( القفا ) حين يتوجع ويتفجّع : عن حذف الحلقات التى شاركت فيها فى برنامج (عصير الكتب )
أولا :
1 ـ هناك من يأخذ بيده زمام المبادرة والمبادأة ، ثم هناك الطرف الآخر الذى يقع فى رد الفعل ، يتأوه ، يصرخ ، يشتم ، يلعن ويتوجّع ويتفجّع . هذا يذكرنا بالعملية الجنسية ، الرجل هو الفاعل والأنثى هى التى تتأوه وتتوجّع وتتفجّع . على مدى التاريخ فإن من يأخذ زمام المبادرة وزمام المبادأة قليلون فى هذا العالم ، ومعظمهم يفعلها مرة أو مرات فى حياته ، ثم يركن الى الظل . لكن هناك من أخذ زمام المباردة والمبادأة من عام 1977 وإستمر حتى الآن بعد أن جاوز من عمره السبعين . إنه كاتب هذه السطور. بدأها مدرسا مساعدا فى قسم التاريخ والحضارة الاسلامية فى كلية اللغة العربية بالقاهرة جامعة الأزهر ، وواصل دوره داخل الأزهر ثم خارجه فى مصر ثم فى أمريكا. طيلة هذه السنوات وهو يصفع قفا المحمديين ، لا يكلُّ ولا يملُّ ، والقفا يتأوه ويصرخ ويسب ويشتم ويتوجع ويتفجّع.
2 ـ كان وحيدا بمفرده عام 1977 يواجه ــ وهو مدرس مساعد ـ شيخ الأزهر ذا النفوذ الجبار وقتها ( عبد الحليم محمود ) وهلك أو ( تنيح ) عبد الحليم محمود وجاء على أثره آخرون هلكوا أو ( تنيحوا ) ، وعاشوا قفا يتلقى الصفعات . ثم هناك تابعون من الشيوخ تختلف أديانهم الأرضية من سنة وتشيع وتصوف ، كل منهم قفا يتلقى الصفعات فيئن ويصرخ ويسب ويشتم و يتوجع ويتفجّع. ثم هناك إعلاميون تابعون للسلطة ، هم على دين شيوخهم ، يرقصون للسلطان ، ومثل شيوخهم يمتد منهم القفا يطلب الصفع ، ولا نبخل عليه بالصفع " احيانا ".
3 ـ هذا الصفع وذاك التأوّه ( النسائى ) أحدث أثرا هائلا فى المسيرة الفكرية فى العالم ( الاسلامى ) . عام 1977 كنت وحيدا ، أجهر بإنتقاد البخارى وغيره من الأئمة المقدسين ، ثم تطور الأمر الى إنتقاد الصحابة المجرمين ثم إعلان أن شهادة الاسلام واحدة فقط ( لا إله إلا الله ) وأن من الكفر تاليه البشر حتى الأنبياء ..الآن تم تعبيد الطريق ، إنفجرت فى وجوهنا الألغام ، ولكن سار بعدنا غيرنا يقول ( بعض ) ما نقول دون حرج ، فلم يعد إنتقاد البخارى وغيره ولا الصحابة شيئا خطيرا ، تشجع كثيرون ، وإنتحلوا ( بعض ) ما نقول ، ونحن سعداء بما يفعلون لأن هدفنا أن تصل مساحة التنوير الى أبعد مدى ممكن ، وهو ما نشهده الآن . وأى منصف يقارن الحركة الفكرية للمسلمين اليوم بما كانت عليه عام 1977 ، يجد فارقا هائلا ، نحن الذين أحدثنا هذا الفارق ، والفضل يعود جزئيا الى (القفا ) الذى تحمل ويتحمل المزيد . تأوهات القفا وأنينيه وإتهاماته لفتت الإنتباه لنا . وفى البداية كنت أكتب : ( إن مفكرا مثلى قليل الحيلة يحتاج الى أن تنبحه الكلاب ليلتفت اليه الناس ) . وتتابعت المسيرة ، وتتابع النباح ، وفى كل مرة نأخذ زمام المبادرة والمبادأة ، والقفا يئن ويتوجه ويسب ويلعن ويتوجع ويتفجّع ويتألم مثل المرأة ( الهلوك ) عند الجماع الجنسى ، على حد قول الشاعر :
ويعجبنى منك حين النكاح حياة الكلام وموت النظر .
