في أحد بلدان العالم الثالث التي تقوم بالتجنيد الإجباري، تم تجنيد الشاب "يكن"، والذي كانت طموحاته في الحياة غير محدودة، إلا أن الواجب يناديه، فذهب "يكن"، للتجنيد بكل رضا، معتبراً أنه يدفع ضريبة مستحقة للوطن.
لكنه قابل أثناء فترة تجنيده، ما لم يكن يتوقعه، فهناك آخرون يتحكمون به، وكلما سأل عن .. أسباب حكم النفس للنفس، تأتيه إجابات قادته، وزملائه : بأن ذلك أمر ضروري، وأنه بعدما ينهي فترة تجنيده، سيكتشف أنه أصبح على دراية أكبر بالحياة، وستساعده خبرة تجنيده في تخطي الكثير من العقبات.
لم يقتنع "يكن"، يوماً بأن ما يلاقيه خلال فترة تجنيده، أمر مفيد، بل كان يرى أنه قد حل إنساناً، وسيخرج وحشاً، وأن زملاؤه قد حلوا بشراً، وسيخرجون كالحملان.
حتى ألمت بوطنه كارثة أثناء فترة تجنيده !، لقد إختلف حاكم بلاده، مع حاكم دولة أخرى، وبدأ التصعيد الإعلامي في كلا الدولتين، وها هي طبول الحرب بدأت تدق، وها هو نفيرها بدأ يسمع من بعيد.
تغيرت الدنيا في عين "يكن"، خلال فترة وجيزة، فبعدما كانت طموحاته بلاحدود قبل التجنيد، أصبحت تتقلص إلى أمنية أن ينهي الشاب تجنيده، والآن أصبح طموحه، أن لا تقع الحرب.
تعجب زملاء "يكن"، المجندين من تمنياته بأن لا تقع الحرب، فجميعهم يتمنون الشهادة !، بيد أن "يكن"، لا يرى في ذلك الموت أي شهادة .. فسألوه :
- المجندين : ألا تحب أن تلقى الله شهيداً.
- يكن : بلى، ولكن .. من قال أني لو مت في حرب ستندلع، بسبب سوء تفاهم بين حاكمين، سأعد شهيداً، إنه موت فداء للحاكم، فأين الشهادة ؟.
- المجندين : إن الحاكم يعلم مصلحة الوطن أكثر منا، إنه الخبير، والشخص القدير، فإن أمر فما علينا إلا السمع والطاعة، وإلا سنسقط وستسقط دولتنا.
- يكن : ستسقط دولتنا !؟ .. عن أي دولة تتحدوثون .. دولة تحيا وتموت، بناء على هوى شخص !، لبئس تلك الدولة، فإن كان الأمر هكذا، فلتسقط، وليسقط كل من فيها.
- المجندين : ما هذا الذي تقول وتدعي، أتعي ما يخرج من فمك، أم أن شبح الموت، جعل عقلك يرحل، أفق يا رجل، فما نحن إلا مأمورون، وليس لنا أن تعترض.
- يكن : لعنة الله عليكم، إنكم قوم تستحقون الموت لا الحياة، لكن إعلموا .. أنكم إن متم في تلك الحرب، فلن تكونوا شهداء، قد رضيتم حياة الذل في الدنيا، وما الجنة للأذلاء، إن مأواكم النار.
- المجندين : نراك ترى في نفسك أنك أعلم منا، وهذا حقك، لكن .. كيف تراودك نفسك بأنك أعلم من الحاكم.
- يكن : وبماذا يزيد الحاكم عني، إلا أن القدر جعله على رأس الدولة، إنكم لجبناء، سلمتم بأن الحاكم على صواب، وأننا جميعاً على خطأ، نتيجة الخوف من عقاب العصاة، حتى وإن كان ولائكم للحاكم يغضب الله، أكان نبياً مرسلا، أم حكيم عصره، إنه لأقل من كثير منا.
مر الوقت وبدأت طبول الحرب تهدأ، حتى خمدت نارها، وهدأت العاصفة، ومرت الأيام، وإنتهى تجنيد "يكن"، والذي بات لا يبحث عن تحقيق آماله قبل التجنيد، فقد تحطمت جميعها خلال تجنيده، وبينما يهنأه والديه بإنهاء فترة تجنيده، إذ به يقول :
- يكن : ومن قال لكما أني قد أنهيت فترة تجنيدي.
- الوالدان : أفصح، فلم نفهم.
- يكن : سأظل مجنداً إجبارياً، طالما بقيت في هذه البلاد.
- الوالدان : لكن بلادنا أفضل من غيرها.
- يكن : حقاً إنها أفضل من غيرها، لكن .. بالنسبة إليكم فقط،أما أنا فليس لي مكان بين المجندين أمثالكم.
شادي طلعت