اللعن فى آلية التعذيب : القريبون ... والملعونون المُبعدون

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٢ - مايو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

اللعن فى آلية التعذيب : القريبون ... والملعونون المُبعدون

مقدمة :

1 ـ  لنتذكر أننا ندعو الله جل وعلا أن يهدينا الصراط المستقيم ، ليس صراط المغضوب عليهم ولا الضالين الملعونين المطرودين من رحمة مالك يوم الدين  يوم الدين .  

2 ـ اللعن يوم القيامة هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله يوم الدين . بالتالى نتصور أنه كلما كان الناس قريبين من الله جل وعلا يوم القيامة كانوا داخلين فى رحمته ، وإذا كانوا بعيدين عنه كانوا فى عذابه . ولكى يكون الفرد قريبا من ربه لا بد أن يقترب فى حياته الدنيا من ربه بالايمان والعمل الصالح  بالتقوى ، أى يكون سابقا ومُسارعا فى الطاعة . بدون ذلك يكون قد وضع نفسه فى عذاب النار ، بعيدا ( ملعونا ) عن ربه جل وعلا . ونعطى بعض التفصيلات :

أولا : أصحاب الجنة وأصحاب النار

1 ـ فى سورة الواقعة تقسيم للناس الى ثلاثة أقسام : السابقون واصحاب اليمين ، وهما فى الجنة ، ثم أصحاب المشأمة أو أصحاب الشمال ، وهم أهل النار ، قال جل وعلا : ( وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) الواقعة ).

2 ـ اصحاب المشأمة هم الملعونون المطرودون من رحمة الرحمن الرحيم . يتم وضع سور بينهم وبين اصحاب الجنة . باطنه الذى يلى أصحاب الجنة فيه الرحمة ، وظاهرة الذى يلى أصحاب النار فيه العذاب ، قال جل وعلا : (ً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)الحديد:13 ) . وبهذا يتم حجبهم عن رحمة الرحمن الرحيم . قال جل وعلا فى وصفهم وفى وضعهم : ( كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ (16) المطففين ) .

ثانيا : الملعونون فى الأسفل ، واهل الجنة فى الأعلى

1 ـ يأتى وصف الجنة بالعلو ، قال جل وعلا عن أصحابها : ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) الحاقة ) ، وقال أيضا : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) الغاشية ). وقال عن كتاب أعمالهم :  ( كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) المطففين ). أى هم فى الأعلى .

2 ـ وفى داخل هذا ( العُلُوّ ) درجات بناء على علمه جل وعلا بأعمالهم ، قال جل وعلا :( يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) المجادلة)، وقال جل وعلا أيضا : ( وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلا (75) طه ).  

3 ـ وبناء على هذا التدرج يكون التقسيم لآهل الجنة من سابقين مقربين ومن أصحاب اليمين . ويكون السابقون هم المقربين أى الأقرب من غيرهم للرحمن جل وعلا ، ثم يليهم اصحاب اليمين ، ثم السور الفاصل وفيه الملعونون المحجوبون عن ربهم ، بسبب ما ( ران ) أو تراكم على قلوبهم من عصيان وكفران ، قال جل وعلا : ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) المطففين). ماتوا وقد صدئت قلوبهم بالكفر والعصيان، فأصبحوا بها يوم القيامة محجوبين عن رحمة الرحمن الرحيم جل وعلا . وهذا ما فعلوه بأنفسهم ، وما ظلمهم الله جل وعلا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .

أخيرا : المقصد الوعظى هنا :

1 ـ بإمكانك أن تصدر قرارا بأن تكون من المقربين ، وأن تكون فعلا يوم القيامة من السابقين المقربين . عليك فقط أن تسارع فى الخيرات وأن تتسابق فى الطاعات. قال جل وعلا : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران ). هنا المسارعة بالعمل الصالح والايمان الخالص برب العزة جل وعلا لا إله إلا هو . أى المسارعة بالتقوى لتستحق أن تكون من المتقين فلا يدخل الجنة إلا المتقون . ( المسارعة ) تعنى ( الزمن ) أى تسارع قبل أن يأتيك الأجل ، هذا يعنى العمل اليومى بالطاعة ، من الصلاة والصدقة وذكر الله جل وعلا والصيام والحج للمستطيع ، وسائر عمل الخيرات . كل زمن يمضى يتم تحميله بعملك ، ولا يمكن أن تسترجع زمنا فات ، لذا لا بد أن تسارع بتحميل زمنك بالطاعة، وإذا عصيت فلا بد أن تسارع بالتوبة . هذا معنى المسارعة الى المغفرة .

