريم : إستنكارا لقتل الشيخ حسن شحاتة الزعيم الشيعى فى مصر ، وأربعة من رفاقه )
3 ـ فرحتى لم تتم بإسقاط محمد مرسى وتولى السيسى . كنت آمل فى السيسى خيرا . والعادة أن المصلح يفرح بأى بادرة إصلاح ، وبدأ السيسى بتصريحات مبشرة عن اصلاح الخطاب الدينى. كتبت مشجعا ، ثم تبين أنه لا فائدة ، فهاجمته ، وصدرت المقالات فى كتاب ( شاهد على بضعة أشهر من حُكم السيسى . هذا عن مقالات لاحقة..
4 ـ ونفس الحال مع ظهور ولى العهد السعودى ، مقالات تم تجميعها فى كتاب ( شاهد على بضعة أشهر من حكم ولى العهد السعودى : محمد بن سلمان ( اكتوبر : ديسمبر 2017)
5 ـ تدبر فى قصص القرآن عن بنى اسرائيل وفرعون موسى ، وتوضيح أوجه الشبه بين فرعون موسى والمستبدين المعاصرين وفى تاريخ المسلمين
6 ـ ثم فضح الخلفاء الفاسقين من قريش الى العثمانيين ، من ( الراشدين ) الى الأمويين والعباسيين والفاطميين ، والكتب والمقالات فى هذا لا يتسع لها هذا المقال ، ولكن فيها توضيحا لمعاناة المستضعفين فى الأرض من أهل البلاد المفتوحة والتى حكمها أولئك الخلفاء الفاسقون المستكبرون . وفى حلقات برنامج ( لحظات قرآنية ) تعرضنا لهذا . كل ذلك سبّب الهجوم علينا وتكفيرنا من الشيعة والوهابيين والاخوان والصوفية ، بل ويشارك فى الهجوم أحيانا بعض المستضعفين الذين ندافع عنهم . وربما لو كنا فى مصر لتعرضنا لمصير الفقيه الشيعى د. حسن شحاته .!
7 ـ فى كل ما سبق نحن فى مكاننا ؛ لسنا مع الاخوان ضد العسكر ولسنا مع العسكر ضد الاخوان . نحن مع حقوق الانسان وكرامته ومع المستضعفين ، ونحن ضد الظلم والظالمين ، وهذا هو جهادنا الاسلامى السلمى الإصلاحى ، والذى لا تأخذنا فيه لومة لائم .
8 ـ غيرنا أحزاب ، منهم الراقصون للعسكر المدافعون عنهم ، والمتعاطفون والمناصرون للإخوان ، وبهذا كان الإستقطاب بين الأتباع فى صراع العسكر والإخوان . هو صراع سياسى حول حُطام الدنيا وحول التحكم فى المستضعفين فى الأرض . وفى هذا الصراع يجهش بعضهم بالبكاء على ( مرسى ) ناسيا ضحاياه من المستضعفين . وعندما سقط مبارك كان هناك من بكى عليه ناسيا جريمته فى حق مصر ومستضعفيها ، وهى جرائم لا تزال مصر تدفعها ، أهمها إجرام تلميذه عبد الفتاح السيسى . وعند موت السيسى سيجهش بالبكاء كثيرون ، وربما يرفع بعضهم لافتة ( أُذكروا محاسن موتاكم ). وهذا حديث إفك يُطيح بالحقوق ويعطى الظالمين صكّ براءة لا يمنحها لضحاياهم المستضعفين الذين لا يأبه بهم غيرنا .
ثانيا : المستضعفون فى الأرض ضحايا صراع المستكبرين فى الأرض
1 ـ حين تتقاتل الأفيال فى الغابة تهرب الحيوانات الصغيرة خوفا على حياتها . حين يتقاتل المستكبرون فى الأرض لا يستطيع المستضعفون الفرارلأنهم ( ملح الأرض ) ولأن الصراع يدور من أجل إستعبادهم . هنا لا فارق بين صحابة الفتوحات وصراع العسكر والاخوان. سكان البلاد التى فتحها ( الخلفاء الراشدون ) لم يحظوا بإهتمام المؤرخين ، الذين كالوا المدح للمجرمين المستكبرين ، وإعتبروا المدافعين عن أوطانهم كفرة ، ولم يذرفووا دمعة على السكان المقهورين ، ولم يذكروهم فى سطر تعزية . هو نفس الحال فى عصرنا البائس . المصريون البسطاء المقهورون هم ضحايا صراع المستكبرين من الاخوان والعسكر . دماء المصريين المسالمين نزفت فى مذابح من عزل مبارك وحتى الآن ، ولم يأخذوا ما يستحقون من تكريم .
