سيناريو الهلاك بعد مذبحة نيوزلندة : ندعو الله جل وعلا ألّا يحدث .!!( ج 1 )
أولا :
بين الدين الالهى والدين الأرضى
1 ـ الدين الالهى ينزل لاحلال السلام ( البقرة 208 ) ( النساء 91 : 92 ) وإقامة العدل والقسط ( الحديد 25 ) والنهى عن الفحشاء والمنكر والبغى ( النحل 90 ). لذا تكون فيه الحروب دفاعية ولإقرار السلام . وقد فصلنا كثيرا فى هذا .
2 ـ ولكن البشر يؤسسون اديانا أرضية شيطانية تعبر عن أهوائهم. إذا كانت طبيعتهم متعدية أنتجوا دينا متعديا يجعل إعتداءهم على الغير فريضة دينية ، أو ( جهادا دينيا) يصفه رب العزة جل وعلا بأنه قتال فى سبيل الشيطان وليس قتالا دفاعيا فى سبيل الله (النساء 75 : 76) . وهذا ما فعله الخلفاء العرب والعثمانيون .
ثانيا :
هناك حروب لا دينية تهدف للتوسع فقط دون ايدلوجية دينية . مثل :
1 : حروب ( تحتمس الثالث (1425 ق.م.) والذى استمرت امبراطوريته حتى نحو عام 1070 قبل الميلاد حتى عهد رمسيس الحادي عشر
2 : رمسيس الثانى ( 1303 : 1213 ق. م )
3 : الإسكندر الأكبر: الذى إمتدت امبراطوريته من اليونان الى حدود الهند.
4 : يوليوس قيصر المقتول عام 100 ق م ) .
5 : جنكيزخان الذى توسعت امبراطوريته فى الصين وأواسط آسيا .
6 : تيمورلنك الأوزبكى وامتدت امبراطوريته من أواسط آسيا الى الهند ووصلت جيوشه الى دمشق . واستمرت امبراطوريته بعده من مماته 1405 الى 1506 م .
7 ـ ولأنها حروب لا دينية وبلا دوافع دينية فقد :
7 / 1 تجرى بين دولتين تدينان بنفس الدين مثل حرب المائة ( 1337 : 1453 ) بين فرنسا وإنجلترا.
7 / 2 : بل قد تتحالف انجلترة المسيحية مع دول اسلامية ضد روسيا المسيحية مثل حرب القرم والتى قامت بين روسيا والدولة العثمانية وانضمت الى الدولة العثمانية بريطانيا ومصر وتونس . واستمرت عشرة أعوام ( 1853 : 1854 ) . كانت روسيا تريد أن تلتهم الامبراطورية العثمانية فوقفت لها إنجلترة بالمرصاد ، ليس حبا بالدولة العثمانية ولكن حفاظا عليها مريضة الى الوقت المناسب الذى تستحوذ عليها بريطانيا لنفسها.
7 / 3 ـ وينقلب العداء الى تصالح ثم الى تحالف، كما حدث فى الاتفاق الودى بين أنجلترة وفرنسا فى 8 ابريل عام 1904 ، وعلى اساسه سلمت فرنسا لانجلترة بحقها فى إحتلال مصر مقابل تسليم انجلترة لفرنسا فى أطماعها فى المغرب ، ثم ما لبث أن تحول التصالح الى تحالف فى الحرب العالمية الأولى ثم فى الثانية .
ثالثا:
أهم الفوارق بين الحروب الدينية والحروب اللادينية :
1 ـ بعض الحروب اللادينية إستغرقت قرنا من الزمان أو عقودا طويلة مثل حرب المائة عام وحروب المغول ، وبعضها وصلت الضحايا فيها الى حوالى مائة مليون من القتلى والجرحى كالحربين العالميتين الأولى والثانية . ومع ذلك فإنها تنتهى وتصبح ذكرى ، بل يصبح الأعداء السابقون حلفاء. لم تظهر فى اليونان دعوة للرجوع الى عصر الاسكندر الأكبر بإعتباره ( السلف الصالح) . ولم يحدث هذا فى ألمانيا مع هتلر ولا فى أيطاليا مع موسولينى ولا فى مصر عن تحتمس ورمسيس ولا فى الصين ومنغوليا عن جنكيزخان . تلك شخصيات ماتت وامبراطوريات إندثرت.
