المُصلحون والباحثون فى آيات الرحمن ونقد التراث كثيرا ما يُقابلون بالرفض المُغلف بالأخلاق من بعض الأفاضل الذين مازالوا بقدسون الصحابو وأئمة لهو الحديث والتراث. فيرفعون فى وجوههم جزءا من آية من آيات القرءان والتى تقول ( تلك أُمة قد خلت ) ليسكتوهم وليُبعدوهم عن نقد أقوال وأعمال وسلوكيات أئمتهم وتطبيقا لقوله تعالى (( تلك أُمة قد خلت )) .. وفى الواقع فإنهم بذلك يقعون فى فهم خاطئ للآية الكريمة فهى لا تأمر المُصلحين والباحثين باجتناب الحديث عن السابقين وبحث ماضيهم وتاريخهم وآثارهم ولكنها تتحدث عن حقيقة قرءانية عن يوم الدين والحساب وهى ( كُل نفس بما كسبت رهينة ) . فالآية الكريمة ((تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسالون عما كانوا يعملون )) قد تكررت مرتين فى == البقرة 134 و141 . وهى تتحدث عن المسئولية الفردية لكل إنسان يوم القيامة . فنحن لسنا مسئولين عن حسابهم ولا هم مسئولين عن حسابنا يوم القيامة . وقد جاء هذا المعنى بوضوح تام للرسول عليه السلام ومن معه فى تعامله مع الكافرين فى قوله تعالى ((قل لا تسالون عما اجرمنا ولا نسال عما تعملون.. قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ)) سبأ 25-26 وقد جاءت بنفس المعنى للنبى عليه السلام وتعامله مع المسلمين ايضا فى قوله تعالى ((ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين))=== الأنعام 52 ..ومن هُنا فإنهم يستشهدون بالآية الكريمة فى غير موضعها .
أما عن نقد التراث ووصف وتوصيف أصحابه بما يليق بهم من صفات تتطابق مع ما أساءوا به للإسلام ،ومع ما أضلوا وضللوا به الناس فأرى انه لا بأس به لأنه نوع من التشخيص لسلوكياتهم وتراثهم الذين بين أيدينا . وأن هذه التوصيف نستخدمه فى معاملاتنا بيننا وبين بعض و فى حياتنا العامة والقضائية . فمثلا نقول عن السارق سارق ولص وحرامى ، وعن القاتل قاتل ، وعن مرتكبة الفاحشة فاجرة وداعرة وعاهرة ، وعن مُسىء الأدب قليل الأدب ، وعن السفاح مُجرم ،وعن آكل أموال الناس بالباطل ظالم ومُفترى ، وعن الكاذب كاذب وكذاب ، وعن الحاكم الظالم مستبد وطاغية وديكتاتور وهكذا وهكذا ، فعندما نصفهم بما يُناسب اقوالهم الكاذبة على الله ورسوله ورسالته وأفعالهم الإجرامية التى ارتكبوها فنحن نصفهم بما يستحقون . ولنعود للقرءان العظيم ونرى ماذا قال وبماذا أمرنا فى ضرورة تتبع تاريخ السابقين وآثارهم لأخذ العظة والعبرة منه لكى لا نقع فيما وقعوا من اخطاء ولا نرتكب ما ارتكبوا من جرائم ،سواء كانت جرائم إيمانية فى الكُفر بالله والإشراك به سبحانه وتعالى ، او جرائم سلوكية فى معاملاتهم بينهم وبين بعض . فقال سبحانه ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) == آل عمران 137 . وقوله سبحانه (( ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين))== آل عمران 36 . وقوله جل جلاله ((قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين))== النمل 69 . وفى قول ربنا (( قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان اكثرهم مشركين ) )== الروم 42 . ولأخذ العبرة بصورة مباشرة فى قوله سبحانه (فكاين من قرية اهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد)== الحج 45
ولمزيد من اوامر السير فى الأرض للإستفادة من تاريخ الأُمم السابقة يقول القرءان ((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور))ِ== الج 46 .
ومن هُنا فدراسة تاريخ السابقين ونقد تراثهم لما فيه من مخالفات للقرءان الكريم ووصفهم بما يتناسب معهم من أوصاف ومُسميات ليس تجنيا ولا تحاملا عليهم ولكنه توصيفا لما كانوا عليه ، وشهادة لنا أمام رب العالمين وتحذيرا لأنفسنا ولأهلنا ولقومنا ممن اتخذوا من أنفسهم شركاء لله فى حُكمه وأمره وتشريعاته سبحانه وتعالى .