إثباتا لحقيقة تاريخية : للتشنيع على الاخوان المسلمين
أنا الذى أذعت الفتوى السنية بأن من حق الامام قتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين
مقدمة :
1 ـ جاء فى الأنباء الآتى :
( عندما طلب الرئيس الرئيس السوداني المعزول عمر حسن البشير من قواته الأمنية مواجهة المتظاهرين بالقوة، لم تكتف اللجنة الأمنية برفض طلبه فحسب، بل قررت عزله، بسبب تصريحات خطيره نسبت له في ذلك اليوم. وقال محمد حمدان حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري الذي تولي مقاليد السلطة في السودان، إن أوامر البشير بمواجهة المعتصمين لم تكن أوامر رئاسية عادية، بل استندت إلى "فتوى مالكية" قال إنها تبيح "قتل ثلث الشعب من أجل الحفاظ على الحكم". وقد أثارت تصريحات حميدتي ردود فعل واسعة تخللتها تنديدات واتهامات للنخب الدينية التي تحيط بالبشير، بالوقوف وراء هذه "الفتوى". وأشارت أصابع الاتهام تحديدا إلى عضو هيئة علماء المسلمين الشيخ عبد الحي يوسف. سارع عبد الحي إلى نفي وقوفه وراء مثل هذه "الفتوى" ووصف الاتهامات الموجهة له بأنها مجرد افتراء. لكن نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي يرون أن الحديث المذكور، ليس غريبا على البشير وحاشيته الذين وصفوهم بـ "المنافقين وتجار الدين". الفتنة تطل براسها والمنافقين بأسم الدين سوف يحشدون البسطاء كما حشودهم مسبقا باسم الجهاد و ضد منّ؟ ضد المسلمين كما قالو ان في المالكيه أحل لهم قتل الثلث و قتل النصف.. نخشى الان علي السودان منهم ومن الأحزاب لانهم اشتروهم وللأسف الشديد ان احزاب الإنقاذ ماديين و ضعاف نفوس. ) إنتهى الخبر .
2 ـ وأقول :
أولا : هذه الفتوى بحق الامام فى قتل ثلت الرعية لاصلاح الثلثين موجودة فى تلافيف الفقه السنى ، وقد أثارت جدلا فى العصر المملوكى ذكره ابن حجر فى تاريخه ( إنباء الغمر بأبناء العمر ) . أذعتها تشنيعا على الاخوان وتحذيرا من الوثوق بهم . وأذكر القصة.
أولا :
1 ـ بعد الإفراج عنى من السجن فى نهاية ديسمبر 1987 هربت الى أمريكا فى يناير 1988 خوفا على حياتى بسبب الهجوم الذى شنّه على شيوخ الأزهر وفهمى هويدى . لبثت فى أمريكا حوالى عشرة اشهر من المعاناة ثم قررت الرجوع الى مصر فى اكتوبر 1988 عالما بأنهم سوف يعتقلوننى فى المطار. وهذا ما حدث. قضيت ليلتين من أسوا الليالى فى سجن داخلى فى المبنى الرئيس لأمن الدولة وقتها فى القاهرة ( لا ظوغلى ) ، حيث فحصوا ثلاثة حقائب كانت معى محملة بأوراقى وكتبى غير المنشورة . ثم حققوا معى . كنت مرهقا متعبا . وعدتهم أن أكتب لهم تقريرا صادقا عما حدث لى فى أمريكا . أفرجوا عنى . رجعت فى منتصف الليل لأولادى . وبعد اسبوع وفى الموعد المحدد ذهبت الى هناك وسلمتهم التقرير المطلوب. وكانوا فى لهفة للحصول عليه .
