لماذا يكذب المحمديون ؟
أولا : فى أمريكا :
1 ـ عندما جئت لأمريكا أدهشنى تعود الأمريكيين على قول الصراحة . واحيانا مع بعض الدبلوماسية فى الخطاب التى تخفف من حدة ووقع الصدق . بمجرد أن تتعرف لأحدهم وتتجاذب معه أطراف الحديث حتى يتكلم معك عن بعض أموره الخاصة بتلقائية وتدفق ، ودون حرج او شعور بالنقص أو العار. هى حياته التى يملكها ، وتلك هى إختياراته التى شاءها وهو مسؤول عنها . لا نفاق ولا مزاعم ولا تعامل بالوجهين ولا إزدواج فى المعايير ولا تقديس للرؤساء والزعماء.
2 ـ لا يخلو الأمريكيين من النقائص ـ شأن كل البشر ـ ولكن تعودهم على قول الصدق أذهلنى . الكذب جريمة إجتماعية وأيضا جريمة قانونية فى المحاكم . والرئيس الذى يضبط متلبسا فى شهادته قد يتعرض للمحاكمة . وفى غيرها يفقد الاعتبار كما يحدث الان مع الرئيس الحالى الذى يتعرض لهجوم إعلامى غير مسبوق .
3 ـ أول حفيدة لى ( ثريا الشريف أحمد صبحى منصور ) عمرها عام ونصف العام تقريبا ، وبدأت فى الكلام ـ بالعربية والانجليزية والفارسية ـ ووالدتها د . نيجار الايرانية الأصل تعلمها بالطريقة الأمريكية ، تعلمها أن تعبر عن نفسها بصراحة تقول (no ) ، وعندما نضايقها تقول بالانجليزية (Stop ) معترضة ، وتقولها بالعربية : ( خلاص ) ، كما تعلّمها الكلمات الأمريكية الذهبية : ( شكرا ) لمن يعطيها شيئا ، و( من فضلك ) عندما تسأل شيئا . و( آسف ) عندما تخطىء . وهذه هى الكلمات الرئيسة فى التعامل ، والتى يبدأ الطفل الأمريكى فى تعلمها . هذا لا يعنى أن الكذب غير موجود على الاطلاق فى امريكا . هو موجود ولكنه يُفقد صاحبه الاعتبار والاحترام .
4ـ الملوك فى أمريكا هم الأطفال والنساء والحيوانات الأليفة .! يتعلم الطفل الأمريكى الصدق من الديمقراطية التى يتشربها فى البيت وفى المدرسة . بالديمقراطية يتعاملون مع الطفل على أنه إنسان له إحترامه وعليهم رعايته فى نفس الوقت . يجب تعليمه كل شىء ، ويجب الاجابة على أسئلته بكل إهتمام ، وإحترام حريته الى الحدّ الذى يجعله يسىء هذه الحرية عندما يبلغ مرحلة المراهقة . ولكنه يتعلم فى مراهقته أن القانون لا يرحم ، إذ يؤاخذ بأخطائه وجرائمه ، مع الأخذ فى الإعتبار مراعاة التخفيف فى العقوبة فى المرة الأولى وإعطائه فرصة للإصلاح . وحتى فى وقوعه فى جرائم اخلاقية وغيرها فهو ـ فى الأغلب ـ لا يكذب . وبقليل من الاستجواب يعترف . وهنا فالضرب فى البيت وفى المدرسة ممنوع . وبالطبع فالتعذيب جريمة منكرة . وقد تقع تجاوزات ، وما سجن ( أبو غريب ) عنا ببعيد ، مع أنه لاشىء مقارنة بسجن المزة فى سوريا وسجن العقرب فى مصر وسجن الحائر فى السعودية . وظيفة الشرطة الأمريكية أن تحمى وأن تخدم المجتمع : ( To save and protect) ، وتقع منهم تجاوزات يبرزها الاعلام الحُرُّ . ويكون العقاب لهم رادعا .
