الشفاعة كما يفهمها الناس هى . أن يكون هناك حُكم من الله على إنسان كافر أو مُسلم عاصى أحاطت به خطيئته بالخسران المُبين يوم القيامة والكبكبة ( الرمى ) فى النار فيأتى نبى من الأنبياء أو ولى من الأولياء ، أو قريب له أو طفل له مات ضغيرا فيشفع له ( يتوسط له ) عند المولى جل جلاله فيُبدل حُكمه عليه من الرمى فى النار إلى الفوز برضوان الله ورحمته ويُلحقه بأصحاب اليمين فى جنة النعيم ... وهذا تصور خاطىء وقد نفاه القرءان الحكيم جُملة وتفصيلا ، وقد كتب فيه مُستشهدين بالقرءان ( أهل القرءان ) بريادة المُفكر الإسلامى الكبير الدكتور أحمد صبحى منصور – كُتبا وأبحاثا ومقالات عدة . وكتبت مؤخرا فى الإسبوعين الماضيين عن حقيقتين من حقائق القرءان فى هذا الموضوع ونشرتهما على الفيس بوك تحت عنوان حقائق قرءانية فى نفى الشفاعة المزعومة للتذكرة بقول الله جل جلاله (فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ ﴿١٠١﴾ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴿١٠٢﴾ وَمَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فِي جَهَنَّمَ خَٰلِدُونَ ﴿١٠٣﴾ وقوله سبحانه ( لن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ﴿٣﴾. فجاءت تعقيبات بين مؤيد ومعارض ومُستفسر . رزقنى الله بفضله بعدها برزق على هيئة سؤال وهو
هل كانت هناك شفاعات للأنبياء فى الدُنيا ، وهل تمت الاستجابة لها وتبدل حُكم الله بعدها ؟؟
وهذا ما سنحاول تدبره من القرءان الحكيم ونرى ما فهمته منه إجابة على السؤال .
1- كلنا يعلم قصة نوح عليه السلام ودعوته لقومه ب(لا إله إلا الله ) 950 سنة ،ثم ما حدث بعدها من عذاب الله للكافرين منهم بالمطر والغرق ونجاة نوح عليه السلام والمؤمنين معه بفضل الله عليهم بالركوب فى سفينة نوح . واثناء هطول المطر نادى نوح على إبنه أن يؤمن ويركب معه إلا انه رفض ، فنادى نوح ربه جل جلاله بأن يهدى إبنه ويعفو عنه إلا أنه جاءته الإجابة بالنفى واللوم والعتاب ووجوب الإستغفار من طلبه هذا . وحكى لنا القرءان الحكيم هذا فى قوله تعالى ((وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) 42 قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ 43) هود .
إلى قوله تعالى ( وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِين قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ.. قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِين)) هود
الخلاصة أنه رُفض طلب نبى الله نوح ونداءه وشفاعته لإبنه ولم يتبدل حُكم الله على الكافرين .
2- فى قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه يحكى لنا القرءان عن إستغفار إبراهيم لأبيه (الكافر آزر ) الذى رفض دعوة إبراهيم للإسلام وإلى (لا إله إلا الله ) . فرفضها رب العزة جل جلاله ولامه رب العزة على هذا ولم تُفلح شفاعته لأبيه ولا لقوم لوط . وجاء هذا فى قوله تعالى ( قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا..قال سلام عليك ساستغفر لك ربي انه كان بي حفيا)) مريم 46- 47
وعن دفاعه عن قوم لوط يقول القرءان ((فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ - إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيب . يا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُود)) هود 74-75-76
الخلاصة هى رفض شفاعة إبراهيم عليه السلام لأبيه ولقوم لوط ولومه على هذا .
3—وفى عهد النبى الخاتم محمد بن عبدالله عليه السلام . كان يحزن على الكافرين ويدعو لهم فجاءه الأمر بألأ يحزن عليهم ( ولا تحزن عليهم ) .