2 ـ يختلف الحال مع الحروب الدينية المؤسسة على ايدلوجية دينية ، يموت القادة فيتحولون الى آلهة مقدسة ، وبإستمرار الدين الأرضى مسيطرا تستمر تلك الحروب مع الخارج والداخل . هذا هو حال العرب الذين يقدسون الخلفاء الفاتحين ويجعلون عصرهم ( السلف الصالح ) وهو الملىء بالظلم والاستبداد والفساد وحمامات الدم . وحاليا توجد أنظمة إستبدادية لها كهنوتها الذى يجعل ثقافة تلك الحروب الدينية فريضة دينية . مات الفاتحون اللادينيون من الاسكندر الى جنكيزخان ، ولكن لا يظل حيا مقدسا فى قلوب السنيين والصوفية المحمديين أبو بكر وعمر وعثمان .. والآن يجرى فى تركيا العلمانية عودا حثيثا الى العثمانية ودولتها الدينية وثقافة الحروب الدينية .
3 ـ هو نفس الحال مع الغرب وأمريكا بعد تغلغل الوهابية بين الأقليات المسلمة فيها ، فيجرى إسترجاع ثقافة الحروب الصليبية وإجترار مآسى الصراع الحربى بين العرب والغرب ، وخصوصا ما يحمل منها إنتصارا للغرب فى تصديه للغزو العربى والتركى .
4 ـ انتهى الخلفاء الفاسقون من القرشيين والعثمانيين وظل جهادهم ساريا لانه اصبح دينا وبه تحولوا من سفاحين الى الهة. ونفس الحال مع الجهاد الصليبى للاسبان والاوربيين الذى اعتمد على الابادة حين كانت كشوفها الجغرافية تحمل راية الصليب ثم خفّ هذا عندما تخلصت اوربا من سيطرة الكنيسة وأصبحت علمانية فأصبح استعمارها اكثر انسانية. ومع إنه قد إندثر الوجود الصليبى فى الشرق الأوسط ولكن ظلت بقايا للصليبية الجهادية ، يتم الآن احياؤها وهذا ما ظهر جليا فى الشعارات التى كتبها السفاح الاسترالى على أسلحته التى قتل بها مسلمين فى مسجدين فى نيوزلنده.
4 ـ ولأن الحروب الدينية قائمة على التعصب ضد ( الآخر ) فى الخارج فإنها تعتمد التعصب ضد ( الآخر ) فى الداخل. أى ترتبط الحروب الدينية الخارجية بمعارك داخلية ضد المخالف فى المذهب والدين ، وتزدهر المحاكمات الدينية ومحاكم التفتيش ، ويجرى تكفير المخالف سياسيا أو فكريا ، وقد يفقد حياته . حدث هذا فى تاريخ أوربا وتاريخ الخلفاء فى العصور الوسطى . وبإزدهار الوهابية الحنبلية السنية تعرض منتقدوها الى اضطهاد. ونحن ( اهل القرآن ) أبرز الضحايا . أما تاريخ الكنيسة الكاثولوكية فى المحاكم التفتيش فهو عار هائل.
رابعا :
أنواع القادة فى الحروب الدينية
لأنها حروب ايدلوجية فلا بد لها من دُعاة دينيين وقادة ميدانيين نشطين ، وقد يوجد من يجمع بين صفة الدعوة والعمل الميدانى مقاتلا . ونعطى أمثلة :
فى تاريخ (الخلفاء ) :
الخلفاء الأوائل كانوا الدعاة الدينين لما اسموه بالجهاد . بينما تولى القيادة الميدانية آخرون . الذى يهمنا هنا هو جذور الوهابية ولنا فى بحثها كتاب منشور هنا هو ( الحنبلية ـ أم الوهابية ـ وتدمير العراق فى العصر العباسى الثانى ) . ونلتقط منه الآتى عن الحركة الحنبلية :
1 ـ كان أحمد بن حنبل فقيها سنيا متطرفا يقوم كغيره بإختراع الأحاديث ونسبتها للنبى محمد لتصبح دينا ووحيا إلاهيا . وقد إخترعوا حديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره.. ) وتغيير المنكر أصبح دستور الحنابلة فى السيطرة على الشارع ، وتزعم أحمد بن بن نصر الخزاعى حركة لتغيير المنكر فقتله الخليفة الواثق العباسى عام 231 ، وسبق هذا وواكبه إضطهاد لابن حنبل ، ثم تولى الخليفة المتوكل الذى إنحاز للحنابلة وفرض مذهبهم السنى دينا رسميا للدولة ، وسمح للحنابلة بالسيطرة على الشارع فتكاثر الحنابلة وإضطهدوا مخالفيهم تحت رعاية الخلافة العباسية. هنا كان ابن حنبل المتوفى عام 241 هو الداعية ، بينما كان أحمد بن نصر هو القائد الميدانى.