2 ـ فى التقرير ذكرت بكل صدق وأمانة أن رشاد خليفة الذى دعانى لأمريكا وإستضافنى فى مسجده فى مدينة توسان فى ولاية اريزونا ، وأنا فى ضيافته حاول إستغلالى لأؤيده فى زعمه النبوة. كان يحتفظ بجواز سفرى وكل أوراقى فى مكتبه . حدثت مشادة بيننا بالعربية ، وإنصرف غاضبا ، فطلبت من سكرتيرته الحصول على بعض أوراقى فلم تمانع لأنها لم تفهم ما دار بيننا ، أخذت كل متعلقاتى وهربت ، وسكنت فى سكن بعيد بمساعدة بعض الأصدقاء . ثم ذهبت الى سان فرانسيسكو ، وعشت فيها فترة . كانت فترة قاسية ، فَإضطررت الى الرجوع.
بعد ذكر كل التفاصيل ـ وأنا واثق أنهم سيستوثقون من صحتها ــ كتبت لهم فى خاتمة التقرير أننى أناضل كى لا يصل الاخوان للحكم ، لأنهم يؤمنون بفتوى تقول إن من حق الامام ( أى الحاكم السنى ) أن يقتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين. وقلت لهم إن عدد مصر يفوق الآن الخمسين مليونا ، أى يستحلون قتل حوالى 17 مليون ، ومن تبقى يمكن أن يقتلوا ثلثه بهذه الفتوى . وفى نهاية التقرير قلت لهم : ستنهمر دماء كثيرة منها دماؤكم أنتم إن لم تواجهوا الاخوان من داخل الاسلام بنفس منهجى .
3 ـ كنت أعرف أنها المرة الأولى التى يتعرفون علي هذه الفتوى الوحشية ، وكنت أعرف أن وزير الداخلية وقتها ( زكى بدر ) سيصله التقرير و أهم ما فيه وهو هذه الفتوى ، وكنت أعرف أنه بحماقته وسلاطة لسانه سيستخدمها فى صراعاته وسيدفع الثمن .
زكى بدر هو الذى سجننى ومن معى من أهل القرآن بأوامر مباشرة من مبارك عام 1987 ، ومبارك تلقى نفس الأوامر من السعودية بتأثير شيوخ الأزهر. بعد خروجه من الوزارة كافأته السعودية بتعيينه خبيرا أمنيا . فى أحد اللقاءات فى القاهرة إلتقيت به فى اوائل التسعينيات ، عرفته بنفسى. قال ضاحكا : أنت أحمد صبحى الذى فضح الأزهر الذى يخشاه حسنى مبارك.!
4 ـ تولى زكى بدر وزارة الداخلية اول مارس 1986 وقت وقفى عن العمل فى جامعة الأزهر ، وكان الأزهر يضغط على النظام لكى يتخلص منى إذ كنت أجوب المساجد أهاجم الأحاديث والبخارى واساطير الشفاعة ، وكان هذا تحت متابعة أمن الدولة وبتوجيهات زكى بدر.
5 ـ إشتهر زكى بدر بسلاطة لسانه ، وكان هذا مما يعجب حسنى مبارك فترك له العنان لكى يمارس سفالته. داخل مجلس الشعب قام زكى بدر بسبّ ( أيقونة حزب الوفد) فؤاد سراج الدين وإحدى قريباته مما جعل النائب الوفدى طلعت رسلان يحاول الاعتداء عليه، فصفعه زكى بدر وضربه بالحذاء فى واقعة غير مسبوقة عام 1987 . ومع هذا لم يعزله حسنى مبارك وترك له العنان ينطق ببذاءاته لأنه وقتها كان يواجه بحزم عمليات الارهابيين يعلن أنه ( سيضرب فى الصمميم وفى سويداء القلب ).
6 ـ أكثر ما كان يفجّر غضب زكى بدر هو تسلل الاخوان المسلمين الى الأحزاب السياسية ، بل ومن خلفه كانت توجد حلقة إتصال بينهم وبين مبارك من خلال يوسف والى الرجل القوى فى نظام مبارك ( الأمين العام للحزب الوطنى ونائب رئيس الوزراء ). وكانت له علاقة وثيقة بحزب الوفد ورئيسه سراج الدين .
