هل كان النبى محمد يعلم كل ما فى القرآن الكريم ؟

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٤ - يوليو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

هل كان النبى محمد يعلم كل ما فى القرآن الكريم ؟

مقدمة

1 ـ المؤلف لكتاب ما لا بد أن يعرف كل ما فى هذا الكتاب لسبب بسيط : لأنه المؤلف لهذا الكتاب. تجربتى كمؤلف من أربعين عاما أن الكتاب يبدأ فكرة ، أجمع لها المادة ( العلمية ) ثم أتفحّصها وأدقّق فيها ، ثم أنظّمها ، وأقسّمها فصولا وأبوابا ، ثم أصيغها كتابا. فى كل هذا أصاحب الكتاب بحثا وتدقيقا وتمحيصا وتنقيحا. بعدها أضع عليه إسمى وأنشره ، ويكون مقياسا لقدرتى كمؤلف . القارىء يقرؤه أو ( يقرؤنى ) لا فارق ، فالكتاب يعبّر عنى ــ على الأقل ـ فى هذه المرحلة من عمرى حين ألّفت هذا الكتاب. 

2 ـ هل ينطبق هذا على القرآن الكريم والنبى محمد عليه السلام ؟

بالطبع : لا. ! لماذا ؟

أولا :

1 ـ القرآن كلام الله جل وعلا ، وليس له مؤلف من البشر. كتب الأحاديث المختلفة لكل منها مؤلف . كل مؤلف  يضع على الكتاب إسمه ، وهو الذى يضع عنوان الكتاب ، مثل ( موطأ مالك وصحيح البخارى وصحيح مسلم ومسند أحمد...الخ ).  

2 ـ طبعا ليست هذه الكتب جزءا من الاسلام وليست وحيا إلاهيا ، لأسباب كثيرة ، منها أن أصحابها ليسوا آلهة ستحاسب البشر يوم القيامة بناءا على هذه الكتب التى كتبوها، بل سيحاسبهم الله جل وعلا  الذى سيحاسب كل البشر بما فيهم الأنبياء.  

ثانيا :

1 ـ  لم يزعم محمد عليه السلام أنه الذى ألّف القرآن ، بل هذا ما زعمه أعداؤه ،

2 ــ  ولأن القرآن ( آية ) للتحدى ، أو بتعبيرنا ( معجزة ) لا يستطيع البشر الإتيان بها فإنه فى مواجهة الكفار الذين زعموا ان محمدا (إفترى ) القرآن جاء التحدى لهم بأن يؤتوا بقرآن مثله أو ب ( حديث مثله ) فعجزوا ، قال جل وعلا : (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) الطور  ) . عجزوا فجاءهم التحدى بأن يؤتوا بعشر سور  مثل سور القرآن فعجزوا ، قال جل وعلا : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) هود ) . عجزوا فجاءهم التحدى بأن يؤتوا بسورة واحدة مثل سور القرآن من شخص عربى مثل محمد بن عبد الله ، وأن يستدعوا الشهداء ، فعجزوا.  قال جل وعلا : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) يونس ) ، وقال جل وعلا : ( وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) البقرة ) .  

3 ـ وجاء التأكيد على أنه لو إجتمعت الانس والجن على أن يؤتوا بمثل القرآن فلا يمكنهم الإتيان بمثله ، قال جل وعلا : ( قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) الاسراء ). أى ( لامثيل للقرآن ) لأنه ( كلام الله ) . فكما أنه لا مثيل لرب العزة الخالق جل وعلا : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11) الشورى ) فلا مثيل لكتابه . جدير بالذكر أن الآية السابقة ( الشورى 11 ) جاءت مرة واحدة ، وكذلك الآية (88 من سورة الاسراء ). والمعنى أنه  لا مثيل لرب العزة جل وعلا ولا مثيل للقرآن الكريم.

4 ـ هام جدا تعليق رب العزة جل وعلا على عجزهم الاتيان بسورة واحدة مثل سور القرآن  . قال جل وعلا : (  بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ) (39) يونس ) .

4 / 1 : هم كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه . العرب لم يحيطوا بالقرآن علما . وكذلك كل البشر لأن القرآن نزل تحديا للإنس والجن معا فى كل زمان ومكان من عهد النبى الى قيام الساعة.

4 / 2 : هم لم يأتهم بعدُ تأويله. قلنا فى بحث ( التاويل) المنشور هنا أن معنى التأويل قرآنيا هو التحقق . ما أخبر به رب العزة جل وعلا سيأتى تأويله أى تحققه عمليا فى هذه الدنيا وفى يوم القيامة. هذا أيضا ينطبق على الانس والجن من عهد النبى الى قيام الساعة.