لا يقدم القفا جديدا فى الهجوم وفى التأوه وفى الأنين والتفجّع والتوجّع ، هى كاليشيهات مكررة ، شأن العاهرة الملتزمة بنوتة موسيقية تتأوه بها كل حين ، لا تملٌّ ولا تكلُّ . وهو ما يحدث الآن فى مولد المرحوم ( عصير الكتب )..
ثانيا :
1 ـ لا علم لى بما يسمى تليفزيون العرب ، ولكن لدى معرفة بالاستاذ بلال فضل منذ كان يعمل فى جريدة الدستور ، وقد نشرت لى مقالات منها ( المسكوت عنه من تاريخ عمر بن الخطاب فى الفكر السنى ) فى منتصف التسعينيات ، وهو نفس البحث الذى أعدت نشره على موقعنا وعلى موقع الحوار المتمدن وموقع عرب تايمز و موقع شفاف الشرق الأوسط ثم فيما بعد على موقعنا (أهل القرآن ) فتأوّه منه القفا كثيرا . بلال فضل كاتب مثقف لم تحتمله مرحلة السقوط الحالية فى مصر . هو صاحب رؤية يعبر عنها بالكتابة وبالدراما ، ودفع الثمن نفيا وغُربة . كتبت مره أضعه ضمن الكتاب الذين يعجبنى اسلوبهم . بلال فضل يعيش فى نيويورك ، وسمعت أن له برنامجا على اليوتوب إسمه ( عصير الكتب ). إتصل بى وعرض أن يستضيفنى فى ثلاث حلقات فى هذا البرنامج . ومع أننى ـ بسبب ظروف صحية ـ لا أحضر مؤتمرات ولا لقاءات فقد رحبت معتقدا أن ( عصير الكتب ) برنامج على اليوتوب شأن برامجنا على قناة اهل القرآن . وحتى لو كان برنامجا فى قناة فضائية فأنا لا أطلب أجرا . وسافرت فى سيارة ابنى الأمير منصور الى نيويورك ، وسجلنا الحلقات الثلاث ، وعرفت وقتها أنها الحلقات الأخيرة فى برنامج عصير الكتب ، أى أنه سيقدم بعده برنامجا جديدا ، وأنه أراد ختم برنامجه الذى استمر سنوات ــ على ما أعتقد ــ بهذه الحلقات معى .
2 ـ كانت لديه أسئلة محددة ، فلا يمكن لأسئلته فى الحلقات الثلاث أن تستوعب واحدا على الألف من المنشور لى من ألاف الكتب والمقالات والفتاوى والبرامج فى موقعنا وفى قناتنا على اليوتوب ، خصوصا أن من أسئلته أيضا ما يتاول حياتى وعلاقاتى بالراحل فرج فودة . أى لا بد من التركيز والاجابات السريعة. أظن أن هذا كان تخطيطه . كان لى تخطيط آخر ، ان أجذبه الى اهم ما أريد التصريح به فى هذه العجالة . لذا فى بداية الحلقة الأولى شكرته على إستضافتى وأننا نعانى من التعتيم المفروض علينا ، وأنه لو كان لدينا برنامج على قناة فضائية لإختلف الوضع ، ولكننى ممنوع من الكلام فى فضائيات الخصوم ، وإستشهدت بحلقات إستضافنى الأخ المتنصر رشيد ( المغربى ) ، وكيف أنها أحدثت ضجيجا ، وانتقدها المتطرفون المسيحيون والمتطرفون (المحمديون ) على السواء ، ثم أشرت الى الفتوحات وكيف أنها جريمة تخالف الاسلام ، وأن الخلفاء الذين قاموا بها هم جواسيس لقريش ، وهذا موجود وموثق فى كتاب ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) وفى حلقات الصلاة فى برنامج ( لحظات قرآنية ) وفى كتابنا عن الصلاة الاسلامية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمديين ، ومقالات كثيرة أخرى. وحرصت فى الحلقات الثلاث على الاستشهاد بكتبى المنشورة فى موقع أهل القرآن . لم يكن متاحا للإستاذ بلال فضل أن يأخذ وقته فى التعليق أو الاستنكار ، فمدفع الحقائق كان منطلقا ، وقد أجهد نفسه فى القول بأنه ليس مع أو ضد هذا ولكنه يدعو الى حوار حضارى .
