محمد أبوالغيط يكتب عن الشهداء المنسيين: الفقرا أولا يا ولاد الكلب

في السبت ١٨ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

محمد أبوالغيط يكتب عن الشهداء المنسيين: الفقرا أولا يا ولاد الكلب

elbadil | June 17, 2011 | التصنيف : الرئيسية, مجتمع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ما هو أول ما يتبادر إلى ذهنك عندما ترى هذه الصورة؟

المعتاد هو انهمار  سيل من تعليقات السخرية  من قبيل “مين كنج الرومانسية ده؟” “مين البرنس ملك السرس؟” .. والكثيرين جدا منا في الفيس قد رأو صورة (قصة حب شعبان وصباح) إياها بكل ما تستدعيه دائماً من افيهات، بل إن هناك الآن صفحات مخصصة للضحك على صور وأفعال هؤلاء العالم البيئة السرسجية مثل هذه الصفحة التي تجاوز عدد أعضائها الـ 23 ألف:http://www.facebook.com/sersg.gya?sk=info

المفاجأة اللطيفة المختلفة قليلاً هذه المرة أن صاحب هذه الصورة، كنج الرومانسية، البرنس ملك السرس هو  الشهيد محمد عبدالحميد برصاص الشرطة يوم جمعة الغضب عند قسم الزاوية الحمراء!

كنت أذكر نفسي وأبقي شعلة الحقد المقدس مشتعلة في قلبي بالمرور على صور الشهداء عندما لفت نظري أن نسبة كبيرة فعلاً منهم هم من (العيال السرسجية)، الشباب أبناء المناطق الشعبية والعشوائية الفقيرة الذين الذين تكشفهم ملابسهم الرخيصة ومحاولاتهم للتأنق أو ادعاء الرومانسية بنظرات متأملة متشبهين بمن يرونهم في التلفزيون أو  في شوارع المناطق الأرقى .. فلنشاهد معاً:

 

الشهيد احمد محمد سيد

19 سنة – وحيد أبويه على أربع بنات

هذا هو ما كتبه أحد معارفه تحت صورته: (امه حزينه ولكل ينتظر قضاء ربنا لانها تسارع الموت وهى امنيتها الوحيده بانها تشوف صورت ابنها فى التلفزيون واليوم كان فى تكريم للشهداء فى بنى سويف وذهب ابوه وهو سعيد لانهم هيكرمو ابنه قالوا ليه اسم ابنك مش معانا لاتتخيلو الصدمه والبكاء واخذا يصرخ دم ابنى راح هدر

ارجو الاهتمام لان اسره هذا الشاب فقيره جداجدا ولكن هى لاتريد غير ان يكرمو ابنهم والناس تقول بانه دافع علشانه بروحه هذا هو مطلبهم الوحيد ارجو ان تساعونى)

 

شهداء شارع أبو سليمان – الاسكندرية

 

الشهيد سيد فرج مسعود – العائل الوحيد لأسرته

 

الشهيد سامح عبدالفتاح محمد

21 سنه – كليه تجاره جامعه عين شمس

قتل بالرصاص أثناء محاولته انقاذ أحد المصابين أمام قسم الحدائق

 

الشهيد محمود حلمى

27 سنة – الأسكندرية – خطب قبل الثورة بشهر وكان من المقرر أن يتزوج في مايو – استشهد في ميدان المنشية برصاصة في الرأس

 

الزوج وزوجته استشهدا في مركز الواسطى بمحافظة بني سويف تاركين ثلاثة أيتام

الشهيد محمود على حجاب الشويحى

23 سنة – الأسكندرية – خريج معهد ايطالى لعلوم الحاسب الالى

استشهد يوم جمعة الغضب برصاصة في الرأس

 

 

الشهيد محمد نيازي – 16 سنة – الكوم الأحمر

 

 

