هل هناك قنوت ( دعاء ) فى صلاة الفجر ؟

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٣١ - ديسمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

هل هناك قنوت ( دعاء )  فى صلاة الفجر ؟

جاء هذا السؤال يسأل عن القنوت أى ( الدعاء ) فى صلاة الفجر ، وهو ضمن المعتاد عند السنيين .ونعطى رأينا :

أولا : عن الدعاء عبادة مستقلة

1 ـ الدعاء عبادة مستقلة بلا وقت محدد :

1 / 1 : لذا لجأ اليها النبى يونس فى محنته وهو فى بطن الحوت فاستجاب له ربه جل وعلا : (  وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٨٧﴾ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨٨﴾ الانبياء ) .

1 / 2 : ولجأ اليها موسى فى غربته . قال جل وعلا عنه : (فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴿٢٤﴾ القصص) .

1 / 3 : ولجأ اليها زكريا عندما طلب ذرية وهو شيخ كبير،  قال جل وعلا عنه ::(  ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴿٢﴾ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴿٣﴾ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُشَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴿٤﴾ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴿٥﴾ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴿٦﴾ مريم).

1 / 4 : ويلجأ اليها الانسان عندما يقع فى ضرر فيدعو ربه جل وعلا تضرعا وخفية ، (قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴿٦٣﴾ الانعام ).

2 ـ وهو عبادة مأمور بها فى كل وقت ، تركها يكون إستكبارا عقابه الدخول فى الجحيم داخرين أذلّاء ، قال جل وعلا : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴿٦٠﴾ غافر ).

3 ـ لذا فهو عبادة تعبر عن الايمان والرشاد ، قال جل وعلا : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖفَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴿١٨٦﴾ البقرة ) .

4 ـ فى كل الأحوال فلا بد فى عبادة الدعاء من إلتضرع والخوف والطمع ودون الجهر من القول ، قال جل وعلا : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿٥٥﴾ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّـهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٥٦﴾ الاعراف ).

5 ـ وهو نفس المفروض فى عبادة الذكر ، قال جل وعلا : ( وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ ﴿٢٠٥﴾ الاعراف )

ثانيا : الدعاء والقنوت :

1 ـ الدعاء يدخل ضمن الصلاة ، وهى ذكر منظم لرب العزة جل وعلا وحده بالقيام والركوع والسجود والجلوس والتسبيح والتحميد والدعاء . وأقرب موضع للدعاء فى الصلاة هو عند السجود، إذ به يقترب المؤمن من ربه ، قال جل وعلا لخاتم النبييين : (  كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ۩ ﴿١٩﴾ العلق ).

2 ـ ولا ننسى أن نصف الفاتحة تقريبا هو دعاء بأن يهدينا الله جل وعلا الصراط المستقيم .

3 ـ بهذا يقترب الدعاء فى الصلاة بالقنوت لأن القنوت من معانيه الخشوع . والصلاة لا بد فيها من الخشوع . ولكن للقنوت معانى أخرى متداخلة ومتقاربة :

ثالثا: معانى  القنوت :

1 ـ الخضوع والاستسلام طوعا أو كرها . وهذا يسرى على جميع المخلوقات ، قال جل وعلا :

1 / 1 :( أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّـهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴿٨٣﴾ آل عمران ) : هنا ( أسلم ) أى خضع .

1 / 2 : (وَلِلَّـهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ  ﴿١٥﴾ الرعد  )  ( سجد ) هنا أى خضع

2 ـ يأتى نفس المعنى عن الخضوع بمعنى القنوت فى قوله جل وعلا :

2 / 1 :( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّـهُ وَلَدًا ۗسُبْحَانَهُ ۖ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴿١١٦﴾ البقرة ). أى خاضعون .

2 / 2 : ( وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴿٢٦﴾ الروم ). أى خاضعون .

2 ـ القنوت بمعنى الخشوع فى الصلاة .

2 / 1 : قال جل وعلا : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ ﴿٢٣٨﴾ البقرة ).

2 / 2 : ولنتذكر قوله جل وعلا عن الصلاة والخشوع فيها : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾ المؤمنون )

3 ـ ( قانت )  تأتى وصفا للمتقين الخاشعين أصحاب الجنة . قال جل وعلا عنهم :

3 / 1 ( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴿١٦﴾ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴿١٧﴾  آل عمران  ).

3 / 2 : (  إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿٣٥﴾ الاحزاب ).هنا تفصيل للرجال القانتين والنساء القانتات .

4 ـ وعن الانسان الخاشع ( ذكر أو أنثى ) الذى يقوم الليل (قانتا ) عابدا خاشعا

4 / 1 : قال جل وعلا : ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٩﴾الزمر).

4 / 2 : هنا إقتران القنوت ( الخشوع ) بالعلم والايمان. ويوم القيامة يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات . (يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴿١١﴾ المجادلة  )

5 ـ ( قانتا ) جاء وصفا لابراهيم عليه السلام . قال جل وعلا : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّـهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٢٠﴾ شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿١٢١﴾ النحل )

6 ـ وصفا لمريم .

6 / 1 :فى البداية قالت لها الملائكة : ( يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴿٤٣﴾  آل عمران ). (أُقنتى لربك ) أمر بالعبادة الخاشعة .

6 / 2 : وحافظت مريم على الخشوع والقنوت حتى ماتت فقال عنها جل وعلا : ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴿١٢﴾ التحريم )

7 ـ وصفا للزوجات الصالحات الخاشعات ، قال جل وعلا : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ ) ﴿٣٤﴾ النساء ).

8 ـ على العكس من ذلك كان وضع بعض نساء النبى :   

8 / 1 : جاءهن الوعظ والتحذير من رب العزة جل وعلا . فى خطاب مباشر لهن : (  يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا﴿٣٠﴾ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴿٣١﴾ الاحزاب ). هذا لأنهن ذوات وضع خاص قال عنه جل وعلا بعدها : (  يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴿٣٢﴾ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴿٣٣﴾  الاحزاب)

8 / 2 : إثنتان منهن تمردتا ، فنزلت فيهن آيات منها قوله جل وعلا : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّـهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا ۖقَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴿٣﴾ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّـهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّـهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ﴿٤﴾ التحريم  ). ويبدو أن تأثر الزوجتين تعدى الى غيرهن ، لذا جاء التحذير بإستبدالهن بزوجات صالحات قانتات خاشعات ، قال جل وعلا : ( عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴿٥﴾ التحريم ).

أخيرا :

لا بأس بأن يدعو المؤمن ربه جل وعلا فى صلاته قانتا أى خاشعا متبتلا فى قراءته الفاتحة وفى الركوع والسجود ..  

اجمالي القراءات 6957