وكان يستغفر للمنافقين ( المنافقون كانوا فصيلا من الصحابة ) ويدعو الله لهم بالرحمة والمغفرة فجاءه الرفض وا لتحذير ببيان شديد اللهجة بالا يفعل هذا ،وأن استغفاره لهم لا فائدة منه و لن يُبدل حكم الله عليهم وجاء هذا فى قوله تعالى ((مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ﴿١١٣﴾ وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةٖ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ عَدُوّٞ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَأَوَّٰهٌ حَلِيمٞ ﴿١١٤﴾ التوبة . وفى قوله تعالى ((سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ أَسۡتَغۡفَرۡتَ لَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ لَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ ﴿٦﴾ المنافقون .
وفى قوله سبحانه ((ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ ﴿٨٠﴾ التوبة ثم جاء الأمر الربانى بعدم الصلاة عليهم فى قوله تعالى ((وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ ﴿٨٤﴾ التوبة ...
الخلاصة أنه قد تم رفض إستغفار النبى محمد بن عبدالله للمنافقين (والشفاعة لهم بمفهوم المُسلمين ) فى الدنيا ولم يُبدل حكم الله عليهم بالغضب والهلاك وعذاب النار فى الآخرة ،بل وبنهيه عن أن يُصلى على أحد منهم أو يقم على قبره بالدعاء له بالرحمة والمغفرة . فإذا كان هذا معلوما له ولنا من القرءان فى الدنيا فكيف يكذبون عليه وينسبون له شفاعة مزعومة للكافرين والمنافقين والعُصاة يوم القيامة ؟؟؟
يبقى سؤال سريع ، إذن فما موقف النبى محمد عليه السلام يوم القيامة من قومه ؟؟
الإجابة بإختصار سريع لخصتها لنا آيات سورة الزمر فى الآتى .
1- يوم القيامة بعدما تتهيىء الأرض الجديدة للحساب سيؤتى بالنبيين والشهداء ( الشهداء على أقوامهم ) ويُحاسبون ، ويُجيبون على أسئلة سيكونون فيها خصما على (وليس إلى ) أقوامهم مثل هجر القرءان وإتخاذ عيسى بن مريم شريكا لله . وسيذهبون إلى الجنة تاركين أقوامهم للحساب .
2- سيؤتى بالناس بعد هذا ويُحاسبون ،وستكون نتيجة الحساب أن يُقسم الناس إلى فريقين –فريق ناجح ، وفريق راسب . الفريق الناجح هم أصحاب الجنة ، والفريق الراسب هم أهل النار .
3- سيذهب أهل النار إلى النار وتُغلق عليهم فى عذاب مُهين خالدين فيه ، وسيذهب أصحاب الجنة إلى نعيم مُقيم خالدين فيه فى جنات النعيم .
(وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ﴿٦٩﴾ وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَا يَفۡعَلُونَ ﴿٧٠﴾ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴿٧١﴾ قِيلَ ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ ﴿٧٢﴾ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ ﴿٧٣﴾ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعۡدَهُۥ وَأَوۡرَثَنَا ٱلۡأَرۡضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلۡجَنَّةِ حَيۡثُ نَشَآءُۖ فَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ ﴿٧٤﴾)الزمر
الخلاصة النهائية .
- أن حُكم وقول الله لا يتبدل ولا يتغير لا فى الدنيا ولا فى الآخرة ((ما يبدل القول لدي وما انا بظلام للعبيد )) .
- أن المولى جل جلاله هو وحده سبحانه وتعالى مالك يوم الدين .
-- أن الأنبياء ليس لهم من الأمر شيئا فى جزاء الناس لا فى الدُنيا ولا فى الآخرة .
-- أن زحزحة المرأ عن النار ودخوله الجنة تأتى نتيجة لإيمانه هو بالله وحده لاشريك له وباعماله هو الصالحة ، ولا يستطيع أحد من الخلق أن يحرمه منها أو أن يُغير فيها زيادة أو نُقصان ،ولا أن يُساعده و يشفع له و يتوسط له ليدخل الجنة بعد أن كان من الراسبين الخاسرين يوم القيامة .