حوار حول المقال السابق : ( القرآن الكريم حفظ اللغة العربية من الاندثار )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٤ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

حوار حول المقال السابق : ( القرآن الكريم حفظ اللغة العربية من الاندثار )

أولا : الرد على الأحبة من أهل القرآن الذين علقوا على المقال :

1 ـ هذا المقال سبق نشره فى جريدة الخليج الإماراتية بتاريخ 10 / 3 / 1993. وأقول دائما إننى تلميذ أمام القرآن اتعلم منه وأكتشف المزيد فأزداد علما بالقرآن وأزاد يقينا بأن ما أجهله من القرآن أكبر بكثير مما أعرفه ، وأننى لا زلت أُنظّف عقلى بالقرآن الكريم. وللمزيد من تعلم القرآن بدأت أبوابا جديدة فى موقع أهل القرآن منها علوم القرآن ، ولكن أهمها هو ( القاموس القرآنى ) وقد بدأته موجزا فى ركن الأبواب الموضوعات الخاصة ، ثم بدأت فى التوسع فى ( القاموس القرآنى ) وأصبحت أنشره ضمن باب المقالات الرئيسة نظرا لأهميته القصوى .

2 ـ وبالبحث فى ( القاموس القرآنى ) أتعلم المزيد كل يوم ، خصوصا فى إكتشاف الفارق بين مصطلحاتنا ومصطلحات القرآن . وفى المقالات الرئيسة وبتاريخ الجمعة 19 يناير 2007 نشرت مقالا بعنوان (هذه اللغة العربية .. العجوز المتصابية ) http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=945

وعندما كتبت هذا المقال : ( القرآن الكريم حفظ اللغة العربية من الاندثار )  من ربع قرن لم أكن نفس الشخص الذى أنا عليه الآن . مثلا إستعملت مصطلح ( اللغة العربية ) فى العنوان وفى متن المقال، ولم أكن قد تعلمت من القرآن بعد أن ( اللغة ) غير اللسان ، وأن القرآن الكريم نزل باللسان العربى وليس باللغة العربية ، وأن مصطلخ ( لغو ) يختلف عن معانى اللسان ، وكتبت فى هذا مقالا فى القاموس القرآنى بتاريخ الأحد 07 فبراير 2016عنوانه ( اللغة / اللسان )     http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=14383

وكتبت مقالات لاحقة عن (اللغة والكلمة ) بين العربية والمؤثرات المسيحية والأجنبية ، أرجو أن تعثروا عليها .  ولم أُرد تغيير عنوان المقال الذى نشرته من 26 عاما فى جريدة الخليج معتمدا على أن الأحبة من أهل القرآن قرءوا لى ما سبق من مقالات . أرجو أن يكون هذا ردا على من أثار موضوع (اللغة واللسان )، وهم الأحبة : عبد الرحمن المقدم و سعيد المجبرى .

3 ـ وكتب د ( مصطفى حماد ) ، ينبه على خطأ مطبعى صححناه ونشكره عليه .

3 / 1 : وقد قال إننى ( مدحت اللغة العربية بالمرونة التي مكنتها من التطور والصمود والانتشار والبقاء بينما ذكرت مؤخرا أن الإنجليزية تفوقها مرونة ) . وأقول : هذه ملاحظة هامة كان يمكن الرد عليها بنشر المقالات التالية لهذا المقال والتى نشرتها جريدة الخليج وقتئذ ، وأوضحت فيها تقاصر علماء النحو والصرف عن التوسع فى الاشتقاقات وتابعهم الأدباء والشعراء فى العصر العباسى فى هذا القصور ، ثم زادت البلوى بإتجاه الجميع الى نحت وخلق مصطلحات جديدة ، دينية وعلمية . وهذا موضوع أشرنا اليه لاحقا فى مقال ( اللغة العربية العجوز المتصابية ) وسبق شرحه فى مقالات فى جريدة الخليج ، ولن ننشرها هنا ، لأنها ستكون ضمن كتاب كامل إن شاء الله جل وعلا عن القرآن الكريم وقواعد النحو العربى ( مع ملاحظة أن (النحو ) و ( الصرف ) و( البلاغة ) و( الأدب ) و( العروض ) و ( الإطناب والسجع والمقابلة ..الخ ) كلها مصطلحات فيما اسموه بعلوم اللغة العربية ) ولم تكن معروفة وقت نزول القرآن الكريم بين العرب.  

3 / 2  ـ وقال د مصطفى : (  ذكرت أن آيتى سورة النساءوَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖفَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّـهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴿١٥﴾وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ۖفَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗإِنَّ اللَّـهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴿١٦﴾ذكرت أنهما تعنيان السحاق واللواط وأعتقد ان هذا هو المعنى الصحيح بينما قرأت لك مؤخرا أن الآية الأولى تعنى شيئا آخر فأين الحقيقة.) وأقول إننى نشرت بحثا عن اكذوبة الرجم تعرضت فيه لهذا الموضوع ، http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_fatwa.php?main_id=376

وأرجو الرجوع اليه ، خصوصا وقد اعدت نشره ضمن مقال عما نشرته لى جريدة / مجلة القاهرة .

