مملكة التعذيب الفرعونية: لمحات من سورة القصص

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٢ - يوليو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

مملكة التعذيب الفرعونية: لمحات من سورة القصص

مقدمة :

فرعون وقومه غير الشعب المصرى . فى ثقافة الفرعون المصرى أنه والملأ التابع له هم ( الأسياد ) . و( الأسياد ) لهم ( عبيد ) . هؤلاء ( العبيد ) هم الشعب المصرى المفترض أنهم ( احرار ) ولكن بالتعذيب الفرعونى تحولوا الى ( عبيد ). هم بإختيارهم إرتضوا أن يكونوا خانعين للمستبد الفرعونى خوف تعذيبه .  دائرة الخوف شملت الشعب المصرى فأصبح فى قصة موسى وفرعون هو الحاضر الغائب . نتوقف هنا مع ما جاء فى صدر سورة القصص عن موسى وفرعون .

أولا : إستعراض لسورة القصص:

1 ـ (  نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3))

 فرعون هو الوحيد فى القصص القرآنى ممثلا لقومه وملئه . فى قصص الأنبياء السابقين لم يرد إسم أو لقب لقائد الملأ الكافر . ثم فى الآية الكريمة نجد فرعون شريكا لموسى فى القصة . وتكررت قصة فرعون فى سور كثيرة أهمها الأعراف والشعراء ويونس وطه وغافر والزخرف . مع أهمية خاصة له تجعله السلف لكل مستبد يأتى بعده ، وتعذيبه مع قومه فى البرزخ .  

2 ـ ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4)).

بسبب حضارتها وقوتها ودولتها العتيدة يتكرر وصف مصر ب ( الأرض ) . وفرعون حين (علا ) فى مصر فقد ( علا فى الأرض ) ، أى يملكها ويتحكم فيها . وقد إتّبع سياسة التفريق بين أهل مصر ، فجعلهم طوائف . وهم جميعا ( أهل مصر ) . وهنا تقرير معنى المواطنة ، فالذى يأتى لبلد يعيش فيه مدة من الزمن يكون من أهل هذه البلد ، مهما إختلف مع الأغلبية من أهلها فى الثقافة واللسان والعنصر . بالتعذيب فرعون إستضعف من ( أهل مصر ) بنى إسرائيل ، كان يذبح أبناءهم ويسترق نساءهم ، لأنه يتشكك فى ولائهم ،فقد جاءوا من سلالة أجنبية عاشت قرونا فى مصر . وقد توارثوا ثقافة لا تتفق تماما مع تأليه فرعون مع انه جعلهم عبيدا له يتعبدون له . وهنا إشارة للدولة المصرية العميقة لفرعون ، إذ يتكرر فى قصة فرعون كلمات ( الملأ ) ( القوم ) الآل) ( الجنود ) كانوا طبقات ودرجات وتخصصات ، يتغلغلون فى كل قرية ومدينة . ومنهم من كان يراقب بيوت ونساء بنى اسرائيل ، فإذا حملت وجاء أوان الوضع ذبحوا المولود إن كان ذكرا وإسترقُّوه إن كان انثى . ولهذا إستحق فرعون وصف الفساد .  

3 ـ(  وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)).

بسبب هذا الظلم الفاحش من مستبد يحتكر القوة ضد طائفة غاية فى الضعف كان التدخل الالهى بعقاب فرعون وملئه وقومه وآله . بحيث يتولى فرعون نفسه تربية موسى وحمايته بدلا من ذبحه . ولا عجب فى ذلك ، فالله جل وعلا غالب على أمره . وهى قصة وعظية لكل مستبد جبّار . مهما علا فى الأرض فسيرتد سلاحه الى نحره .

4 ـ ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9)).

كانت أم موسى تعيش فى عاصمة الفرعون ، ونتصور أنها وقومها كانوا يعيشون فى أطراف العاصمة ، بينما كان قصر الفرعون على النيل ، شأن الأكابر فى مصر . ونتصور أن أم موسى أخفت حملها فلم يصل النبأ الى عيون فرعون ، وحين وضعته جاءها الوحى أنها إذا خافت عليه من زبانية فرعون فعليها أن تضعه فى تابوت وتلقيه فى النيل . مع وعد من الرحمن جل وعلا أن يعيده اليها. وحمل النيل تابوت الطفل موسى رأسا الى قصر فرعون فإلتقطه (آل فرعون ) أى أتباعه ، وحملوا الطفل الى فرعون ، وفهموا أنه من بنى إسرائيل فكانوا على وشك أن يقتلوه لولا أن تعلقت به زوجة فرعون وترجتهم أن يتركوه.

