قصة السكر وبانتنج والكلب 410

خالد منتصر في الخميس ١٥ - نوفمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

قصص الاكتشافات العلمية عامة والطبية خاصة، تتفوق فى إثارتها على الأفلام البوليسية، فيها الميلودراما الفاجعة والكوميديا الساخرة والمصادفة العابرة ومشاهد الرعب التى تحبس الأنفاس ولقطات الفرح التى تأسر القلوب، وقصة اكتشاف الأنسولين هى واحدة من أروع تلك القصص وأكثرها جاذبية، ولا بد أن نعلّم أطفالنا وشبابنا ونحكى لهم تلك القصص بدلاً من تركهم نهباً لحكايات بول البعير والثعبان الأقرع التى تملأ المكتبات وتحتل الأرصفة لكى يعرفوا قيمة العلم، سأعرض لكم لقطات سريعة من هذا الفيلم المثير فى اليوم العالمى للسكر 14 نوفمبر، الذى يوافق عيد ميلاد صاحب الفضل الأول فى اكتشاف الأنسولين فريدريك بانتنج:

اللقطة الأولى (الطبيب الكندى الفقير، وصدفة لمن يستحقها) عاد الطبيب الشاب بانتنج من الحرب العالمية الأولى، 29 سنة، خالى الوفاض، عيادته تنعى من بناها، فكر فى إعطاء محاضرات لتحسين دخله، منها محاضرة عن المواد النشوية، اجتهد وحضّر نفسه، جذبه موضوع الأيض، أو الاستقلاب، أو التمثيل الغذائى للنشويات إلى جلوكوز، بلغ به الشغف باكتشاف ما المادة المسئولة عن هذا الاستقلاب إلى حد إغلاق العيادة والذهاب للبروفيسور ماكليود، الذى سمح له بمعمل متواضع ومساعدين وعشرة كلاب.

اللقطة الثانية (فكرة خارج الصندوق) حتى عام 1920، كان يعتقد أن خلايا غدة البنكرياس تفرز مواد تساعد على هضم الأطعمة بعد أن ترسلها عبر قناة البنكرياس إلى الأمعاء، وأن هناك خلايا أخرى تتجمع فى جزر متفرقة داخل البنكرياس تسمى جزر لانجرهانز، فكر د.بانتنج فكرة عبقرية، وهى أن يربط قناة البنكرياس ويمنع العصارة الهضمية من الخروج إلى الأمعاء، فتتراكم داخل هذه الخلايا وتتلفها، وهذا يعنى أن الخلايا الأخرى فى البنكرياس وربما هى خلايا لانجرهانز لن تتأثر بهذا الربط لتكون هى الخلايا التى تفرز المادة المجهولة، لم يكن بانتنج ينام تقريباً، ومن شدة فقره كان عندما يحتاج إلى نبيذ يشرب بعض الكحول المستخدم فى الجراحة!.

اللقطة الثالثة (شكراً للكلب 410) بالطبع لم تكن الكلاب العشرة كافية لتجارب بانتنج، فكان يخرج ليلاً ليطارد الكلاب الضالة فى الشوارع نتيجة موت كلاب كثيرة أثناء التجارب، وجاء دور الكلب رقم 390، بعد أن أجريت له عملية ربط قناة البنكرياس، تأكد بانتنج ومساعده بست، الذى كان قد أجرى قرعة مع زميله، لكى يحصل على إجازة ووهبته الصدفة حضور هذا اليوم المشهود، تأكدا أن جميع خلايا البنكرياس قد أتلفت ما عدا خلايا جزر لانجرهانزتم مع تقطيع البنكرياس إلى قطع صغيرة، ثم حُقنت فى الكلب رقم 410، الذى كان قد تحوّل جراحياً إلى مريض بالسكر، مرت الدقائق بطيئة، بعد ربع ساعة، حلل بانتنج دم الكلب، ووجد أن نسبة الجلوكوز ما زالت مرتفعة، فانتظر ربع ساعة أخرى، وأعاد تحليل دم الكلب ثانية، وكانت المفاجأة، فقد بدأت نسبة جلوكوز الدم بالانخفاض!.

اللقطة الرابعة (الطفل ثومبسون وأكسير الحياة) 11 يناير 1922 تاريخ فاصل فى حياة مرضى السكر الذين كانوا ينتظرون شبح الموت بين لحظة وأخرى، الطفل ثومبسون، 14 سنة، كان أهله يجهزون لجنازته، بعد عدة محاولات لتنقية الأنسولين حتى لا تحدث الحساسية، وتم حقنه، فحدثت المعجزة وتم إعلان نتيجة البحث، وفى 1923 فقط تم إنقاذ 25 ألف مريض كندى وأمريكى من الموت بمرض السكر.

اللقطة الخامسة (من أجل عيون وطنه، رفض بانتنج أن يصبح مليونيراً) احتل بانتنج غلاف التايم وصار حديث العالم، وجاءه رجل أعمال أمريكى عارضاً مليون دولار لكى يصبح الأنسولين أمريكياً، رفض بانتنج، وقال له سيظل ابتكاراً ينسب لوطنى كندا.

اللقطة الأخيرة (روح الفريق لا للأنانية) عندما أعلنت أسماء الفائزين بجائزة نوبل عام 1923، أعطيت الجائزة مناصفة للدكتور بانتنج، وبروفيسور ماكليود، فرفض بانتنج ذلك، قائلاً إن مَن كان ينام فى المختبر مع الكلاب لم يكن ماكليود، بل مساعدى بست، فرد عليه ماكليود إن من يستحقها حقاً هو الصيدلى كوليب، الذى قام بتنقية الأنسولين، وهكذا اقتسم الأربعة جائزة نوبل للمرة الأولى فى التاريخ.

اجمالي القراءات 4463