عن الاستغفارعن النفس وعن الغير
أولا : الاستغفار فى الدعوة الاسلامية
1 ـ جاء الاستغفار بمعنى التوبة والإنابة للرحمن جل وعلا فى دعوة كل الأنبياء والمرسلين . ونعطى أمثلة فى دعوة الأنبياء السابقين :
1 / 1 : نوح عليه السلام قال يشكو قومه لربه جل وعلا : ( ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ﴿٨﴾ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴿٩﴾ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴿١٠﴾ نوح )
1 / 2 : هود عليه السلام قال جل وعلا عنه : ( وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ﴿٥٠﴾ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٥١﴾ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴿٥٢﴾ هود )
1 / 3 : صالح عليه السلام قال جل وعلا عنه :
1 / 3 / 1 :( وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ﴿٦١﴾ هود )
1 / 3 / 2 : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ﴿٤٥﴾ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ۖ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿٤٦﴾ النمل )
1 / 4 : شعيب عليه السلام قال لقومه مدين : ( وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴿٩٠﴾ هود )
1 / 5 : وهناك رجل مصرى وعظ إمرأة العزيز: ( فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴿٢٨﴾ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا ۚوَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴿٢٩﴾ يوسف )
2 ـ فى الرسالة الخاتمة كانت الدعوة للإستغفار والتوبة . قال جل وعلا :
2 / 1 : ( الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴿١﴾أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّـهَ ۚ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴿٢﴾ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ) ﴿٤﴾ هود )
2 / 2 : وأمر رب العزة جل وعلا رسوله عليه السلام أن يقول : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ) ﴿٦﴾ فصلت )
3 ـ وكل ما قيل للرسل فى الكتب الالهية قيل مثله لخاتم النبيين عليهم جميعا السلام . وبهذا جاءت صفات المتقين عامة تنطبق على من يكون متقيا فى أى زمان ومكان . ومن صفات المتقين : الاستغفار . فى صفات المتقين أصحاب الجنة يوم الدين قال جل وعلا :
3 / 1 : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿١٣٥﴾ أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚوَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿١٣٦﴾ آل عمران )
3 / 2 :( الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴿١٧﴾آل عمران)
3 / 3 : ( إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴿١٥﴾ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ ﴿١٦﴾ كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴿١٧﴾ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18 ) الذاريات )
4 ـ ولأن القرآن الكريم هو الرسالة الالهية الخاتمة للبشر جميعا الى يوم الدين فقد جاء فيه الوعظ بالاستغفار:
4 / 1 : وعظ المؤمنين : (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴿١٩٩﴾ البقرة )
4 / 2 : فى وعظ المسيحيين : ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٧٣﴾ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّـهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚوَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٧٤﴾ المائدة )
4 / 3 : فى وعظ كفار قريش :
4 / 3 / 1 : ( وَإِذْ قَالُوا اللَّـهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٣٢﴾ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴿٣٣﴾ الانفال )
4 / 3 / 2 : كانوا يستعجلون العذاب تكذيبا للقرآن الكريم فقال جل وعلا عنهم : ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴿٥٤﴾ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا ﴿٥٥﴾ الكهف ).
4 / 3 / 3 : فى وعظ الناس كافة قال جل وعلا : ( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿١١٠﴾ النساء )
ثانيا : النبى يستغفر ربه جل وعلا :
1 ـ جاء فى قصة النبى داود عليه السلام أنه إستغفر ربه فى موضوع الخصوم الذين تسوروا عليه محرابه يحتكمون اليه : ( قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ ﴿٢٤﴾ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ ﴿٢٥﴾ ص ), إستغفر ربه وخر راكعا منيبا لربه. وجعل رب العزيز هذا منقبة له.
2 ـ بالنسبة لخاتم النبيين عليه وعليهم السلام :
2 / 1 : أمره رب جل وعلا أن يستغفر لذنبه فى عبادة مقرونة بالتسبيح بحمد رب العزة قال جل وعلا له فى خطاب مباشر :
2 / 1 / 1 : ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴿٥٥﴾ غافر). الاستغفار هنا بالعشى والابكار . معنى الاستغفار لذنبه أنه كان يقع فى ذنوب وأمره الله جل وعلا أن يستغفر بسببها.
2 / 1 / 2 : ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴿٣﴾ النصر)
2 / 1 / 3 : مؤمنون من ذوى الجاه سرق ابن لهم فإفتضح أمره فتآمروا على وضع المسروق فى بيت برىء ، وأصبح البرىء متهما بالسرقة ، وجاءوا للنبى يسألونه أن يبرىء إبنهم ، فإنخدع النبى ــ وهو لا يعلم الغيب ـ فدافع عن هذا المجرم ، ونزل قوله جل وعلا فى لومه وأمره بالاستغفار: ( وَاسْتَغْفِرِ اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ( 106 ﴾ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ( 107 ) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴿١٠٨﴾ النساء )
2 / 1 / 4 : وجاء الأمر بالاستغفار له عليه السلام وللمؤمنين معه الذين كانوا يقومون الليل عبادة وقراءة للقرآن ، قال جل وعلا يذكر منقبة عظيمة له عليه السلام وللسابقين الأبرار من أصحابه : ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّـهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّـهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٢٠﴾ المزمل ). جدير بالذكر إن البخارى وغيره ذكروا فى الافتراء على خاتم النبيين أنه كان يقضى الليل يطوف على نسائه يمارس معهن الجنس ، واصحابه يتابعونه مبهورين بفحولته الجنسية التى تعدل ثلاثين رجلا بزعمهم . فى حبنا لخاتم النبيين ننفى عنه هذا الزور الذى جعله المحمديون دينا.
