إبراهيم عيسى يكتب: جلسة واحدة تكفي

في الجمعة ١٢ - أغسطس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

أغلب الظن أن مبارك لن يحضر بنفسه وبسريره للجلسة الثانية فى محاكمته، ربما كانت صورته نائما على سرير فى القفص فى الجلسة الماضية كافية لكى يطمئن الناس إلى جدية المحاكمة وتصميم المجلس العسكرى على التعامل بالقانون مع مبارك كمتهم طبيعى، وليس كرئيس سابق محصن بوعد أو عهد.

ومن هنا أصبح حضور جلسة واحدة يكفى، وبلاها ضجة الأمن والاستعدادات الأمنية اللازمة لإحضار الرجل وطائرة الهليكوبتر ومخاطر نقل غير مأمونة العواقب، فالحقيقة أن أهالى الشهداء فى حالة انفعال وغضب، ربما لا تدع لهم فرصة انضباط مشاعرهم أمام الرئيس المتهم النائم على سريره، خصوصا مع حالته اللامبالية التى استفزت بعضا ممن فقدوا أبناءهم بكلمة من هذا الرئيس المتهم، ونحن نعرف أن الجلسة السابقة غاب عنها معظم الأهالى، وهم يبذلون جهدا كبيرا للسماح بحضورهم فى الجلسة القادمة!

كان من ضمن التصورات أن ذهاب مبارك مريضا مسنا على سرير إلى القفص بقدر ما يعطى طمأنينة ورسالة عدالة للناس ولثوار بدا أنهم يفقدون ثقتهم فى إدارة البلاد ويشككون فى كل خطوة أو نية، فإنه أيضا قد يمنح الرئيس السابق قدرا ما من التعاطف يخفف من هذا الإلحاح على محاكمة سريعة وحكم أسرع دون اتخاذ دواعى العدالة فى الحسبان!

مصر كسبت بظهور الرجل فى القفص الهدوء والطمأنينة على جدية محاكمته وعدم محاباته وكسبت صورة تصدرت صحف الكون كله، تأكيدا على زهو المصرى بصناعة التاريخ، حيث يحاكم رئيسه بعد ثورة للعدالة والكرامة والحرية، وسمع العالم رئيس مصر السابق يقول لقاضيه الذى يحكم باسم الشعب: أفندم، بينما خسر مبارك فى ظهوره الأول تعاطف من كان يعتقد البعض أنهم سيتعاطفون مع رجل مسن مريض فى قفص، فإذا بمبارك كالعادة يكون أفضل من يخدم أعداءه، فصبغة شعره الحريصة على النفوذ والمظهر وإضفاء روح الشباب والصحة عليه، وهذه الرقدة التى بدت لكثيرين مصطنعة، فليست هى رقدة رجل بين الحياة والموت، بددت أى وهم بأن يوهم أحدا به وبحالته!

هل يمكن إذن أن يتكرر ظهور مبارك فى المحكمة يوم الإثنين القادم؟

أظن لا، وربما أرفع درجة الظن إلى ما يشبه الاعتقاد.

طيب هل نحتاج نحن -كشعب- إلى مزيد من حضوره ونومته فى القفص أمامنا أو أمام المحكمة؟

هذه الخسارة الهائلة لمبارك مع ما ظهر عليه ابنه جمال مغرقا فى الغطرسة والبلادة والانفصام عن الواقع والصلف المريض لن تجعل أحدا متحمسا لجلب مبارك للمحكمة، خشية أن ينصحه بعض ممن حوله بأن يحاول التصرف على نحو يستعطف الناس بدلا من أن ينفرهم كما جرى قبلا، «فالمصريون فى حاجة للتأكد من أنك لم تعد رئيسا وأنك مهزوم وقليل الحيلة فيتركون القاضى لقضيته دون ضغط»!

لكن الثابت مع ما عرفناه من حوارات متبادلة بين مبارك وأبنائه والعادلى فى الغرفة الملحقة بالقفص يوم جلسته الأولى يؤكد أننا أمام شخصيات لا تعترف بالذنب ولم تراجع نفسها (بالمناسبة كل منافقى وأفاقى الرئيس السابق ونجله قاتل أبيه لا يعترفون بذنوبهم وجرائمهم، بل يسيرون على درب الراقصات المعتزلات فى شارع محمد على زمان، ونحن نعرف ماذا كانت تعمل الراقصة بعد اعتزالها، فيقتدون بنظريتها فى مواجهة مهاجميها بأن اللى فيها تجيبه فيك!!).

شخصيات قفص مبارك لم تندم إذن، بل تعتقد أنها بريئة ومظلومة ومغدور بها، وأكثر من ذلك فهى تعتقد فى براءتها وأن كل ما يجرى هو استجابة لضغط الرأى العام الثائر وأن الأمور بعد كده ستهدأ حتى إنهم يستعدون للعمرة من الآن (ولا أعرف ليه مش الحج؟).

بقى أن مصر ليست بالفعل فى حاجة إلى مجىء حسنى مبارك للقفص فلا يجب أن تستنزفنا جلسات المحاكمة ونلهث وراء لحظات تشفٍ أو شماتة، وجود الرجل فى قفصه يسرق من روحنا حين يحيى المشاعر السلبية داخل المصريين ويستنفر من دواخلهم أحاسيس النقمة والحقد والشماتة، صحيح أنه مشهد للعظة والاعتبار، رغم أن الجناة المتهمين فيها لا اتعظوا ولا اعتبروا، لكن لا تنسوا أن أمام مصر تحديات مهمة وشاقة فى الأسابيع المقبلة، أخشى معها أن يحضر مبارك كى تغيب مصر!

اجمالي القراءات 2962