2 ـ أدت القلاقل التى أحدثها الحنابلة الى إشاعة الفوضى ، فقد إضطهدوا الشيعة والصوفية وأهل الكتاب والمعتزلة ، بل أنتهى على أيديهم الطبرى أكبر واشهر فقيه ومؤرخ سنى ، لأنه كان سنيا معتدلا ولم يكن حنبليا متشددا.
3 ـ جاء الأتراك السلاجقة الى المنطقة وسيطروا على الدولة العباسية والخلافة العباسية ، وإعتنقوا الحنبلية السنية على انها الاسلام. أصبحوا حنابلة مسلحين وحكاما يسيطرون على مفاصل الدولة العباسية . لكن الأتراك السلاجقة كانوا السبب فى مجىء الحملات الصليبية وقت ضعف الخلافة العباسية. تعصب الأتراك السلاجقة ضد الحجاج الأوربيين القادمين الى القدس . وكانوا يجتازون آسيا الصغرى الى القدس ، وكلها تحت السيطرة السلجوقية من أمراء مختلفين متشاكسين . تعاظمت شكوى الحجاج الأوربيين ، وكان منهم بطرس الناسك فكانت الحرب الصليبية نتيجة للتشدد الحنبلى .
فى تاريخ الحملة الصليبية :
1 ـ طاف بطرس الراهب أوربا داعيا لتحرير القدس من (الكفار المسلمين ) زاعما ان المسيح عينه للقيام بهذه المهمة . وتبعه كثيرون فتزعم الحملة الصليبية الأولى المعروفة بحملة الفقراء أو حملة الشعوب ، والتى أباد الأتراك السلاجقة معظمها وفر بطرس ناجيا بحياته. كان بطرس الناسك هنا داعية وقائدا مقاتلا .
2 ـ البابا أوربان الثانى دعا عام 1095 الأمراء والملوك الأوربيين الى تحرير القدس ، فكانت حملة الأمراء التى أسست الامارات الصليبية ومملكة بيت المقدس. هنا نرى داعية فقط لا يشارك فى الخرب الميدانية.
فى تاريخ الوهابية فى العصر الحديث
1 ـ محمد بن عبد الوهاب كان داعية وكان قائدا ميدانيا أيضا . نشاطه فى تنفيذ ما يؤمن به أثار خصومه فى موطنه ، وحاول بعضهم قتله فاضطر الي ترك موطنه ورحل الي العينية فرحب به اميرها عثمان بن محمد من آل معمر الذي اصبح من اتباعه ، وانضم الي الشيخ الكثيرون مما اسفر عن حركة جماعية لهدم القباب والاضرحة ، ومن بينها قبر زيد بن الخطاب ، اشهرها وكان في منطقة الجبلية ،وقد تولي الشيخ هدمه بنفسه. وفي العينية قام الشيخ بتطبيق حد الرجم علي زانية زعم انها اعترفت له بذنبها. لم يكن تطبيق عقوبة الردة معروفة من قبل .كان مجرد سطور فى كتب الفقه . أدى هذا الى ذيوع شهرته وتعاظم المواجهة بينه وبين خصومه. وفى النهاية تحالف مع ابن سعود. ولم يقتصر على كونه داعية بل كان يشارك بنفسه فى القتال. نحن هنا أمام داعية مقاتل .
2 ـ تأثر ابن عبد الوهاية بالفقيه الحنبلى ابن تيمية الذى عاش فى العصر المملوكى. وكان داعية وقائدا ميدانيا أيضا .
3 ـ بانتشار الوهابية تحت مسمى الاسلام تعددت حركاتها وتنظيماتها وقادتها . منها ما يخدم السلطان القائم . ومنها ما يعمل لقلب نظام حكم السلطان القائم كالآخوان ، ومنهم من نجح فى إقامة دولة مؤقتة مثل داعش . ولكن نرى من قادتهم : دعاة فقط ، مثل دعاة الفضائيات الذين كانوا يروجون لداعش فى حربها ضد بشار الأسد ويروجون لجهاد المناكحة. ومنهم قادة ميدانيون كابن لادن والزرقاوى ، ومنهم من يجمع بين هذا وذاك مثل الظواهرى .
أخيرا
هناك داعية فقط ، ومقاتل ميدانى فقط . ثم هناك داعية مقاتل .
سفاح نيوزلنده ما هو تصنيفه. ؟ وما تأثر ذلك فى سيناريو الهلاك الذى ندعو الله جل وعلا ألّا يحدث ؟