وقال جل وعلا : ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) الحديد ). ( سابقوا ) هنا بالعمل ، أى تتسابق مع غيرك ليس فى اللهو واللعب والعصيان ، بل فى الحصول على الغفران .

2 ـ لكى تكون يوم القيامة من ( المقربين ) لا بد أن ( تقترب ) من ربك بالتقوى ، قال جل وعلا :  ( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) سبأ )، ( زُلفى ) يعنى قربى . الله جل وعلا لا يتقبل الأثرياء وأصحاب الجاه ، لقد قال رب العزة جل وعلا عن تقديم الهدى فى الحج : ( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ (37) الحج ). إنه جل وعلا يقبل منك التقوى بالإيمان والعمل الصالح . وبالتقوى تكون من أهل الجنة . وقال جل وعلا عن بعض المؤمنين الذين ( يتقربون ) الى الله جل وعلا بالطاعات : (وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) التوبة ) . بهذا التقرب من الله جل وعلا فى حياتهم الدنيا سيكونون داخلين فى رحمته . وعندما تسجد لربك تكون قريبا من ربك جل وعلا ، قال جل وعلا لخاتم الأنبياء : ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) العلق ). هذا إذا كنت خاشعا فى سجودك .!

3 ـ معظم المحمديين يعبدون الوسائط ، يتوسلون بالقبور المقدسة وبمن يجعلونهم أولياء ذوى صفات إلاهية . هم فى عقيدتهم يجعلون رب العزة بعيدا عنهم ، أى يباعدون ما بينهم وبين ربهم جل وعلا ، أى يجعلون أنفسهم ( ملعونين ) بعيدين عنه جل وعلا . هذا مع أنه جل وعلا قريب منك بحيث لا تحتاج الى واسطة أو كهنوت ، بمجرد أن تسأله جل وعلا يكون قريبا منك ، قال جل وعلا : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة )، لم يقل ( وإذا سألك عبادى عنى فقل لهم إنى قريب ) ليس هنا ( قل ) لمنع الواسطة تماما . إنه جل وعلا أقرب اليك من حبل الوريد، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) ق )، وهو جل وعلا الأقرب اليك حتى آخر لحظات حياتك ، عند الاحتضار،قال جل وعلا : ( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) الواقعة ) . ومن هنا كان ( القريب ) من أسمائه الحسنى جل وعلا  : ( إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) هود ) ( إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) سبأ )

4 ـ بإمكانك أيضا أن تضل وتعصى وتطغى ، بإمكانك أن تقرر مباشرة أو ضمنا أن تكون من أهل النار . وهذا ما يحدث من الأغلبية الساحقة من البشر . فى حياتهم الدنيا يعتادون العصيان ويبررونه ، وبعضهم يجعله دينا ، وهم يحسبون أنهم مهتدون وأنهم يحسنون صنعا ، قال عنهم جل وعلا : (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلالَةُ إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) الاعراف ) (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106 ) الكهف ) .

 ويأتى يوم القيامة وقد تغطى قلبه بسواد أعماله ، فلا يجد له مكانا فى رحمة الرحمن الرحيم .

5 ـ والله جل وعلا لا يخلف الميعاد ، وهو جل وعلا ليس منحازا لأحد . ولقد وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالجنة ، كما وعد الذين كفروا وعملوا السيئات بالنار . قال جل وعلا : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) المائدة  )

6 ـ والمحمديون يحفظون الفاتحة عن ظهر قلب ، ومنهم من يؤدى الصلاة ، ويقرأ فيها الفاتحة فى كل ركعة ، ويقول لاهيا ( إهدنا الصراط المستقيم ) ، وقد يقولها وهو منشغل بالتفكير فى معصية ، ثم إذا خرج من صلاته عاد الى معصيته . أى يقول ( إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) وهو بما يرتكبه من المغضوب عليهم الضالين . بل بعضهم يتخذ من صلاته ــ الحركية الخالية من الخشوع ــ وسيلة للعصيان ، فطالما يؤدى حركات ) الصلاة ، فما عليه بعدها مهما إرتكب من عصيان ومن طغيان . وهذا هو المعتاد من المتدينين بالدين أرضى . تراهم ركعا سجدا ، وتراهم أيضا أفسد الناس ، إذ قد حصل هلى مُبتغاه ، وهو سيماء الصلاة فى وجهه ، وأصبح مشهورا بين الناس بأنه ( متدين ) ويصبح تدينه هذا وسيلته للتميز ويحصل على التقدير بين الناس ، وبعدها  قد يتسيد ويتسلط على الغير بصلاته هذه .!.

هؤلاء ـ إن ماتوا بهذا ـ فهم ملعونون يوم القيامة وسيكونون عن رحمة ربهم محجوبين .

اجمالي القراءات 5459