( وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) يعنى : تبليغ الكتاب الذى هو الحكمة

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٣٠ - يوليو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

( وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) يعنى : تبليغ الكتاب الذى هو الحكمة

مقدمة :

1 ـ تخيلت سؤالا يقول لى : ( كيف تقول إن النبى ليست وظيفته تدبر القرآن ، وقد قال رب العزة إن مهمته أن يعلم الناس الكتاب والحكمة. هذا الرسول المعلم لا بد أن يتدبر الكتاب كى يشرحه لتلاميذه ). قلت لنفسى إن القرآن لا عوج فيه ولا إختلاف ، وبالتالى فإن الايات التى ورد فيها أن وظيفة الرسول هى أن يعلم الكتاب والحكمة يكون معناها أن وظيفته التبليغ والتبشير والانذار. بمعنى آخر أن من تفصيلات التبليغ تعليم الناس الكتاب والحكمة . وأنه بمجرد قراءة القرآن يكون قد علّم الناس .  

 2 ـ يقول جل وعلا عن دعوة ابراهيم واسماعيل وهما يرفعان القواعد من البيت الحرام : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) البقرة )، وقال جل وعلا : ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) البقرة ) (  لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) آل عمران ) (  هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) الجمعة ). المفهوم الشائع أن الناس يتخيلون الرسول معلما فى مدرسة يشرح للناس القرآن الكريم . الموضوع مختلف تماما حين نتدبره بمصطلحات القرآن  .

3 ـ طبقا لمصطلحات القرآن فإن الوحى الالهى هو ( علم ) ، ألله جل وعلا هو الذى (علّمه ) للرسول ، وقبله لم يكن يعلمه . تبليغ الرسول هذا العلم للناس  هو ( تعليم ) لهم . وبعد موت النبى يظل الكتاب الالهى علما يتعلم منه الناس ما لم يكونوا يعلمون.

4 ـ نعطى تفصيلا. 

أولا :  الوحى الالهى  بالكتاب الالهى هو :( علم )

1 ـ تبدأ نبوة الرسول بأن يعطيه الله جل وعلا العلم والحكمة  وهما وصفان للكتاب الالهى .

1 / 1 : قال جل وعلا عن يوسف عليه السلام : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً )(22) يوسف ) .

1 / 2 : وقال عن موسى عليه السلام : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً )(  14) القصص ).

1 / 3 : وعن لوط قال جل وعلا : ( وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً )(74) الانبياء )،

2 ـ وبهذا الوحى الالهى يتميز الرسول عن بقية الناس

2 / 1 : عن داود وسليمان ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) النمل ).

2 / 2 : ويعلم الرسول من ربه ما لا يعمله قومه .

2 / 2 / 1 : قال نوح لقومه : (  أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (62)   الاعراف ) .

2/ 2 / 2 : وقال ابراهيم لأبيه : ( يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً (43) مريم )،

2 / 2 / 3 : وقال يعقوب لبنيه : ( قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (86)  يوسف )

ثانيا : الله جل وعلا هو الذى ( يعلّم ) الرسول

وطالما إنه علم من لدن الله جل وعلا فإن الله جل وعلا هو الذى ( يعلّم ) رسوله :

1 ـ قال جل وعلا عن يعقوب عليه السلام : ( وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ )(68) يوسف )

2 ـ قال يعقوب لإبنه يوسف بعد أن قص عليه الرؤيا : ( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) يوسف )

3 ـ قال يوسف لصاحبيه فى السجن : ( قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ) (37) يوسف )

3ـ  وعن عيسى عليه السلام : ( وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (48) آل عمران ) ( وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ  ) (110) المائدة ).

ثالثا :  القرآن (علم ) :

1 ـ للقرآن الكريم أسماء كثيرة ،منها أنه (علم ). وبقراءة وتلاوة هذا ( العلم ) يكون ( التعليم ).