ثالثا : الاستغفار عن الغير :
1 ـ إستغفار الملائكة للبشر . هو إستغفار مقترن بتسبيحهم لرب العزة جل وعلا . وهو نوعان :
1 / 1 : إستغفار لجميع البشر. قال جل وعلا : ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ۚوَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ ۗأَلَا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾ الشورى )
1 / 2 : إستغفار خاص بالمؤمنين . قال جل وعلا : ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿٧﴾ غافر)
2 : إستغفار ( النبى / الرسول ) عن الآخرين
2 / 1 : ابراهيم عليه السلام إستغفر لأبيه : ( قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴿٤٧﴾ مريم )
2 / 2 : ابناء يعقوب عليه السلام طلبوا منه أن يستغفر لهم فوعدهم بذلك : ( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴿٩٧﴾ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿٩٨﴾ يوسف )
رابعا : إستغفار محمد عليه السلام عن الغير :
1 ـ أوضحنا فى كتاب ( القرآن وكفى ) الفارق بين النبى والرسول ، وأن مصطلح ( النبى ) يعنى محمدا فى علاقاته بمن حوله وتصرفاته الشخصية ، ومنها ما إستوجب اللوم لذا كان اللوم يأتى له بصفته النبى ، مثل قوله جل وعلا : ( قَد تَّابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿١١٧﴾ التوبة )( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚوَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١﴾ التحريم ). أما مصطلح الرسول فهو النبى حين يدعو ويعظ ويحكم بالقرآن ، لذا تأتى طاعة الرسول مقترنة بطاعة رب العزة جل وعلا لأنه يبلغ عن ربه وبرسالة ربه جل وعلا. والأمثلة كثيرة فى طاعة الله ورسوله ، ومنها قوله جل وعلا : ( وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿١٣٢﴾ آل عمران ) ومنه الاحتكام اليه عليه السلام بوصفه الرسول، كقوله جل وعلا: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَـٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴿٤٧﴾ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ ﴿٤٨﴾ النور) وبهذا الضابط نتدبر موضوع الإستغفار بالنسبة للنبى والرسول .
2 ـ إستغفاره بصفته الرسول :
2 / 1 : جاء هذا مرتبطا بالرسول الذى يجب طاعته فيما يبلغه عن ربه جل وعلا . قال جل وعلا :
2 / 1 / 1 : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴿٦٤﴾ النساء )
2 / 1/ 2 : فى الشورى ، وكان الرسول مأمورا بتطبيقها بإعتبارها فريضة إسلامية :
2 / 1 / 2 / 1 : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ۚ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٦٢﴾ النور )
2 / 1 / 2 / 2 : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖفَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )﴿١٥٩﴾ آل عمران )
3 : إستغفاره للغير بصفته النبى :
3 / 1 : يأتى هذا بالنّصّ على وصفه ( النبى ) :
3 / 1 / 1 : قال له جل وعلا بوصفه ( النبى ) : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّـهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙفَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١٢﴾ الممتحنة ). هنا بيعة النساء للنبى . وهن يبايعن النبى على شروط منصوص عليها . ومنها الّا يعصين النبى فى معروف . الطاعة هنا للنبى مشروطة بالمعروف بينما هى للرسول ( الرسالة ) غير مشروطة. وعندما يبايعن النبى فعلى النبى أن يستغفر لهن.
3 / 1 / 2 : قال جل وعلا عن ( النبى ) والمؤمنين فى معرض لوم وعتاب : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴿١١٣﴾ التوبة ). وتوضيح هذا قرآنيا كالآتى :
3 / 1 / 2 / 1 : كان النبى ومعه المؤمنون يستغفرون لأقاربهم المشركين . زعم ابن إسحاق إنه كان يستغفر لعمه أبى طالب . وذكر رواية ساقطة يؤمن بها السنيون. وبالتدبر القرآنى نعرف أنه لم يكن أباطالب بل كان أبا لهب ، والذى نزل فيه قوله جل وعلا : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿١﴾ مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴿٢﴾سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴿٣﴾ المسد ) . هذا هو الذى تبين أنه من أصحاب الجحيم .
3 / 1 / 2 / 2 : كان النبى والمؤمنون معه يفهمون أنه لا بأس أن يستغفروا لأقاربهم المشركين طالما إستغفر ابراهيم عليه السلام لأبيه . وابراهيم إستغفر حين ترك أباه وعده أن يستغفر له : ( إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّـهِ مِن شَيْءٍ ) ﴿٤﴾ الممتحنة ). فنزل التوضيح فى قوله جل وعلا : ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّـهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚإِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴿١١٤﴾ التوبة ).
3 / 2 : يأتى ضمنيا بدون وصف النبى ، ولكن بذكر ( الذنوب ) . والنبى يقع فى الذنوب فى علاقاته . قال له جل وعلا : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗوَاللَّـهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴿١٩﴾ محمد ). هنا أمر أن يستغفر لذنبه ويستغفر لذنوب المؤمنين أيضا .
والمؤمنون هنا هم الذين يعترفون بالذنب تائبين ، ومنهم من قال فيه رب العزة جل وعلا : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّـهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١٠٢﴾ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴿١٠٣﴾ التوبة ).
3 / 3 : يختلف الحال مع :
3 / 3 / 1 : المنافقين الذين كانوا يرفضون التوبة والاستغفار والاعتراف بالذنب . قال جل وعلا عنهم : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّـهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴿٥﴾ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٦﴾ المنافقون ) ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٨٠﴾ التوبة )
3 / 3 / 2 : الأعراب الذين تخلفوا عن القتال الدفاعى بأعذار كاذبة ، ثم يطلبون من النبى أن يستغفر لهم . قال عنهم جل وعلا : ( سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّـهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿١١﴾ الفتح ).