3 ـ لم يحدث الحوار الحضارى . برز القفا يئن ويتوجع ويتفجّع ويسب ويشتم ويلعن . وتكاثر هذا حتى أخذت القناة قرارا بمنع الحلقة الأولى ثم حذفت الحلقتين . ونشرت السى إن إن فى موقعها العربى نبأ الحذف ، وتابعتها مواقع اخرى . وإنتهز الفرصة مذيع للعسكر الحاكم فى مصر أخذ يهاجمنى ويهاجم قطر ، وإستضاف هذا المذيع شيخا من الأزهر،أخذ يئن ويتوجع ويتفجّع يكرر نفس الموشح الهابط ، مجرد الترديد دون تجديد .
ثالثا :
1 ـ نعقد مقارنة بين الأخ رشيد المتنصّر فى برنامجه ( سؤال جرىء ) وقناة تليفزيون العرب . قال الأخ رشيد كل ما يخطر على باله من الطعن فى الاسلام ، ورددت عليه بإجابات علمية ، كانت أحيانا تثير حنقه ، والحلقات موجودة لمن يريد التأكد ، بل رأيتها منشورة بالكتابة . ومع شدة الانتقادات المسيحية للحلقات وأن ما أقول فيها يعتبر دعاية للإسلام إلا إن القناة لم تحذف الحلقات ، بل لا تزال تحصد المزيد من المشاهدات . الاستاذ بلال فضل رأى أن يختم برنامجه عصير الكتب بإستضافتى , أى يعلم مقدما بالمحاذير . وقد غامر وخاطر . ثم كانت النتيجة حذف الحلقات الثلاث ، وبدء عزف منفرد من القفا فى التأوّه والتوجع . الأخ رشيد وقناته أكثر ذكاءا من أصحاب القفا .
2 ـ بغض النظر عن إستمرار القفا فى الأنين والتوجع فهذا مكسب لنا . لا زلت محتاجا لأن تنبحنى الكلاب . وهم بأنّاتهم وتوجعهم وتفجعهم يقدمون دعاية مجانية لى . ما قلته فى دقائق عن الخلفاء الفاسقين موجود بالتفصيل فى كتاب ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) وبدأت مواقع على الانترنت فى تحميل الكتاب ، عدا مواقع أخرى تنشر مؤلفاتى للبيع ، وليسوا محتاجين لأخذ الإذن منى ، فقد أعلنت أن النشر متاح لمن يريد ، شريطة ألا يحتكر النشر .
أخيرا
1 ـ مجرد دقائق فى حلقة من برنامج ( عصير الكتب ) أحدثت هذا الانقلاب ، فماذا لو كان لدينا برنامج على إحدى القنوات الفضائية ؟
2 ـ لو حدث هذا لوصل التورم بالقفا الى مرحلة الانفجار . ومع ذلك فلن يقول القفا جديدا .
3 ـ فى هذا الصراع : من هو ( المنصور ) فى النهاية ؟ إنه " أحمد صبحى " ( منصور )
4 ـ أليس كذلك ؟ بل هو كذلك .!!