2 ـ نزل الكتاب الالهى الخاتم مرة واحدة على قلب النبى محمد فى ليلة الاسراء التى هى ليلة القدر ، وقد فصلنا هذا فى كتاب عن ليلة الاسراء هى ليلة القدر، وهو منشور هنا. بعد نزول الكتاب مرة واحدة على قلبه عليه السلام أصبح وحى القرآن يتنزل مقروءا بلسان النبى ، وعندها كان يتذكر موضع الآيات المكتوبة فى قلبه ، فكان يسبق لسانه ، فقال له ربه جل وعلا :( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) طه ). (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ) أى زدنى وحيا قرآنيا . فالعلم هنا هو القرآن .

3 ـ أوضح رب العزة الحق فى موضوع خلق عيسى ثم قال لخاتم المرسلين : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) آل عمران ). قوله جل وعلا : (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ ) أى من القرآن ، فالقرآن هو العلم الدينى .

4 ـ وحذّر رب العزة جل وعلا خاتم المرسلين من أن يتبع اهواء أهل الكتاب من بعد ما نزل عليه (العلم ) أى القرآن ، قال جل وعلا : (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) البقرة ) ( وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ (145) البقرة ) (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ (37) الرعد ) . قوله جل وعلا : ( بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ ) (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ ) (بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ ): ( العلم ) هنا هو القرآن الكريم.

رابعا :  قبل القرآن لم يكن محمد بن عبد الله القرشى يعلم دين الله جل وعلا .

1 ـ  كان غافلا ، قال جل وعلا : (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ (3)  ) يوسف ) .

2 ـ هذه بداية سورة يوسف . وتعلم النبى محمد عليه السلام منها ــ مثلا  ـ قصة يوسف . قال له جل وعلا فى خاتمتها :( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) يوسف ).

3 ـ  وقال جل وعلا له بعد قصة (نوح ): ( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) هود  ) .

خامسا : الله جل وعلا هو الذى ( علّم ) النبى محمدا ما لم يكن يعلم

1 ـ  قال له جل وعلا عموما : (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) النساء ).

2 ـ الله جل وعلا لم يعلّم رسوله الشعر ، بل علّمه الذكر ( القرآن ) ، قال جل وعلا :( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) يس )

3 ـ وهو نفس الحال للمؤمنين ، تعلمنا بالقرآن ما لم نكن نعلم . قال جل وعلا فى تشريع جديد فى الصلاة عند الخوف : (  فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) البقرة ) . أى إن خفتم فوات وقت الصلاة أو عند الخوف من الملاحقة يمكن الصلاة بأى كيفية راكبا او مترجلا .

سادسا : بعد موت النبى محمد يظل القرآن الكريم هو الرسول ، وبمجرد تلاوته نتعلم منه ما لم نكن نعلم .

1 : قال جل وعلا:( فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) الطلاق ) ، قوله جل وعلا (  أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً ) أوضح رب العزة معنى ( الذكر ) أى القرآن بأنه الرسول الذى نتلوه ، أى طالما نتلو القرآن فهو الرسول ، قال جل وعلا :( رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) الطلاق ). لا يصح أن يقال إن الله جل وعلا أنزل رسولا هو شخص محمد البشرى. بل الرسول هنا هو القرآن الكريم حين نتلوه. وبالتالى حين نتلوه نتعلم منه ما لم نكن نعلم.

2 : ونفس المعنى فى قوله جل وعلا عن القرآن أو الكتاب الالهى : (  رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) البينة ).

3 : وطالما هذا الكتاب القرآنى يتلى بيننا فالرسول قائم بيننا ، قال جل وعلا فى خطاب عام للمؤمنين : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) آل عمران ).

الخلاصة

الوحى الالهى هو ( علم ) ، ألله جل وعلا هو الذى (علّمه ) للرسول ، وقبله لم يكن يعلمه . تبليغ الرسول هذا العلم للناس  هو ( تعليم ) لهم . وبعد موت النبى يظل الكتاب الالهى علما يتعلم منه الناس ما لم يكونوا يعلمون. 

اجمالي القراءات 7254