5 ـ يتعلم الأمريكى الصدق أيضا من نظام العدالة فى بلده . قبل القبض على المتهم لا بد من أن يعرّفه الشرطى بحقوقه ، وهى أنه برىء الى أن تثبت جريمته، ومن حقه ألا يتكلم إلا فى حضور محامى عنه ، وأن لم يتمكن من إستئجار محامى فعلى المحكمة أن تعين له محاميا . وفى الاستجواب للمتهم بحضور المحامى يتم تصوير كل شىء ، ويتم الإفراج عنه عندما لا تكون الأدلة كافية ضده ، وإلا كانت فضيحة للبوليس ووكيل النيابة فى المحكمة . وعند الاعتراف أو أن تكون الأدلة دامغة يخرج بكفالة الى أن تحين محاكمته ، فليس هنا حبس إحتياطى ، تلك العقوبة الظالمة التى يتفنّن بها المستبد الشرقى فى تعذيب الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة ، ولا توجد هنا عقوبة الاختفاء القسرى المصرية التى بها بتم إلقاء الأبرياء فى سجون سرية . وفى المحاكمة يكون دور القاضى هو إدارة الجلسة ، ويكون للمحلفين الحكم على المتهم بعد سماع دفاع المتهم ودفاع وكيل النيابة ، وهما يتباريان فى إقناع المحلفين ، وهؤلاء المحلفون يمثلون المنطقة التى تتبعها المحكمة ، وهم يتم إختيارهم دوريا من بين المواطنين فى المنطقة ، ويجب على من يقع عليه الإختيار الحضور ، وإلا إتهموه بجريمة إحتقار المحكمة . ويتم إستعراض المحلفين المُختارين وسؤالهم أمام القاضى ، ولا بد أن يوافق عليهم المحامى ووكيل النيابة ، ثم يتم عزلهم وتفرغهم لحضور الجلسات وأن يجلسوا معا بعد كل جلسة لمناقشة ما يدور فيها ، وفى النهاية يأخذون القرار بالإدانة أو البراءة . إذا كان الحكم بالبراءة يتم إطلاق المتهم فورا ، إن كان بالإدانة يقوم القاضى بالحكم بالعقوبة المناسبة . وطبعا هناك درجات للإستئناف وللمراجعة ، ثم فى السجن توجد فرصة للإفراج مع إلتزام الشروط . النظام القضائى فى أمريكا لا يخلو من ثغرات كما لا يخلو من تجاوزات من الشرطة والمحامين ووكلاء النيابة وفى السجون ، إلا إن الشىء الإيجابى هنا أن رئيس البوليس هو بالانتخاب ، وايضا رئيس النيابة . وتحت إمرتهم يوجد المحترفون العاملون بالشرطة والنيابة. هذا النظام القضائى ـ الذى لا يبلغ درجة الكمال ــ هو الذى يتعلم منه الفرد الأمريكى أن يكون صادقا . يكفى تعانق العدل الأمريكى مع الديمقراطية الأمريكية وحرية الإعلام وحرية الدين وحرية التعبير ، بحيث يكون للفرد الأمريكى أن يقول ما يشاء سبّا ونقدا لأى مسئول من الرئيس الى عضو الكونجرس الى غيره ، فطالما يعمل الأمريكى فى المجال العام خادما للشعب فعليه أن يتحمل ما يقال عنه . أما الفرد العادى فله حصانة بحيث لو تعرض للسّبّ أو الشتم أو الاتهام علنا من أى شخص ـ حتى رئيس الدولة ـ فله أن يعود عليه بقضية سبّ وشتم وتعويض وعقاب . لا يوجد فى أمريكا من هو فوق القانون .
6 ـ تعرضت هذه القيم الأمريكية الى إختبار عنيف بعد أحداث سبتمبر 2001 . قبلها لم تكن التأشيرة لأمريكا صعبة ، كانت متاحة بلا عناء كبير لمواطنى الشرق الأوسط . وأعرف رجلا أردنيا إعتاد أن يأتى لأمريكا بتأشيرة ويمكث فيها يعمل عامين واكثر يكسر فيها التأشيرة سواء فى إنقضاء المدة أو انه يعمل بلا تصريح . ويعود للأردن ، وبعد شهرين يحصل مرة أخرى على التأشيرة . نصحته عام 2001 أن يحصل على وضع قانونى عن طريق الشركة التى يعمل بها ، فقال إن الأمر سيكلفه أجر المحامى ، وليست لديه مشكلة فى الرجوع والعودة . كانت المفاجأة أن الارهابى محمد عطا قائد العملية الارهابية عام 201 كان قد قدّم من قبل اوراقه للحصول على الجرين كارد ( الإقامة الدائمة ) ، وبعد شهور من جريمته ومقتله أعطته إدرارة الهجرة الجرين كارد تلقائيا . إنتقد الرئيس بوش هذا علنا وأمر بمرجعة وإصلاح مؤسسة الهجرة وإلحاقها بالوزارة الجديدة ( وزارة الأمن الوطنى ) وبدأت مراجعة العرب المقيمين فى أمريكا بطريقة غير قانونية . ونشط العرب فى امريكا فى الابلاغ عن بعضهم البعض ، وقبضوا على صديقى الأردنى ، وأحيل الى المحكمة بتهمة تجاوز المدة المحددة فى التأشيرة . قبلها كان يداوم على الحضور فى مسجد دار الهجرة السُنّى الوهابى المتطرف يخدمهم ويساعدهم مجانا ، ويعرفه القائمون على هذا المسجد . إحتاج وهو فى الحبس الى من يدفع له الكفالة ولم يكن يملكها، وقد إستأجرت له المحكمة محاميا . ذهب أصدقاؤه الى مسجد دار الهجرة فرفض القائمون على المسجد دفع الكفالة له وهم يعلمون أنها ستعود لهم . ظل المسكين رهن الحبس إلى أن جاء قريب له من ولاية بعيدة ودفع له الكفالة . وتعاطفت معه المحكمة ومنحه القاضى الجرين كارد ، وسافر الى الأردن ثم عاد ـ كالعادة .