الشهيد محمود خليل

23 سنة – 10عنوانه: حارة ابو زيد متفرع من شارع الصبان بالشرابية

اصيب بطلقتين يوم الجمعة 28 وتم العثور عليه بعد 3 اسابيع

 

 

 

الشهيد إمام كمال محمد عبد الله

أسرته فقيرة جداً ووالده متوفي وهو عائل أمه واخواته

العنوان: 2 شارع أحمد الصاوي -جزيرة دار السلام-القاهره

 

عبد الرحمن كمال فتحي

الشهيد إبراهيم سمير سعدون

 

لماذا لا نرى أبداً صور أي واحد من هؤلاء وأمثالهم؟

لماذا لا يتم التركيز أبداً عند الحديث عن (شباب الثورة) أو (شهداء الثورة) إلا على أمثالنا فئة شباب الطبقة المتوسطة/البرجوازية الصغيرة المتعلم الأنيق الذين خرج منهم شباب الائتلافات و6 أبريل؟

لماذا غاب عن تحقيق المصري اليوم التاريخي إياه الذي تحولت صور الشهداء الذين ظهروا فيه إلى أيقونات بصرية أي صورة لأحد هؤلاء؟ هل لأنهم (بيئة) أو (سرسجية) فلا يصح أن يكونوا من (الورد اللي فتح في جناين مصر)؟

على كل حال هم لم يهتموا طوال حياتهم بالورد، لأنهم اهتموا بالأهم: الخبز.

*****

إنا نُحِبُ الوَرد

لكنَّا نُحِبُ الخُبزَ أكثر

ونحبُ عِطْرَ الوَرد

لكن السَنَابلَ منهُ أطهَر

محمود درويش

*****

يستفزني دائماً ذلك الجدال السخيف الذي يدور من حين لآخر حول دور كل قوة سياسية أو تنظيم شبابي في الثورة، ولا بد من الشجار حول أهمية دور 6 أبريل وحول اليوم الذي بدأ الاخوان المشاركة فيه وهل حقاً تأخروا ثم ركبوا موجة الثورة، وما مدى دورهم يوم موقعة الجمل وهل لو غابوا لسقط الميدان وانتهت الثورة …الخ الخ، لكن لا يتحدث أحد تقريباً عن الدور الأهم وهو دور (العيال السرسجية) في حماية الثورة والتصدي لقوات الشرطة واحراق سياراتهم وأقسامهم خاصة يوم 28،مع أنه فعلاً ربما لولا هذا لما سقطت الداخلية في بضع ساعات!

للأسف لم أحضر جمعة الغضب في القاهرة كما كنت انتوي لاعتقالي وقتها، لكن ابن خالتي حكى لي شهادته عن ما حدث يومها، وبالتأكيد ما شاهده هو نموذج لما تكرر في كل مكان في مصر .. كان قد نزل للتظاهر السلمي المعتاد مع مجموعة محدودة من أصدقاءه، صلوا الجمعة في مسجد السيدة عائشة وبمجرد بدايتهم الهتاف انهالت عليهم قوات الأمن بالضرب وقنابل الغاز والرصاص و…. “وأنا وأصحابي جرينا ندور على حتة نستخبى فيها، والرصاص وقنابل الغاز دخلو بلكونات البيوت فلقينا الناس أهل المنطقة عمالين ييجو وهما بيهتفو (***** أمك .. يا مبارك) (حكومة وسخة .. يا ولاد الوسخة) و ( ولاد الـ ****** .. باطل)، وكل واحد نازل بسنجة ولا بمطوة واللي يطول عسكري أو ظابط يغزه، والستات من البيوت كل واحدة منزلة سبت، كنت فاكرهم بينزلو خل طلعو بينزلو قزايز غاز والعيال تعملها مولتوف وترمي على العربيات والعساكر، مفيش ساعتين تلاتة وكان كل العربيات ولعت والعساكر والظباط هربو والقسم اتحرق!”

