يقول السفهاء من الناس إن القرآن به أخطاء نحوية و يضربون أمثلة على ذلك تأكيدا لكلامهم مثل
الأية رقم 124 من سورة البقرة و إذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين و يحتج السفهاء بأن الكلمة يجب أن تكون الظالمون و ليس الظالمين بناء على إنه تحسب فاعل للفعل ينال
و مثل
الأية في سورة المائدة رقم 69 و التي تقول إن الذين أمنوا و الذين هادوا و الصابئون و النصارى من; من امن بالله و اليوم الأخر و عمل صالحا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون و يقولون أن الصابئون يجب أن تكتب الصابئين لأنها معطوفة على اسم إن و معروف أنه يجب أن يكون منصوبا
و أذكر كيف كان أحد المتخصصين في الهجوم على الإسلام في غرف المحادثة في الإنترنت يتكلم بلغه فصحي ليكسب ثقة مستمعية و يكرر و يعيد هذا الكلام الفارغ و هم سعداء به أي سعادة .. فلما كلمته و فضحت ما يقول ذاب كملح في ماء هو و كلامه
و قبل أن اوضح الإعراب في الآيتين السابقتين أسلط الضوء على عدة نقاط كل واحدة منها تكفي على حدى لإبطال الزعم بوجود أخطاء نحوية في القرآن و هدفي من ذلك هو إبطال حججهم في جميع الأمثلة التي يضربونها من القرآن بدون الحاجة للتوقف عندها واحدة واحدة
أولا : علم النحو كانت بدايته الأولى بعد الإسلام و يقال أن إسم العلم هذا و هو النحو عبارة عن إقتباس من جملة قالها علي بن أبي طالب لأبي الأسود الدؤلي عندما أمر أحد الناس أن يأخذ حبر من لون مختلف و يستمع إليه و هو يقرأ القرآن و كلما يجده في موضع فتح فيضع نقطة فوق الحرف و كلما وجده في موضع كسر فيضع نقطة أسفله و إذ1 وجده في موضع ضم فيضع نقطتين و وجهه على ابن ابي طالب لهذا و قال له:- انحو نحو هذا ....... و من هنا جائت كلمة النحو
تعالوا نفرض مثال ... لو السرعة المسموح بها داخل المدينة 60 كيلو و أنا قدت سيارتي اليوم بسرعة 60 إذا فأنا لم أخطأ , فلو جاءوا في الغد و حدوا سرعة القيادة داخل المدينة ب 20 كيلو فلا يقدر أحد يلومني على قيادة الأمس , و بالتالي من حيث المبدأ لا يجوز ان تحاكم القرآن بقواعد تم وضعها بعد القرآن...
هذا من ناحية و من ناحية أخرى فالطامة الكبرى على رؤسهم في النقطة التالية
ثانيا : أن المصدر الأول لقواعد علم النحو هو القرآن .. فأنت لو وجدت حالة من الإعراب في القرآن و غير مذكورة في كتاب أو كل كتب علم النحو , كان هذا تقصير من واضعي تلك الكتب إنهم وضعوها ناقصة و فاتها أن تشمل هذه الحالة ... و هذه النقطة هي التي يحاول السفهاء النفاذ منها ... فهناك القواعد العامة للإعراب أخذها النحويين من القرآن بحيث هي القواعد التي سارت عليها أغلب آياته , ثم هناك الحالات الخاصة و لكثرتها لم يشملها