4 / 3 : منها ما تحقق عمليا فى هذه الدنيا من غيب تحقق فى حياة النبى محمد عليه السلام مثل:

4 / 3 / 1 :  إنتصار الروم على الفُرس فى قوله جل وعلا : (غُلِبَتْ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) الروم ) . ولنا مقال بحثى فى هذا منشور هنا.

4 / 3 / 2 : ومنه قوله جل وعلا : (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) الفتح ).

4 / 3 / 3 : ومنها قوله جل وعلا : (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) البقرة)  . أخبر جل وعلا انهم سيقولون كذا ووصفهم بالسفهاء ، وفعلا قالوا وإستحقوا وصف السفهاء.

4 / 4 : ومنه غيب تحقق بعد موت النبى محمد :

4 / 4 / 1 : مثلما جاء عن الفتنة الكبرى والخرب الأهلية بين الصحابة القرشيين . قال جل وعلا يخاطب قريشا قوم النبى المكذبين بالقرآن الكريم : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) الانعام  ). قوله جل وعلا : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) الانعام ) غاية فى الإعجاز. وقد تحقق فعلا.

4 / 4 / 2 : ومنه ما جاء فى القرآن الكريم عن علامات الساعة التى ذكر رب العزة من 14 قرنا إنها إقتربت, ومن علاماتها ما نشهده حاليا ، وهو قوله جل وعلا :( حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) يونس ). ولنا مقال بحثى منشور هنا عن ( علامات إقتراب الساعة وإقتراب  الفزع الأكبر ).

4 / 5 : ومنه غيب سيتحقق بقيام الساعة ومجىء اليوم الأخر  وما فيه من بعث وحشر وحساب وجنة ونار.

5 / 6 : ومنه إعجازات علمية :

5 / 6 / 1 : منه ( آيات ) عن الاعجاز العددى الرقمى فى داخل القرآن الكريم والتى بدأ البحث فيها من خلال الرقم 19 ، ومن خلال حساب الجُمل ، وهو يثبت حفظ الله جل وعلا للقرآن الكريم بنفس طريقته الفريدة فى الكتابة. غاية ما هناك أن البحث فى هذا الاعجاز الرقمى لا يزال فى بدايته برغم مكتشفاته المذهلة  .

5 / 6 / 2 : ومنه ( آيات ) أو ( إعجازات ) تحوى إشارات علمية . منها ما توصلت اليه البشرية فى تقدمها العلمى التكنولوجى ومنها ما لم تصل اليه البشرية بعد .وفى هذا لنا كتاب منشور هنا عن ( الغرب والإعجاز العلمى فى القرآن الكريم  ).

5 / 6 / 3 : ونكتفى بكلمة قرآنية واحدة كلمة ( برزخ ).. إكتشف العلم الحديث معناها المادى ، ولم يكتشف بعد المعنى الآخر الميتافيزيقى :

5 / 6 / 3 / 1 : (برزخ ) جاءت فى القرآن عن الحاجز المادى الذى يمنع إختلاط مياه الأنهار العذبة بمياه البحر المالحة ، وهذه ظاهرة محسوسة وموجودة حيث تصب مياه الأنهار فى البحار والمحيطات. سبق بها رب العزة فى القرآن الكريم فى قوله جل وعلا :( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ (20) الرحمن )( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) الفرقان ).

5 / 6 / 3 / 2 : ( برزخ ) جاءت فى القرآن الكريم عن الحاجز ( الميتافيزيقى ) بين أرضنا المادية والأرضين الست المتداخلة فيها والسماوات السبع المتداخلة بالترتيب فى الأرض المادية وبرازخها الست ، وقد شرحنا هذا كثيرا ، فى كتب: ( كتاب الموت فى القرآن الكريم ) ( العذاب والتعذيب فى رؤية قرآنية ) و ( الغرب والإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ) . الى هذا البرزخ اشار رب العزة جل وعلا فقال : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون ).

ثالثا :

 1 ـ النبى محمد لم يكن يعلم قوله جل وعلا : ( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)( الحديد ) (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) سبأ ). هنا درجة عليا فى الفصاحة العربية ، قد يفهمها النبى والعرب ، ولكن هنا إعجازا علميا خفيا عن عوالم البرزخ التى تتخلل الأرض المادية وتنفذ خلالها الأوامر الالهية والمشار اليها فى قوله جل وعلا : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) الطلاق ) .

