خطبة 31 أغسطس
قصة البشرية فى 6 آيات
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) } (سورة البقرة 30 - 36)
{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
خليفة ... ممثل رسمى أو وكيل.
قول الملائكة : قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
رد الله على الملائكة: قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
هذه الآية لفتت نظرى وجعلتنى أقرأ القصة أكثر من مرةوالسبب واضح فى بداية الآية: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً...!
الأمور لا تسير بهذه الطريقة، فأنت لم تضع الإنسان على الأرض ليقوم بدور إجابى أنت وضعت الإنسان فى الأرض عقابا له على خطيئته، ومن الواضح أن الله سبحانه لم يتحدث عن هذه النقطة ومع ذلك يبقى الموضوع مذهلا .
ثم جائت الآية التالية تقول:
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ "
هنا وقفت برهة ولم اصدق السؤال. فقلت هذا هو سؤالى " لماذا خلقت هذا الكائن (الإنسان) المفترض أن يقوم بدور إجابى فى الوقت الذى يستطيع أن يقوم بإفساد ويمتلك القدرة على فعل الجرائم ويسفك الدماء فلماذا خلقت هذا المخلوق العدوانى فى الوقت الذى تستطيع خلق ملائكة كما قالت الملائكة بوضوح " وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَك".
إنهم يسالوا عن أكثر الأسئلة أهمية فى تاريخ البشرية " لماذا خلقت الإنسان ؟"هذا المخلوق المخطئ. هذا المخلوق يمكنه التمرد على الله ويمكنه أن يقوم بأفظع الأعمال العدوانية فى الأرض كان يمكنك أن تجعلهم ملائكة هذا السؤال كل ما فكرت فيه وكل ما مررت به من أحداث بل كل خبرات حياتى كانت فى قلب هذا السؤال فظهر لى أن كاتب هذه القصة يحكى قصة حياتى ومن ثم طرح السؤال الصحيح " لماذا خلقت الإنسان ؟" هذا المخلوق الأكثر عنفا وعدوانا بينما كنت قادر على أن تجعله ملاك والآن أنظر الى الإجابة: قال الله سبحانه " قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ " .
قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
بمعنى أن الله سبحانه يقول " أنا عارف بالضبط أنا بعمل إيه ...
هل حقا تعرف ما تقوم به فعلا ...! قل لى ماذا تفعل لأنى فى حيرة من أمرى ... ليس كافيا أن تقول أنا عارف بأعمل إيه ... أنا محتاج تفصيل أكثر.
هذا ما حدث لى أكثر من مرة أثناء قراءة القرءآن ، فى بعض الأحيان أدخل فيما يشبه الجدال فيما أقرأ.
لاحظت أن القرءآن لم يتهرب من السؤال وإنما بدأ قليلا يجيب عليه ، فالآية التالية تقول: " وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا "
إتضح لى أن هذه الآية تكملة للآية التى سبقتها ، نلاحظ هنا بداية الآية تقول أن ليس آدم المخلوق الذى علمه الله الأسماء كلها فقط ولكن هى نعمة التخاطب ( اللغة ) ولكنه أيضا مخلوق قادر على التعلم ... الله سبحانه علمَّه ،
فى هذا الجزء من الآية إتضح لى ما سيكون فى الآية التالية، أن أولوية الأمور التى سيؤكد عليها القرءآن هنا هى قدرة الإنسان المعرفية ، مخلوق قادر على التعلم ...
لأن اللغة ليست فقط وسيلة يتعلم بها البشر ليس فقط خبراته الحالية بل يمكنه بها أن يتعلم خبرات الآخرين الذين عاشوا على بعد مئات الألاف من الأميال والسنين التى تفصلهم عنه .
لذلك كلنا نتشارك فى علومنا وخبراتنا المتراكمة ، وما لاحظته أيضا فى القرءآن أنه يؤكد على هذا الشيئ مرارا وتكرارا مثل " { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) } (العلق 2 - 3)
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ... لماذا هو الأكرم ؟ ما هى المنحة العظيمة التى أعطاها لك ؟ { الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) }
علم الإنسان كيف يستحدم القلم. وعن طريق القلم " { عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) } (سورة العلق 5).
وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال: " فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ"
رد الملائكة: قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ" هذه القدرة تتخطى قدراتهم المعرفية .
فى الآية التالية قال الله لآدم " قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ " ولاحظ عندما أنبأهم بأسمائهم كانت مهمة آدم سهلة جدا وكأنها لا شيئ . بالنسبة للجنس البشرى هذه قدرة بديهية وهذا هو الهدف من هذه الآيات .
الله سبحانه وتعالى قال: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ " بمعنى آخر يقول سبحانه ألم اقل لكم أنى أعلم ماذا افعل.
والسؤال هنا ما هو الذى يبدون ويكتمون ؟ إنهم الملائكة يظهرون قدرات الإنسان على فعل الشر ولكن ما الذى يخفوه؟ يستطيع البشر القيام بالشرور يخطئوا ويفسدوا ولكن أيضا يمكنهم القيام بالعكس تماما . يمكنهم الإختيار بين عمل الشر وعمل الخير يمكنهم التعامل بالعدوان أو التعامل بالرحمة .
نذهب إلى الآية التالية: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ " نلاحظ لماذا إبليس رفض السجود، هنا القرءآن يخبرنا أن المادة ليست دائما السبب للشر ليس دائما المال والطمع لكن إن قلب الشر هو التكبر.
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) } (سورة البقرة 35 - 36).
الخلاصة:
دعونا نعود إلى البداية، أولا تم تعليم الإنسان وملاحظة قدرته المعرفية ثم عرضنا قدراته الإنتقائية التى تعنى القدرات التى تؤهله للإختيار والآن الله أعطاه هذا الإختيار ( الشجرة ). ولا ننسى الأصل أن الله خلق الإنسان ليكون خليفة فى الأرض ، والآن متى سيضعه الله على الأرض وما هى الإشارة على أنه مستعد للبداية ... عندما يتخذ أول قرار مستقل فى حياته . خطيئة آدم ليست أبشع الخطايا فى تاريخ البشرية ولكنها علامة تظهر إستعداد الإنسان ليتخذ قراراته بنفسه.
ومن ذلك الوقت كانت خطة الله فى حياة هذا المخلوق إلى يوم القيامة علما أن جعل له حرية الإختيار فقال:
(بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ( 14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) (سورة القيامة 14-15
صدق الله العظيم...