كل مؤلف بالذكر عندما ضع كتابه و إنما يذكر ما يهمة منها أو أهمها و بدع الباقي .. و مع إستغلالهم (هؤلاء الجماعة السفهاء الذين يدعون بوجود اخطاء نحوية في القرآن) أن الناس لم تنتبه لخدعتهم بتحكيم كتب النحو في القرآن بدلا من تحكيم القرآن في كتب النحو , يأتوا على حالة من الحالات الخاصة ثم يقارنوها بالحالة العامة و تبدأ حفلة الرقص لأنهم إكتشفوا خطأ في القرآن سيذيعونه إلى عنان السماء
ثالثا : تعالوا نعكس التاريخ كما لو كان علم النحو أقدم من القرآن و نعمل نفسنا مش شايفين و مش عارفين و نعطي عقولنا أجازة مع عقولهم و نفرض أن علم النحو لا يحتوي إلا على الحالات العامة فقط و أن كتب النحو هي التي ستحكم في القرآن و ليس العكس و أن القرآن بعد عرضه على تلك الكتب ظهر ما ظهر من إختلافات عن الحالات العامة للإعراب ... فهل كان هذا الوضع الخيالي المعكوس سيدل على أخطاء أو عيوب في القرآن ؟ .. طبعا لأ ... عارفين ليه ؟ ... لأن القواعد توضع للضعفاء بالأخذ من طريقة و إسلوب المتمكن ليمشي عليها الضعيف ليتحسن أسلوبه و يستطيع أن يصبح متمكن مثل القوي ..... بينما القوي الواثق مباح له كسر القاعدة ليأتي بالجديد و إلا فمن أين يأتي التطوير ؟
و تعالوا إلى هذه القصة التي سمعتها عندما كنت صغيرا من أحد البرامج الرياضية و لازالت عالقة بذهني حتى اليوم ... يحكى أن أحد السباحين الذين حققوا أرقاما قياسية في السباحة و قد صوروه من تحت الماء فلما عرضوها عليه أكتشفوا أنه يعوم بشكل يختلف عما يدرسونه في الكتب عن السباحة و أعلن السباح إنه كان مخطيء و وعد بإصلاح خطأه في طريقة العوم لكنهم قرروا أن يعدلوا هم كتبهم لتكون بطريقه التي حققت النجاح , فطريقته في السباحة كانت بالشكل الأمثل و الإسلوب الذي خلق الله علبه الإنسان و أثبت ذلك بتفوقه , فالقاعدة إذا تعدل .......... و القرآن به بلاغة لا شك فهو أثر في نفوس العرب و لازال يؤثر في نفوس الناس و به فصاحة فهو بكلمات محددة يصف أحاسيس و أشياء كثيره .. فهل نقيسه على قواعد أم نعدل القواعد لتأخذ منه و تقوم عليه ؟
رابعا : المعلوم أن كسر القاعدة يكون عمدا أحيانا لهدف معين كإثارة الإنتباه مثلا أو السخرية أو ... و مثال ذلك عندما يقول القرآن ....... فبشرهم بعذاب أليم ...... فالبشرى تكون بالخبر السار و لكن إستعمالها مع التنبوء بالعذاب فيها تعزية و تصبير للمؤمنين الذين يريدون الإنتقام من أفعال الكفار فيهم و فيها أيضا توعد و سخرية لهؤلاء الكفار و كلما فكرت فيها تخرج بمعاني ذيادة , فلماذا لا يكون على هذا القياس كسر القاعدة اللغوية لتحقيق هدف إثارة الإنتباه أو غيرة ... و ماذا يعرف هؤلاء عن بلاغة القرآن ؟ ... لا شيء ...