2 ـ النبى محمد لم يكن يعلم غيبيات المستقبل التى تحققت فى عهده وتحققت بعده . ولم يكن يعلم أيضا ما فى القرآن الكريم من إشارات لإعجازات علمية بدأنا نكتشفها . بل لم يكن يعلم قصص الأمم السابقة والأنبياء السابقين ، وجاء هذا فى قوله جل وعلا : (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) هود ) (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) يوسف )  (ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) آل عمران ) ( وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنْ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمْ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) القصص )

3 ـ لأنه لم يكن يعلم الغيب فقد كان يقع فى أخطاء ينزل فيها تصحيح وتأنيب وعتاب . ليس هذا معهودا فى كتاب يقوم بشر بتأليفه .

4 ـ هذا بالاضافة الى أنه لم تكن مهمته تدبر القرآن بل تبليغ القرآن . والقرآن بنفسه هو البشير والنذير ( هود  1 : 2 ، فصلت 1 : 2 )

رابعا :

1 ـ ذكرت من قبل تجربتى الشخصية ، وأعيدها هنا.

2 ــ عندما قدمت رسالتى مكتوبة بخط يدى للحصول على درجة الدكتوراة عام 1977 ، فوجئت بالشيوخ كلهم ينتفضون ضدى ثائرين . سألت نفسى : هل أنا وحدى على الحق وكلهم على الباطل ؟

3 ـ للإجابة على هذا السؤال كان لا بد أن أتثبت من موقفى حتى أستمر أو أن أخضع للشيوخ الذين يكبروننى بعشرات السنين .

4 ـ قلت أنا أومن بالله جل وعلا ، واستشهد بالقرآن . إذن لا بد أن أستوثق أن هذا القرآن هو فعلا من عند الله .

5 ـ كيف أستوثق من أنه من عند الله ؟ قلت : إذا لم يكن من عند الله فهو من تأليف محمد بن عبد الله .

6 ـ قلت لنفسى : إننى فى رسالة الدكتوراة إنتقدت الكتب المقدسة للأئمة ، وأظهرت تناقضها . فهل فى القرآن الكريم تناقض ؟ إذا كان من تأليف محمد بن عبد الله فلا بد أن يقع المؤلف فى تناقض .

7 ـ وقلت : إننى أكثر علما من ( محمد بن عبد الله ) . فهو رجل عربى عاش فى القرن السابع الميلادى فى بيئة غير حضارية . بينما أنا أعيش بعده بأربعة عشر قرنا وقد وصل تراكم علمى أكون به متفوقا عليه بالمستوى العلمى. إذن لو كان محمد بن عبد الله هو مؤلف القرآن سيكون من السهل علىّ إكتشاف ما فيه من عوج وإختلاف ، خصوصا وأن القرآن فيه تكرار فى القصص وتكرار فى التشريعات وقيه تداخل وتفصيلات. ولو قام بشر فى عصرنا بتأليف كتاب فيه كل هذه التفصيلات والتكرار والتداخل لوقع فى التناقض والنسيان.

8 ـ وعليه تفرغت عاما كاملا ( 1977 : 1978 ) ، بحثت فيه القرآن الكريم آية آية ، خصوصا القصص القرآنى والتشريعات والغيب عن اليوم الآخر ، وكل مافيها من تكرار ومن تفصيل ، وهذا بمنهجية علمية باردة وصارمة بنفس ما كنت أفعل مع كتب الأئمة فى العصرين المملوكى والعباسى .

9 ـ خرجت من البحث ساجدا لرب العزة جل وعلا ، وربحت علوما لم يعرفها أحد قبلى من خلال تدبر الآيات المتشابهات ، وكل ما نشرته بعد تأسّس على هذه السنة من التفرغ لبحث القرآن كله آية آية . كنت فيها أتعامل مع القرآن كأننى أقرؤه لأول مرة ، أعيد تدبر الآية وبحثها موضوعيا من خلال سياقها المحلى وسياقها الموضوعى.

10 ـ بعدها نظرت للشيوخ بكل ما أملك من إحتقار . بل لقد تبين لى أننى كنتُ مهادنا معهم. وبدأ من وقتها الصراع بيننا .

11 ـ من عام 1977 ، وحتى الآن لا زلت على ساحل المعرفة بالقرآن الكريم ، كلما بحثت موضوعا قرآنيا أكتشف جديدا لم أكن أعرفه. ولهذا أتعجّب من جرأة بعضهم عليه وهم يتكلمون فى القرآن بلا علم ولا هدى . 

اجمالي القراءات 7458