2 ـ : لبث محمد مرسى فى الحكم عاما واحدا ( 30 يونية 2012 الى 3 يولية 2013 ) ، فى هذا العام الوحيد أحدث فوضى دستورية وسياسية وأثبت فيه فشلا ذريعا ، إستحق أن أقول عنه وعن إخوانه ( إن الاخوان ظلوا ثمانين عاما يخططون للوصول الى الحكم ، وما انفقوا ثمانين دقيقة يفكرون فيها كيف سيحكمون مصر.! ) . فشل الاخوان هو السبب فى تمكين العسكر ، ليس من الآن بل من بداية تحالفهم مع الانقلاب العسكرى عام 1952 . كانوا له الظهير الشعبى ثم حاولوا التحكم فى الضباط فعصف بهم عبد الناصر ، وظلوا عنصريا سلبيا فى الصراع مع العسكر يستغله العسكر فى البقاء ، وهم بغباء منقطع النظير لا يتعلمون من أخطائهم ، ويجعلون الشعب هو الضحية لحمقهم ولتجبر العسكر .
ثالثا : الذين يذرفون الدمع على موت محمد مرسى أين دموعهم :
1 حين كان الرعاع ( من المستضعفين فى الأرض ) يجرون أجساد الفقيه الشيعى المسالم د حسن شحاته ورفاقه وهم يهتفون ( الله أكبر ) .! ما الذى فعله د حسن شحاته ؟ وما الذى جناه كى يتعرض من قبل لتعذيب هائل فى السجون ؟ لم يؤذ أحدا ، ولكنه ضحية مرسى وجماعته . كان صديق مرسى ( المحامى السلفى ممدوح إسماعيل ) هو الذى دبر إغتيال د حسن شحاته ورفاقه بهذه الطريقة فى وضح النهار ، دمروا مسكنه وسحلوهم قتلا ، وفى حراسة الشرطة ، لا يستخفون من الناس ولا يستخفون من رب الناس جل وعلا.!.
2 : حصيلة القتلى فى العام الذى حكم فيه مرسى وصل الى حوالي 172 شخصا في أحداث سياسية و 39 في أحداث طائفية و17 خلال احتجاجات اجتماعية و قتيل واحد في تظاهرات عمالية و48 حالة وفاة داخل أماكن الاحتجاز و 48 قتيل نتيجة استخدام مفرط للقوة من قبل وزارة الداخلية. ماذا لو إستمر محمد مرسى فى الحكم ؟ لا ننسى أن الإخوان يعتبرون تداول السلطة كفرا . ألا من بواكى لأولئك الضحايا ، أم أن البكاء على موت مرسى فقط ؟!
3 ـ لا مهرب من الموت . وبينما يحترم معظم الناس من ذكرى الموت فإن الإخوان المسلمين مشهورون بالتشفى فيمن يموت من أعدائهم ويعتبرون موته إنتقاما إلاهيا. فى موت محمد مرسى نعاه خصومه العلمانيون وترحم بعضهم عليه . ولم يحظ ضحاياه بهذا التعاطف .
4 ـ مات مرسى وسيموت السيسى وسيموت كاتب هذه السطور . لم أحزن على موت مرسى ، ولوعشت وادركت موت السيسى فلن أحزن عليه . إننى أدّخر الحزن على المستضعفين فى الأرض الذين يخسرون الدنيا والآخرة . هم فى الدنيا ضحايا المستكبرين ، وفى الآخرة مأواهم جهنم وبئس المصير ، إذ جعلوا لله جل وعلا أندادا . قال جل وعلا : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّـهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّـهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴿١٦٥﴾ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴿١٦٦﴾ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّـهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴿١٦٧﴾البقرة)
أخيرا : احسن الحديث :قال جل وعلا :
1 ـ ( لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴿١٩٦﴾ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿١٩٧﴾ لَـٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّـهِ ۗ وَمَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ ﴿١٩٨﴾ آل عمران )
2 ـ ( مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّـهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ ﴿٤﴾ غافر )
3 ـ ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٨٣﴾ القصص )
ودائما : صدق الله العظيم .!