نأتي الأن للإعراب
بالنسبة لما جاء في الأية رقم 124 من سورة البقرة "و إذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" فهم يحتجون بأن الكلمة يجب أن تكون الظالمون و ليس الظالمين بناء على إنه تحسب فاعل للفعل ينال..... و لكن إذا نظرنا فنجد ( لا ) في لا ينال عهدي الظالمين ... و لا , عندما تأتي في الكلام تكون إما ناهية أو ذائدة أو نافية فناهية مثل في ( لا تقنطوا من رحمة الله ) و ذائدة مثل في ( ما منعك ألا تسجد ) فنلاحظ أنه أصل الكلام ........ما منعك تسجد ........ و يستقيم المعني بهذا الشكل ثم دخلت لا فصار ......ما منعك لا تسجد ........ ثم دخلت الهمزة فصار الكلام .......ما منعك ألا تسجد......... فبحذف لا ( و بالطبع الهمزة أيضا ذائدة) فالمعنى لم يتأثر إذا هي ذائدة .... و قد تأتي لا نافية مثل ... (فلا صدق و لا صلى) .... و هذه هي الحالة التي عندنا في الآية محل البحث , و لا النافية لها 3 أحوال فإما تكون جوابا لسؤال مثل ...... قالوا أتصبر ؟ قلت لا ........ أو عاملة عمل إن (أن تدخل على الجملة الإسمية فتنصب المبتدأ و ترفع الخبر) مثل .............لا جليس أحسن من الكتاب.......... أو الحالة الثالثة تكون لا عاطفة أي تعمل مثل حرف العطف مثال .... أكرم الصالح لا الطالح........ و هذه الحالة الثالثة هي الحالة التي عندنا في الأية محل البحث , فالظالمين هي جمع مذكر سالم بلا شك و جمع المذكر السالم يرفع بالواو و النون أي الظالمون و ينصب و يجر بالياء و النون أي الظالمين , إذا هي جمع مذكر سالم في حالة نصب أو جر و كما قلنا أن لا هي لا النافية و كما قلنا أن لا النافية هنا في حالة العطف لها فتكون الظالمين معطوفة (المعطوف يأخذ حكم المعطوف عليه فإذا كان المعطوف عليه مرفوع فالمعطوف يكون مرفوع بالتبعية و إذا كان منصوب يكون منصوب بالتبعية و إذا كان مجرور يكون مجرور بالتبعية) أقول الظالمين معطوفة بلا على كلمة قبل لا و هذه الكلمة حسبما أرى هي ذريتي.....و الله أعلم
و بالنسبة لآية سورة المائدة رقم 69 و التي تقول "إن الذين أمنوا و الذين هادوا و الصابئون و النصارى من امن بالله و اليوم الأخر و عمل صالحا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون" و كانوا يقولون أن الصابئون يجب أن تكتب الصابئين لأنها معطوفة على اسم إن و معروف أنه يجب أن يكون منصوبا و لكن هذا ليس صحيح دائما , فالحالة العامة أنه عند العطف على إسم الأداة ( إن ) فإن ما تعطفه يكون منصوبا سواء جاء ما تعطفه قبل مجيء الخبر أو بعده مثل ..... إن أخاك و أباك في الدار ..... و مثل ....... إن أخاك في الدار و أباه...... و مثل ....... لعل سعيدا مسافرا و خالدا ......... و لكن هذه كانت الحالة العامة فقط فيجوز أيضا العطف بالرفع على إسم إن بعد إستيفاء الخبر مثل ......... إن أخاك رابح و أبوك ............
و يجوز العطف بالرفع على اسم إن قبل مجيء الخبر إذا كان هناك غرض معنوي يمتاز به , فترفع و تقدر له خبرا محذوفا و تكون جملته معترضة بين إسم إن و خبرها مثال ذلك الآية رقم 69 من سورة المائدة التي تقول "إن الذين أمنوا و الذين هادوا و الصابئون و النصارى من امن بالله و اليوم الأخر و عمل صالحا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون" فقد قررت الأية أن الأيمان السليم و العمل الصالح هما جوهر كل الأديان الحقيقية التي أرسلها الله و هما يذهبان الحزن و الخوف عن صاحبهما , و إنما رفعت ( الصابئون ) وحدها و جعلت مع خبرها المقدر جملة معترضة أصلها (و الصئبون كذلك) لأن الصابئين و هم لا كتاب سماوي لهم دون بقية الأصناف (اليهود و النصارى و الذين أمنوا أي المؤمنين بما بهذا الذي نزل على محمد) أيضا في المرتبة , فإذا كان الصابئون ينجون إذا أمنوا و عملوا صالحا فالباقون و هم ذوو كتب منزلة أولى بالنجاة لا محالة.
خلاصة محاولة الإعراب كتبتها لكم لتستفيدوا بها في حواراتكم و ذكرتها بتبسيط شديد ستفهمونه إنشاء الله وصلت إليها – آية سورة البقرة- من قرأئتي في كتاب نحو مجاني على الإنترنت أما آية سورة المائدة فكان يتناولها كنموذج على حالة خاصة في الإعراب.