7 ـ العرب والمحمديون فى أمريكا سُمعتهم سيئة وهم متفرقون وأخوة متشاكسون ، وشهرتهم بالكذب لا مثيل لها . وهم يفضلون أن يعملوا لدى الأمريكيين،ولا يعمل بعضهم عند بعض إلا مضطرين . والويل لمن لا تكون معه إقامة شرعية ، يضطر الى العمل عند عربى ويتعرض لأكل حقوقه ، ولا يستطيع الشكوى .
أخيرا : فى بلاد المحمديين :
1 ـ العربى عاش فى بيئة إستبدادية تراثية ، وهو يحمى نفسه من شرور النظام الاستبدادى بالكذب . والكذب تأصّل حتى أصبح عادة لا تستوجب الانكار . الأب يقول لابنه يناديه ( خُذ ) يعنى تعال . هنا كذب ، فهو مجرد نداء له بالقدوم ، ولكنه يقول له ( خُذ ) أى مفترض أن يعطيه شيئا. وهذا كذب تم العود عليه .
2 ـ المستبد العربى لا يكذب أبدا إلا عندما يتكلم . وهو فى فجوره بالكذب لا يعرف الحدود ولا القيود . يكذب مبتسما هادئا لأنه يخاطب شعبا يحتقره ، بدليل أنه مع توقيعه على المواثيق الدولية لحقوق الانسان والمعمول بها فى الغرب فإنه يرى أنه يحكم شعبا من المواشى لا ينتمون الى جنس ( الانسان ).! ثم إنه ـ ذلك المستبد ـ إله فوق المساءلة وفوق القانون . وإذا كان الله جل وعلا يرحم فهو لا يرحم. وإذا كان الله جل وعلا يصفح ويغفر فهو لا يصفح ولا يعفر . مع ذلك فهو يملك الأرض وما عليها ومن عليها ، والشعب ( رعية ) له ، وهو ( الراعى ) المالك لهذه الرعية ، ولانها رعيته التى يملكها فله أن يفعل بها ما يشاء. وهناك فتوى سُنية يتفق عليها الشيعة والٍسُّنّة والصوفية ، وهى أن من حق (الامام ) أى الحاكم المتغلب أو وارث الحكم بالدين ( الأرضى ) : ( أن يقتل ثُلُث الرعية لإصلاح الثُلُثين ) ، يعنى إذا كان الشعب ( الرعية ) ستين مليونا فمن حقه قتل عشرين مليونا منهم ويبقى له من رعيته أربعون مليونا ، ثم من حقه أن يقتل ثُلُثهم ، وهكذا. والأمر متروك لتقديره ، يقتل من يشاء ويستبقى من يشاء ، شأن الراعى مع رعيته من المواشى والماعز والأغنام . هذه ثقافة الاستبداد الى أرساها ـ قرونا ـ الدين الملّاكى للمحمدين من السُّنّة الى الشيعة والتصوف، والتى يطبقها حتى الان مستبدو إيران وباكستان والشرق ( الأتعس ). ولذا يساعد الكهنوت المستبد فى إحتكار الثروة والسلطة ، أو أن يتولى الكهنوت الحكم بنفسه وفق ولاية الفقيه كما يحدث فى ايران ، وكما يؤمن الاخوان المسلمون .
3 ـ فى نظام الاستبداد هذا يكون الفرد البرىء متهما بدون الحاجة الى إثبات . يكفى أن يصدر ضابط الشرطة أو وكيل النيابة قرارا باتهامه ، ثم يتعرض روتينيا للتعذيب ليعترف بأنه الذى قتل عمر بن الخطاب وأنه الذى إغتال كينيدى ويوليوس قيصر والمهاتما غادى فى وقت واحد . وقد لا يحتاج الأمر الى عناء المحاكمة ، فالقبور السرية تفتح أفواهها فى الصحراء ، وهى بدون قاع تحتضن الضحايا . !
4 ـ الفرد فى هذا الشعب الأعزل المقهور يدافع عن حياته وبقائه بالكذب . وهو معذور . ليس فقط بسبب الظلم الأعمى الذى يتوقعه كل وقت ولكن لأنه ايضا يأكل الكذب ويشربه و يتجرعه ويسيغه وتتشربه مسام قلبه وجلده . هو يسمع الكذب فى الإعلام وفى المساجد وفى التعليم ، يتنفس الكذب صباح مساء . وهو يعرف إنه إن قال الصّدق تعرض للسجن والتعذيب والإهانة .
5 ـ الله جل وصف هذه المجتمعات بأنه يسيطر عليها أكابر المجرمين ( الأنعام 123) والمترفون الذين يتسببون فى دمارها وخرابها ( الاسراء 16 ) والذين يعبدون الثوابت التى وجدوا عليه آسلافهم ( الزخرف 23 ) والذين هم فى كل الأحوال يكفرون بالقرآن الكريم .
6 ـ لهذا تتقدم الدول الديمقراطية بأطفال أحرار يتعلمون الصدق وتحمل المسئولية، بينما تتخلّف دول الاستبداد بأطفال يعيشون فى خوف ويحمون أنفسهم بالكذب وتملق المستبد ونفاقه ، يلعنونه سرأ ويقدسونه جهرا . هم يخسرون الدنيا والآخرة .! .