4 ـ وكتب الاستاذ سعيد على ملاحظة ذكية عن أثر المسلسلات المصرية فى نشر اللهجة المصرية والتعريف باللسان العربى الفصيح . والواقع أن للدراما دورها فى إرتفاع مستوى الوعى أو هبوطه . وبها إنتشرت الوهابية ، وهذا موضوع هام وحزين.!

5 ـ وتساءل الاستاذ بن ليفانت عن آية (أَنَّ اللَّـهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ ) ، واسرع إبننا سعيد المجبرى بالرد . وأقول :

5 / 1 : ما بقى لى من شعر فى رأسى يكاد يزداد شيبا إذا أراد أحدهم تغيير حرف من القرآن أو حركة فى إعرابه . وأنصح دائما أنه قبل الوقوع فى هذا المنزلق يجب أن نتدبر القرآن الكريم جيدا ، وأنه فوق قواعد ( النحو العربى ) قد يختلف أو يتفق معها ولكنه سابق لها وحكم عليها وليس العكس .

5 / 2 : إن للقرآن الكريم طريقة محكمة فى الصياغة فيما يخص عبارة ( الله ورسوله ) ، وهى صياغة ترتبط بمعنى كلمة رسول . وفى كتابنا ( القرآن وكفى ) قلنا إن مصطلح ( النبى ) يدل على شخص ( محمد ) عليه السلام وعلاقاته بمن حوله ، ولذا يأتى اليه العتاب واللوم بصفته (النبى ). أما مصطلح ( الرسول ) فقد يأتى بمعنى حامل الرسالة كما فى قصة يوسف ، ويأتى يدل على ( محمد الرسول ) حين يقرأ القرآن وحين يحكم بالقرآن وحين يبلّغ القرآن ، وان معنى الرسول ايضا تدل على الملائكة من الرسل ، وتدل على ( الرسالة ) القرآنية وكلام رب العزة جل وعلا . ولهذا تأتى الأوامر بطاعة ( الله ورسوله ). والأهم أن ( رسوله ) تأتى على كلام الله جل وعلا وحكمه ، وهذا يعنى أن الضمير العائد على ( الله ورسوله ) لا بد أن يكون مفردا وليس مثنى دليلا على أن المُطاع واحد هو الله جل وعلا فى كتابه وحكمه الذى ينطق به رسوله .

5 / 3 :ونعطى أمثلة على الضمير المفرد الموحد فيما يخص الله ورسوله.قال جل وعلا :

5 / 3 / 1 : (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ ﴿٤٨﴾ النور﴾  ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) ﴿٥١﴾ النور ) لم يقل ( ليحكما ) وإنما بالمفرد ( ليحكم )

5 / 3 / 2 ( لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴿٩﴾ الفتح ) . الضمير العائد على الله ورسوله بالمفرد. لم يقل ( وتعزروهما وتوقروهما وتسبحوهما ).

5 / 3 / 3 : وفى  سورة التوبة نفسها. يقول جل وعلا :

5 / 3 / 3 / 1 : (  قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ ) ﴿٢٤﴾ التوبة ). لم يقل ( وجهاد فى سبيلهما ).

5 / 3 / 3/ 2 : ( يَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴿٦٢﴾ التوبة ) . لم يقل ( أحق أن يرضوهما ) .

5 / 4 : فى ضوء هذا نفهم قوله جل وعلا : ( بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١﴾  فإعلان البراءة هى من الله ورسوله . هذا فى الآية الأولى . وجاءت الآية الثالثة عن إعلان البراءة  : ( وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّـهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ) ٣﴾  التوبة ).فالله جل وعلا ورسوله ( برىء ) من المشركين. وطبقا لإحكام الصيغة القرآن فيما يخص ( الله ورسوله ) لا يقال ( أن الله ورسوله بريئان من المشركين ) .  وطالما أن كلمة ( ورسوله ) مرفوعة بالضمة فهى معطوفة على كلمة ( برىء ).