5 ـ ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13))

عاشت الأم فى قلق على ابنها الوليد وتابوته يشق النيل، وطلبت من إخته أن تقُصّ أثره وان تتعرف على خبره ، وهذا يستلزم حنكة حتى لا تثير حولها الشبهات ، وتمكنت الأخت من رؤيته دون أن يشعر بها أحد . وظلت الأخت تتسمع أخباره فى حذر ، حتى علمت أن موسى يرفض إلتقام ثدى أى مرضعة ، وبالتالى يظل جائعا صارخا مما سبب حيرة وقلقا لزوجة فرعون ، وكل مرضعة يؤتى بها فلا يلتقم ثديها . ومن المنتظر أن كثيرات من المرضعات تقدمن لنيل هذه الوظيفة ، ورفضهن موسى ، لذا كان سهلا أن تأتى الأخت وتقترح عليهم مرضعة تقوم بكفالة الطفل وإرضاعه . وبهذا تحقق الوعد ورجع موسى لأحضان أمه .  فى الآيات أشخاص بين السطور، منهم من رأى التابوت ومنهم من حمل نبأه الى القصر ومنهم من حمل الطفل الى القصر ، ومنهم الحراس والعيون الذين كانت تتحاشاهم أخت موسى ، ومنهم المراضع اللواتى رفضهن موسى . وربما تكلمت أخت موسى مع بعضهن ومع أخريات من العاملات فى القصر الفرعونى . هنا الشعب المصرى ( الحاضر الغائب ) فى مملكة الاستبداد والتعذيب الفرعونى . شعب عامل ولكن لا صوت له .

6 ـ ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)) .

بعد إكتمال الرضاعة عاد الطفل موسى لقصر الفرعون تربيه زوجة الفرعون التى إتخذته ولدا . وفى القصر الفرعونى بلغ موسى أشُدّه ، وصار نبيا آتاه الله جل وعلا الحكم والعلم فقد كان فى عمله وتصرفاته من المحسنين فى عُقر القصر الفرعونى .

7 ـ (  وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) ).

 نتصور موسى قد أوتى من الله جل وعلا العلم بأسلافه الأنبياء ( ابراهيم واسحق ويعقوب ويوسف ) وأنه أصبح على علم بمعاناة قومه بنى اسرائيل ، وأنه إعتبر فرعون عدوا له مع أنه يعيش فى القصر الفرعونى . فى قصر الارهاب هذا نتصور موسى خائفا بسبب ما يعلم ، برغم أنه كان إبنا لزوجة فرعون وأميرا فرعونيا . وبالتالى كانت لا تفارقه الحراسة . وبجنود حراسته كان يدخل العاصمة يتجول فيها ، ولم يكن على راحته وحريته لأن الجنود جواسيس عليه . لذا دخل المدينة ( على حين غفلة من أهلها ) أى بدون أن ينتبه الحراس والعيون . وتجول فيها وحده . فوجد فيها رجلين يقتتلان ، عرف أن واحدا منهما ينتمى الى الملأ ، والآخر هو من بنى اسرائيل . ونتصور أن موسى عرفه من سيماء الذل والقهر البادية عليه وهو يتلقى الضربات من خصمه المعتدى ، ولا ريب أن هناك ناس كانوا يشاهدون هذه المشاجرة دون أن يجرؤ أحدهم على التدخل لانقاذ الرجل الذى يدافع عن نفسه . رأى هذا الرجل نظرة تعاطف من موسى فإستغاث به ، فإندفع موسى نحو المعتدى فضربه فقتله ـ دون أن يقصد . استغفر ربه جل وعلا معترفا بذنبه . نفهم من هذا أن الرجل من الملأ الفرعونى لم يكن قويا بالدرجة الكافية ، كان فقط صاحب نفوذ ، وإستخدم نفوذه وهيبته فى الاستطالة على واحد من المستضعفين محميا بدولة التعذيب المصرية التى تبيح للأسياد تعذيب العبيد فى الشارع وضرب الناس بلا سبب لمجرد إستعراض القوة والهيمنة . وهذا يحدث الآن فى مصر . لم يكن هذا الرجل قويا بجسمه بل بنفوذه ، وفقد حياته من مجرد ( وكزة ) . المشاهدون إنبهروا بموسى وتعرفوا اليه وعرّفهم بنفسه ، وعرفه الرجل الاسرائيلى المُعتدى عليه . ولا ريب أن الجمع قد إنفضّ سريعا تاركين جثة الرجل من الملأ الفرعونى تفترش الطريق . فى هذا المشهد رجل من الملأ الفرعونى وآخر من بنى اسرائيل ، ومجموعة مشاهدين .

 8 ـ ( فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ (19) ).

فى الصباح التالى عاد موسى الى المدينة خائفا يترقب ويتسمّع الأخبار عن موقف الملأ من قتيل الأمس ، وهل تعرفوا على القاتل أم لا . وفى تجواله رأى نفس الرجل الاسرائيلى يتلقى علقة أخرى من شخص آخر من الملأ . رأى موسى فإستغاث به . قال له موسى ( إنك لغوى مبين ) ، أى بالتعبير المصرى ( إنت سبب المصائب ). تدخل ليبطش بالفرد المعتدى فخاف الاسرائيلى أن يبطش به موسى فصاح مرتعبا : أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ (19) ). بهذا إنكشف الأمر وأصبح معلوما أن موسى هو قاتل الفرد الآخر.  

