قصة يوسف أشهر من نار على منار، وكل من قرأ القصة يعلـم أن امرأة العزيز ما أرسلت ـ لنسوة المدينة ـ إلا لتمكر بهن، ولقد كانت في مكرها كمثل عنكبة من جنس الأرامل السود، أما شبكة الصيد فغرفة مضيافة مضاءة كوجه القمر، وبصدر الغرفة متكآت مصفوفة، وزرابي مبثوثة، ونمارق مزركشة تسر الغافلين.. وعلى الخوان سكاكين وفواكه غير مقطعة، وكل السكاكين عطشى مُشْرعةٌ.. وفجأة يتحول المشهد وينقلب رأسا على عقب، إذ تنشَب ـ ببيت العنكبوت ـ حربُ عشق وكيد وإغراء .. ولو ترى إذ الأطرافُ مقطعة والجراح دامية والخصومات حامية، وبالقلوب نار متقدة، وقالت الأرملة المتشيطنة: قضي الأمر فلا تلوموني ولوموا أنفسكن (فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيه...)!!
وبعد 1400عام أو تزبد، يُعفى عن كيد امرأة العزيز ويُكفَر كَفرا، وتشهد الدنيا مجيء امرأة أخرى اسمها مريم ابنة عمران، فتتكرر الحادثة، ولكن معكوسة منكوسة، لا فخفخة فيها ولا فخاخ، ولا متكآت ـ هنا ـ ولا سكاكين ولا جراح .. كل شيء تغير، بدءا بالقصر المشيد الذي استحال محرابا يأوي العذراء، وحجابا يعزلها عن دنيا المترفين الغافلين.. ولو ترى إذ السجاد خاشع مبسوط للركع العابدين، وبالأجواء سكينة وسلام وتضرع دموع، وأصوات أراوح تقول:((يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴿42﴾يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ(43)) آل عمران.