7 ـ تحكم الاخوان فى حزب العمل الذى كان إشتراكيا من قبل ، ثم تحول إخوانيا بمباركة ابراهيم شكرى القائد التاريخى للحزب ، ومعه د . محمد حلمى مراد ، وسيطر على الحزب وجريدته ( الشعب ) الأخ غير الشقيق لأحمد حسين مؤسس حزب مصر الفتاة ، وهو عادل حسين ومجدى أحمد حسين . كلاهما ترك الشيوعية وصار إخوانيا . وبهم أصبحت جريدة ( الشعب ) الأكثر توزيعا ، خصوصا فى هجومها على زكى بدر الذى لم يكن يتمتع بالشعبية . وصل نفوذ الاخوان الى داخل حزب الوفد ، وأصبح زكى بدر يواجه هجوم جريدتى الوفد والشعب ، وتحول الصراع بينه وبينهم شخصيا .
8 ـ كان زكى بدر يخشى إقالته ، ففى عهد مبارك كان وزراء الداخلية هم الأكثر طردا من مجلس الوزراء . سبق زكى بدر فى وزارة الداخلية النبوى اسماعيل ثم حسن أبو باشا ثم أحمد رشدى . كان هو الرابع ، وهو الأكثر تعرضا للهجوم من سابقيه والأكثر وحشية والأكثر بذاءة . خروجه من الوزارة يجعله فى مواجهة خصوم أقوياء صنعهم بنفسه. لذا فقد بعد اربع سنوات سيطرته على أعصابه وعلى لسانه.
9 ـ جاءت اللحظة الحاسمة فى يناير 1990 فى خطبة ألقاها فى مدينة ( بنها ) فى مؤتمر ضباط المعهد الدبلوماسى . فيه هاجم الجميع من المعارضة ومن لهم علاقة بالمعارضة داخل الحكومة ، وخصّ الاخوان وتوابعهم بالنصيب الأكبر من الهجوم . لم يكن هناك جديد فى هجومه وبذاءاته سوى أنه أعلن الفتوى الذى عرفها من تقريرى ، وهى أن الاخوان يؤمنون أن من حقهم قتل ثلث الأمة لاصلاح الثلثين ، وقال زكى بدر إنه سينفذ هذا فيهم ولكن سيكتفى بقتل 560 الفا منهم فقط.! وأنه أصدر أوامره للعمد والمشايخ والخفراء بقتل ودفن كل من له لحية أو يرتدى جلبابا أبيض .
10 ـ وجدها زعماء المعارضة فرصة ذهبية للتخلص منه ، فنشروا خطابه فى العناوين الكبرى فى الصفحات الأولى من جرائدهم بأن زكى بدر يهدد بقتل كذا وكذا . وطلب زعماء المعارضة مقابلة حسنى مبارك وساعدهم الوزراء الذين هاجمهم زكى بدر ، فالتقوا بمبارك واسمعوه شرائط تسجيل خطبة زكى بدر . فأصدر مبارك قراره سريعا بعزل زكى بدر وتولية محمد عبد الحليم موسى مكانه .
11 ـ هكذا إنتقمت من زكى بدر . وهذه شهادة للتاريخ .
أخيرا : جدير بالذكر :
1 ـ أننى كررت الهجوم على هذه الفتوى فى مقالاتى فى التسعينيات فى جريدة الأحرار وغيرها ، مما حدا ببعض الصحفيين سؤال شيخ الأزهر وقتها ( د محمد سيد طنطاوى ) عن حقيقة هذه الفتوى ، فقال إنها موجودة وأنه يؤيدها. ونشرت جريدة الأحرار هذا على لسانه.
