قالوا يا ويلنا
يقول أهل الحديث و أتباعه بأن أهل الكهف كانوا نيام كونهم كانوا ( رقود ) , و النائم يعذب نفسياً من خلال ما يراه في منامه , و يستشهدون بذلك على عذاب القبر المزعوم , بأن النوم هو حالة من حالات الرقود فيعذب الميت نفسياً إن كان كافراً , أو ينعّم إن كان مؤمناً , فأوجدوا ما يسمى بحياة الموتى أو حياة القبور .
نحن نعلم بأن المصطلحات البشرية و ما اصطلح عليه الناس لا يفيد بالضرورة نفس المعنى في المصطلح القرآني ,
فمصطلح ( رقد ) أعتبره الناس بأنه يفيد النوم كما يفيد الموت , أما في المعنى القرآني فلا يفيد سوى الموت , و هو الحالة التي يعبّر بها عن الفترة الزمنية التي تسكنها النفس البشرية قبل وجودها ( الأول أو الثاني ) , و هي مرحلة غير محسوسة و مرحلة منقطعة بشكلٍ تام .
يقول جل وعلا ( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) و يقول ( وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) , و هذا هو القانون العام الذي سيخوضه الجميع بمؤمنهم و كافرهم ,
موت أول و تليه الحياة الأولى , و بعدها الموت الآخر و تليه الحياة الآخرة ,
هنا يجب التركيز جيداً بالربط بين الحياتين و الميتتين , و ما هو الرابط المشترك في المراحل الأربع ,
الموت في حالتيه هو فقدانٌ للجسد و انعدامه دون فقدان النفس , و الحياة في حالتيها هي في تواجد الجسد و حضوره مع النفس , إذا فالعامل المشترك في الحالات الأربع هو النفس لا الجسد ,
نحن جئنا للحياة الأولى بأجسادنا بعد موتٍ دام آلاف السنين , هل شعرنا بأي بشيء من هذا !
أم أن حالة الموت تلك كانت مرحلة غير محسوسة و منقطعة و أشبه بأن تكون فتره زمنيه صفرية !
فبما أن الخالق جل و علا قد قال ( أمتنا اثنتين ) فهذا يشترط بتشابه و تطابق الموت في الحالتين كون النفس هي نفسها لم تتغير , أما في ( أحييتنا اثنتين ) قلا يشترط التطابق لأن الجسد متغير ,
و بما أن الموت في حالتيه هو فقدانٌ و انعدمٌ للجسد و اقتصاره على تواجد النفس مع انعدام الزمن في حالة جمود و ركون دون أية مشاعر كما حدث معنا في موتنا الأول , فهذا يعني بأن الموت هو حالة ( رقود ) لتلك النفس , لذا كان الرقود هو السكون مع انعدام الحركة أي جمود تام للزمن .
مصطلح ( رقد ) لم يرد في الذكر الحكيم سوى مرتان :
في قوله جل وعلا ( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ) , و هذا في قصة أهل الكهف , و القصص في كتاب الله جل وعلا للعبرة و التلميح ,
و في قوله جل وعلا ( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) , و هذا فيما سيقوله الكافرون حتماً في بداية دورة حياتهم الثانية , و هذا من آيات البيان و التصريح ,
فمن هنا أقول :
ليس هناك تصريح بأن أهل الكهف كانوا نيام , بل هناك تلميح بأنهم كانوا رقود أي أموات , و لا أدري لم التبس على الناس هذا الأمر و ظنوا بأنهم نيام , على الرغم بان الله جل وعلا لم يلمح لنا بأنهم نيام , و في المقابل قد لمح لنا بأنهم رقود أي أموات ,
و لأن الموت فيه غياب للجسد و فقدانه , و هذا لم يحدث لأجساد أهل الكهف , بل تم حفظ هذا الجسد دون تلف , و تلك إرادة الله جل وعلا , أي أن أهل الكهف كانوا في كهفهم أموات مدة ثلاثمائة سنة و ازدادوا تسعاً , مع حفظ أجسادهم دون تلف أو خلل أو نمو , بل بقيت على حالتها كما كانت يوم موتهم ,
و من تلك الأدلة و التلميحات التي نستشف منها بأن رقودهم ليس نوماً بل هو موت :
أولاً :
في حالة النوم يبقى السمع مستيقظاً فلا يغيب , أما أهل الكهف فقد غابت أسماعهم ( فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ) و تلك إشارة بأنهم لم يكونوا نيام بل أموات .
ثانياً :
لا يعتبر النوم حالة سكون , و هذا كون النائم يتحرك و يتقلب في نومه , لذا لا يصح القول بأن النوم هو رقود أي سكون بسبب حركة النائم الذاتية في نومه , فأما أهل الكهف فقد كانوا رقود أي أموات كونهم لا يتحركون لذا فقد كان الله جل وعلا هو المتكفل في تحريكهم و تقليبهم ( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) , فلو أنهم كانوا نيام لتقلبوا بشكلٍ ذاتي , و تلك إشارة بأنهم لم يكونوا نيام بل أموات .
ثالثاً :
أهل الكهف ( تَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا ) , أي أن عيونهم كانت مفتوحة و لكنهم كانوا دون حركه و دون تنفس , و حالتهم تلك هي سبب بعث الخوف في نفسك لو رأيتهم , حيث سترى بأنهم مستيقظين و لكنهم لا يسمعون و لا يتكلمون و لا يتنفسون و لا يتحركون و لا يشعرون بشيء , و هذا دليل موتهم و ليس نومهم .
رابعاً :
( وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ ) و تلك إشارة بأنهم كانوا أموات و لم يكونوا نيام , كون البعث يأتي بعد الموت لا النوم .
كل تلك التلميحات الواردة في القصص القرآني عن أهل الكهف تصب في خانة موتهم و لا تصب في خانة نومهم , و لا يوجد أي تلميح أو إشارة تدل على نومهم ,
و لا أدري متى سيتوقف أهل الحديث و أتباعه عن افترائهم الذي يتمحور حول إسقاط بيان التصريح على بيان التلميح , و رفعهم للتلميح فوق التصريح !