صديق آخر من الجيزة حكى لي قصة مشابهة “…قلت أنا لازم أنزل النهاردة أضرَب وأضرِب، لقيت عيال المنطقة نازلين بعد الصلاه فنزلت معاهم طلعو عيال سيس أول ما العساكر يضربوهم وياخدو منهم كام واحد ويضربو قنابل الغاز يرجعو يجرو، شوية ولقيت عيال الطالبية – منطقة شعبية قريبة – جايين قلت بس هما دول .. الواد منهم يضرب الترامادول – أقراص مخدرة – وينط فوق المدرعة يجيب العسكري اللي فيها وينزل بيه! .. شوية وعرفو يسحبو العساكر على المنطقة عندهم وفي ثواني كانو حلقو عليهم من قدام وورا والعيال من فوق السطوح ترمي طوب ومولتوف، مفيش ساعة وكانت الداخلية كلها هربت والظباط قلعو هدومهم قبل ما يجرو ملط!”

ونفس المحتوى تقريباً حكاه د.محمد سليم العوا أمامي عن شباب شبرا الذين أتو بالعصي والمطاوي وكسر الرخام ليدافعوا عن مرافقيه من شباب مدينة نصر عند مدخل التحرير من ناحية فندق هيلتون رمسيس .. وهناك من حكى لي أيضاً عن أبناء شبرا والدويقة الذين شاركوا في الدفاع عن الميدان يوم موقعة الجمل.

هؤلاء لم يخرجوا ليطالبوا بالدستور – سواء كان أولاً أم آخراً – ولا بالانتخابات، لم يخرجوا لتكون مصر ليبرالية أو مدنية أو إسلامية أو مهلبية! .. خرجوا فقط للأسباب التي تلمس واقعهم .. أسعار الطعام والملابس والمساكن التي ترتفع بجنون، أمين الشرطة الذي يوقف ميكروباص أخيه ليسرق منه خمسين جنيهاً، الضابط الذي أخذه تحري وعذبه لأيام بلا ذنب، أخته التي لا يملك نقوداً (ليجهزها)، عمه الذي تم تسريحه معاش مبكر بعد خصخصة المصنع، ابن عمه الذي خسر كل شيء في أراضي شباب الخريجين التي مات فيها الزرع عطشاً بعد تفضيل أراضي الكبار، خالته التي ماتت بالسرطان ولم يجدوا لها سريراً في المستشفى الحكومي …الخ الخ الخ

في مشهد يلخص كل شيء في هذا الفيديو الذي يصور حرق قسم السيدة زينب – عند 5:50 -

http://www.youtube.com/watch?v=LxgI1Xnl0SQ

يطلب مصور الفيديو – الذي يبدو من صوته وأسلوب كلامه أنه من الطبقة المتوسطة المتعلمة – من أحد الشباب الذي يبدو أنه ابن المنطقة الشعبية أن “ياخد باله من ضرب النار” فكان رده التلقائي “عااااادي .. خلاص معادتش فارقة أموت ولا ماموتش” .. لم يقل له “كله يهون عشان مصر” أو “أموت شهيد فداء الاسلام” .. لا تنظير أو (كلام كبير) من أي نوع، ليس الوطن أو الدين أو حتى الكرامة .. فقط الشعور العدمي بأن حياته بهذا الوضع البائس لا تختلف كثيراً عن موته ..

هل كان يتصور أنه سيأتي يوم يقول فيه البعض أن عدم وضع الدستور أولاً هو خيانة لدماء الشهداء، ليرد عليهم فريق (الانتخابات أولاً) بأننا نحن أكثر من قدم الدماء والتضحيات دفاعاً عن الثورة؟!

*****

الحق أقول لكم:

لا حق لحى إن ضاعت

فى الأرض حقوق الأموات

لاحق لميت إن يهتك

عرض الكلمات !