ثانيا : تعليقات أخرى

1 ـ ورددت التعليقات على هذا المقال على البريد الخاص بى فى الموقع .  وهى :

( يتابع الله لا يرى في الإنسان الأشكال ، بل جوهرها و قلب محمد عليه السلام تأهل أن يحمل القرآن لأن قلبه صاف و الله رأى في قلب محمد أشياء لم يراها عند الآخرين ، بغض النضر أن اللغة العربية من أصعب اللغات في العالم ، الله يمكن له أن يضع قرانه في قلب آخر ذات لغة اسهل من العربية و لكن لم يفعل و الله يفعل ما يريد )

( هل يليق لله تعالى تكريم الأشكال العالم المادي , العالم البذى أو جواهرها؟ هو الذي خلق كل الشئ و الله لا يليق له أن يحكم في أفعاله . الله تعالى لم يكرم الغة العربية بكونها شكل من أشكال هذا العالم المادي بل أكرم القلب محمد الذى حمل كلام الله )

(موقعكم توصل نوعا ما تحرير بعض الناس من عبادة البشر و الحجر و لكن لم يتوصل من تحرير العقل العربي من عبادة اللغة العربية و كيف لا و انتم تزعمون عبقرية العربية على سائر اللغات، هذا الزعم غرور ليس له حد ، و كيف لا و انتم لا تعرفون سوى بعض اللغات على 6000 اللغات الموجودة في العالم )

( القرآن هو الرابطة المقدسة بينك وبين خاتم النبيين عليهم السلام مهما تباعد الزمان والمكان. العرب يزعمون أن لغتهم مقدسة و يفتخرون بذلك على اللغات الأخرى و على الأقوام الأخرى و لكن هم اصلا هل هم مقدسون )

(على أن أكبر خدمة قدمها الإسلام والقرآن للغة العربية هي في دوام اللغة العربية لغة حية حتى اليوم لا اتفق معك اللغة العربية ميت، الدارجة في الجزائر مثلا ليس لها أي علاقة مع لغة القرآن خاصة فى تركيبها اللغوية )

 ( ولذلك انتصرت لغة الصحراء على لغات أخرى كان ينطق بها أهل الحضارات التليدة في مصر والشام والعرق وإيران .. واندثرت معظم تلك اللغات .. وانهزمت أمام اللغة العربية الوافدة ..وماتت كل تلك اللغات وبقيت اللغة العربية ما بين الخليج إلى المحيط وربما أكثر وأكثر .هل معنى ذالك أن الله تعالى أوحى القران ليزح اللغات الأخرى إذا كان حقا لهذه الغاية لماذا خلاقهن من الاول ). وأقول :

1 ـ من حقى أن أتحسّر على هذا المستوى الهابط من الكتابة ومن الفهم .ليس هذا هجوما على أولئك ، ولكنها نصيحة لهم من شيخ سبعينى أن يقرأوا ويتعلموا قبل المبادرة بالاعتراض بالنقد وباسلوب ركيك وهابط .

2 ـ نسى المعترضون عنوان المقال : ( القرآن الكريم حفظ اللغة العربية من الاندثار ) ، وجاء فيه أن هناك ألسنة إندثرت وتحولت الى لهجات ما لبث أن إستقلت ، وبقيت العربية فيما يعرف بالعربية الفصحى بجانب اللهجات المحلية المتاثرة بالعربية وما سبقها . وبالعربية الفصحى نكتب ونتواصل ونفهم بعضنا من العراق الى المغرب .  وقلت ( معظم ) ولم أقل إن الجميع .

3 ـ وسبق أن قلت إن العبادات ومنها  الصلاة والأذان يمكن أن تُؤدّى بأى لسان وليس شرطا أن تكون بالعربية ، لأن مبنى العبادات هو الخشوع والتقوى ، وهذه مشاعر قلبية وعالمية من أول آدم الى أخر ذرية من أبنائه .

4 ـ إحتفظ الفرس والأكراد والأمازيغ بألسنتهم ، بينما تنازل كُتّاب الدواوين المصريون عن لسانهم المصرى المتوارث ، وهذا لأسباب منها أن مصر بعد عصور قوتها وفراعنتها تحولت الى مستعمرة يحكمها أجانب من الشرق والغرب والجنوب ، وحين جاءها الغزو العربى كانت ولاية بيزنطية. وتعلم أساطين الدولة العميقة فى مصر الانصياع لأوامر المحتل الأجنبى ليحتقظوا بمكانتهم . لذا فرطوا فى لسانهم الأصيل . وناقشنا هذا فى كتابنا ( شخصية مصر بعد الفتح .. ) الذى قررناه على طلبة قسم التاريخ بجامعة الأزهر عام 1984 ، وهو منشور هنا . العرب أسقطوا الامبراطورية الفارسية فى وقت إزدهارها فواجه الفرس العرب بالحفاظ على حضارتهم وثقافتهم و ( شعوبيتهم ) ضمن مقاومة ثقافية وعسكرية ودينية . العرب هزموا الأمازيغ والأكراد الذين تحصنوا بجبالهم محتفظين بثقافتهم وألسنتهم ، وكانوا بعيدين أصلا عن مركز الحكم العربى .  هذا خلاف مصر الزراعية بموقعها المتوسط  وسهولها المنبسطة وشعبها الخانع .

5 ـ بقية الملاحظات لا تستحق عناء الرد عليها ، وإن كانت تستحق الرثاء والشفقة.!!

اجمالي القراءات 5631