2 ـ أننى تسببت بدون قصد فى عزل وزير الداخلية التالى محمد عبد الحليم موسى . كان هذا الوزير ( متدروشا ) يريد إحتواء الاخوان وتنظيماتهم السرية ، فقام بتكثيف الاتصالات بالشيوخ السنيين ليعملوا فى إستتابة الارهابيين فى السجون. فى أخر إجتماع له مع رموز السُّنّة تبسّط فى الحديث معهم ليثبت تسامحه مع ( الارهابيين ) وزعمائهم ، وأنه إستحضر الى مكتبه فى الوزارة الدكتور عمر عبد الرحمن وتفاوض معه ، وأعاده بسيارة حكومية وكان فيها جهاز تسجيل فسمع عمر عبد الرحمن يعلق على لقائه بالوزير بالسبّ بألفاظ بذيئة ، ومع ذلك لم يعاقبه. كان ضمن المجتمعين بالوزير صديق من أهل القرآن يكتم إيمانه . أبلغنى بتفصيلات اللقاء السرى . أسرعت فأخبرت الصديق ابراهيم عيسى وكان الكاتب المرموق فى مجلة روز اليوسف وقتها والمشهور بمواجهته للإخوان وأشياعهم . نشر ابراهيم عيسى هذا ، وفوجىء حسنى مبارك بما حدث فأسرع بعزل محمد عبد الحليم موسى . كان هذا فى ابريل 1993 . وجاء حسن الألفى مكانه.
3 ـ فتوى ( حق الامام فى قتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين ) لها خلفية تاريخية .
3 / 1 : الأمويون زعموا أن أفعالهم تجرى بقضاء الله وقدره وأن المعترض عليها إنما يعترض على الله جل وعلا . ولم يتوسع الأمويون فى تأطير هذا ، إذ لم تكن سوى اقوال قالها الخلفاء ومشاهير الولاة مثل الحجاج بن يوسف وخالد القسرى . وكانوا يتطرفون فى القتل ( مثل الحجاج ) دون التوغل فى التبرير الدينى.
3 / 2 : التأطير الفقهى للوحشية الدينية ظهر فى الدولة الدينية والتى أرساها الخلفاء العباسيون. وقد خطب أبوجعفر المنصور خطبة شهيرة أعلن فيها أنه سلطان الله فى أرضه وخليفته فى خلقه ، أى إنه الذى يمثّل الله جل وعلا فى الأرض ( تعالى رب العزة عن ذلك علوا كبيرا ). وأعلن الخليفة الرشيد أنه يملك الأرض ومن عليها .
3 / 3 : سار التأصيل الفقهى لهذا الاستحلال للدماء فظهر مصطلح ( الراعى والرعية ) . أى إن الامام ( الحاكم المستبد ) هو الراعى ، والشعب هو ( الرعية ) . وصيغت فى هذا أحاديث تجعل الراعى مسئولا عن رعيته فى الآخرة فقط. وبالتالى فطالما هو الراعى وطالما أن الشعوب رعية مملوكة له فهم كالمواشى ، له أن يذبح منها ما يشاء ويستبقى ما يشاء ـ ولا مسئولية عليه فى هذه الدنيا فيما يفعل.
3 / 4 : ونبع من مقولة الراعى والرعية تنظيم فقهى لها فى مقولة أن للإمام أن يقتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين .
4 ـ الرئيس السودانى عمر البشير آمن بهذه الفتوى ، وطبقها فى مذابحه فى دارفور ودفع الثمن مسلمو دارفور الأفارقة . وهو مطلوب للجنائية الدولية . وعندما واجهته المظاهرات أعلن هذه الفتوى لقادة جيشه . وهو الآن يواجه مصيره. عمر البشير حل دوره اليوم ، وسيأتى الدور على الآخرين غدا ..
أحسن الحديث :
قال جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ﴿٦﴾ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ﴿٧﴾ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴿٨﴾ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ﴿٩﴾ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ﴿١٠﴾ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴿١١﴾ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴿١٢﴾ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴿١٣﴾ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴿١٤﴾ الفجر ) .