وإذا كان عذاب الموتى

أصبح سلعة

أو أحجبه أو أيقونه

أو إعلانا أو نيشانا

فعلى العصر اللعنة،

والطوفان قريب !

الأبطال

بمعنى الكلمة

ماتوا لم ينتظروا كلمه

مادار بخلد الواحد منهم

- حين استشهد -

أن الإستشهاد بطوله

أو حتى أن يعطى شيئاً

للجيل القادم من بعده

فهو شهيد لا متفلسف

ماذا يتمنى أن يأخذ

من أعطى آخر ما يملك

فى سورة غضب أو حب ؟!

نجيب سرور

*****

بالنسبة لهؤلاء – الممثلين لـ 40 % من المصريين تحت خط الفقر، منهم 12 مليوناً يعيشون في العشوائيات و  1,5 مليون يعيشون في المقابر – كل الصراع حول الدستور والانتخابات ونظام حكم البلد عبارة عن كلام جرايد لا يمثل أي شيء إلا بقدر تأثيره المباشر جداً على فرص عملهم ورواتبهم وظروف معيشتهم، وهو ما لا يبدو أن أي من الفرق المتصارعة يهتم به فعلياً، والنتيجة أن قطاعاً كبيراً جداً من الناس يشتمون الآن الثورة والثوار والسياسيين جميعاً بعد ارتفاع أسعار كل السلع تقريباً هذه الأيام – وهو ما شكل خيبة أمل كبرى عند عامةالشعب الذي ظن أن الأسعار إن لم تنخفض فستثبت – وبعد المزيد من انسداد سبل الرزق، على حد تعبير سائق الميكروباص الذي نقلت عنه في تدوينتي السابقة (*) “والله فيه ناس تعبانة وأغلب من الغلب مش لاقيين ياكلو والعشرة جنيه تفرق معاهم بس انتو مش عارفين .. أنا راجل أعرف أجيب القرش لكن الناس الكبيرة اللي عدا الستين سبعين سنة ومش بيشتغل وعايز يجيب دوا يعمل ايه؟ .. وفيه ناس كانو عايشين أرزقيه على باب الله دلوقتي بعد الثورة – أستغفر الله العظيم – حتى باب الله معادوش لاقيينه!”

لم نسمع صوتاً لأحد من (النخبة) معترضاً على ارتفاع الأسعار .. من قلبوا الدنيا عند إشاعة تعرض ناشطة للضرب لم نسمع لهم صوتاً للتضامن مع معتصمي مخيمات مدينة السلام الذين بقوا خمسة أيام في الشارع وتم دهس احداهم وغرق أحدهم في النيل، بل ربما أدانهم البعض فهم أصحاب (مطالب فئوية) .. كان عليهم أن يخرسوا وينتظروا في الشارع أو عشش الصفيح إلى أن ننهي خلافتنا الأهم من تفاهاتهم!

في التسعينات كان أردوغان يحضر مؤتمراً لممثلي المنظمات الإسلامية، وبدلاً من أن يقول أنه سيعمل على (تطبيق الشريعة) أو (نشر الروح الاسلامية في النسيج المجتمعي) قال لهم أنه سيعمل على حل مشكلة الصرف الصحي في اسطانبول، ليضج الحاضرون بالضحك!

لكن هذا فقط ما أوصله وأوصل تركيا بالتبعية إلى ما هم عليه الآن، لا ينتخب الأتراك حزبه لأنه إسلامي أو لأنه سيضع دستوراً أكثر ديموقراطية، بل فقط لأنه من أثبت قدرته على حل مشاكلهم اليومية الواقعية .. ليس لدينا أردوغان مصري حتى الآن للأسف … لدينا فقط العواجيز النخبويون المملون من كل الأطراف الذين مازالوا غارقين في تنظيرات (إسلامية/علمانية) و (الدستور أولاً/الانتخابات أولاً)، ولهم جميعاً أقول:

الفقراء أولاً يا ولاد الكلب!

اجمالي القراءات 4547