9 ـ ( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)).

وصل الخبر سريعا الى الملأ ، فقرروا قتل موسى . ليس قتلا علنيا تعلم به زوجة فرعون التى تبنّت موسى ، ولكن قتله بمكيدة بعيدة عن القصر الفرعونى . وهذا ملمح أساس فى دولة الاستبداد الفرعونى ، أن يتصرف الملأ ـ بتعدد درجاته وطوائفه ـ بما يحلو له من قتل وخطف وإختفاء قسرى وسلب ونهب ، ولا ضير فى ذلك طالما كان الضحايا من العبيد ، إما إذا كانوا من الأسياد فلا بد من تدبير . الملف للنظر هنا أن الذى أخبر موسى بالمكيدة وحذره ونصحه بالهرب كان رجلا من ( أقصى المدينة ). أى كان مصريا يعيش على أطراف المدينة ، بالتالى ليس من الملأ ، بل كان كارها لظلم الملأ ، وعالما بما فعله موسى ويرى أن موسى كان على الحق بقتله لهذا الرجل ، كما يرى أن موسى ليس مستحقا للعقاب . سمع بتآمرهم فجاء مسرعا يخبر ويحذّر موسى . هو مصرى صاحب ضمير خاطر بحياته لينصح موسى . لذا جاء وصفه ب ( الرجل ) بمعنى الرجولة . خرج موسى من العاصمة متسللا خائفا يدعو ربه جل وعلا أن ينجيه من القوم الظالمين .

10 ـ  (  فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25 )).

 إتجه شرقا الى الصحراء ، ووصل عين ماء لمدين ، ومعروف ما جاء بعدها من أنه سقى لفتاتين ثم دُعى لمقابلة ابيهما :  نتوقف هنا مع ( خوف موسى ). ظل يحمل خوفه حتى قابل هذا الرجل الذى قال له ( لا تخف ، نجوت من القوم الظالمين ). موسى نشأ فى القصر الفرعونى ، وهو لا ينتمى الى صاحب القصر ، وعرف إرهاب فرعون . رضع من أمه لبن الخوف ، وعاش فى رُعب من الارهاب الفرعونى . وموسى عليه السلام يتردد فى قصته فى القرآن مصطلح ( الخوف ) بما يعكس حجم الارهاب الفرعونى .

11 ـ  ( اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنْ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) ). فى رجوعه لمصر مع زوجته نزل عليه الوحى بأن يتوجه الى الفرعون وملئه بما معه من آيتى العصا واليد، وكان رده خائفا . هنا يذكر أن الرجل المقتول كان من الملأ . فالملأ درجات ، منهم الملأ الأكبر فى القصور والمعسكرات ومنهم الملأ الذى يجوب الشوارع والطرقات . وهذا القتيل كان من الملأ الأقل شأنا . ( يعنى كان ملازم أول شرطة أو جيش مثلا ) . ولكن الاعتداء عليه هو تدمير لهيبة الحُكم أو لمكانة الأسياد ، لذا إتخذ الملأ العامل فى الشارع قرار بقتل موسى بمكيدة حتى لا يتعرض للمساءلة من زوجة الفرعون . على ان موسى أعلن أمام ربه جل وعلا فى خوفه من الملأ ( كبيرهم وصغيرهم ) فجاءه الوعد الالهى أن سطوة هذا الملأ لن تصل اليه ولا الى أخيه هارون .

12 ( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنْ الْمَقْبُوحِينَ (42) القصص ) .

رفض فرعون وقومه دعوة موسى ، بل تطرف فرعون فى الكفر وإستكبر هو وجنوده وقومه فانتهى بهم الأمر غرقا . فرعون وجنوده وعسكره وقواته الأمنية ودولته العميقة جعلهم الله جل وعلا أئمة لكل مستبد مستكبر لا يؤمن بيوم الحساب .

أخيرا : ولهذا تكرر القصص القرآنى عن فرعون وقومه حتى يتعظ المحمديون . وما إتعظ المحمديون . والدليل أن المستبد الحالى فى مصر يكرّر منهج فرعون فى الحكم . يكون شخصا عاديا فإذا وضع مؤخرته على كرسى الحكم فى مصر تلبسته الفرعونية ، ونسى وضعه السابق حين كان نسيا منسيا . قد تكون هناك مادة شيطانية فى كرسى الحكم المصرى تتسلل الى مؤخرة الحاكم فتجعله يتفرعن الى أن يسقط ، ثم يأتى من بعده فلا يتعظ بما حدث .

اجمالي القراءات 5761