( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ )

آحمد صبحي منصور في السبت ٢١ - أبريل - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ )

قال : طبقا لقول اللهجل وعلا :( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )  يستطيع الفاسق أن يكفّر كل مرة عن عصيانه وظلمه بالصدقات . يعنى يسرق مليون ويتصدق بعشرة آلاف ، وهذه العشرة آلاف تكفّر عن سرقة المليون . أو يزنى كل يوم ويتصدق كل يوم . وبالتالى فهذه الآية تشجع على المعصية وتجعل الأثرياء الماكرين يدخلون الجنة بأموالهم السُّحت ، أما الفقير فهو تعيس الدنيا وتعيس الآخرة .

قلت : هذا فهم خاطىء للآية الكريمة

قال : كيف ؟

قلت : أنت لم تقرأ الآية بأكملها . الله جل وعلا يقول : (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) هود ).

قال : ماذا تعنى ؟

قلت : إن قوله جل وعلا : ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) هو نتيجة مترتبة على ما سبق ، وهو قوله جل وعلا : (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) .

قال : وما هى الصلة بين أول الآية وآخرها ؟

قلت : فى أول الآية أمر بإقامة الصلاة .

قال : وهذا يعنى أن يُصلّى ثم يعصى .! أى نفس المعنى الذى أنا قلتُه من قبل ، أن يعمل حسنة ثم يعصى ، وهذه الحسنة تكفر السيئة ، وبالتالى يستمر فى العصيان متشجعا عليه .

قلت : هذا فهم خاطىء لقوله جل وعلا : (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ ) .

قال : ما معنى ( أقم الصلاة )؟

قلت : إقامة الصلاة غير تأدية الصلاة .

قال : كيف ؟

قلت : المنافقون كانوا يؤدون الصلاة ، ولم يكونوا يقيمون الصلاة . كانوا يؤدونها شكلا فقط بلا خشوع ، مجرد مظهر . قال جل وعلا عنهم : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) النساء ) ولهذا لم يقبل الله جل وعلا أعمالهم الصالحة ، قال جل وعلا عنهم : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54) التوبة ). وتوعّد الله جل وعلا أولئك الذين يُصلون رياءا ونفاقا ، وهم ساهون عن أن الصلاة هى وسيلة للتقوى ، قال جل وعلا :  (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) الماعون ).

قال : إذن فماذا يعنى إقامة الصلاة ؟

قلت : كلمة ( أقام الشىء ) أى حافظ عليه . و ( أقام الصلاة ) أى حافظ على ثمرتها ، بالخشوع فى أثناء الصلاة ، وبالتقوى طيلة اليوم .

قال : مزيدا من الشرح لو سمحت .!

قلت : إقرأ بداية سورة ( المؤمنين ) ومنها تفهم معنى المحافظة على الصلاة .

قال : يقول جل وعلا فى الآيات الأولى من سورة المؤمنون : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) )

قلت : المعنى أنه ليس كل المؤمنين مفلحين . المفلحون من المؤمنين هم الذين يخشعون فى صلاتهم ، والذين يحافظون على صلاتهم بالإعراض عن اللغو وبتزكية النفس بالأخلاق الحميدة والذين لا يقعون فى الزنا ، والذين يرعون العهد ويؤدون الأمانات ، بهذا هم على صلاتهم يحافظون .

قال : هذا معنى المحافظة على الصلاة ، أو إقامة الصلاة . فما هو العكس ؟

قلت : عكس المحافظة على الصلاة هو تضييع الصلاة . أن تؤدى الصلاة شكلا ولا تقيمها فى قلبك خشوعا ، ولا تقيمها فى سلوكك تقوى .

قال : هذا رأيك الشخصى .!

قلت : بل هو ما قاله جل وعلا فى معنى تضييع الصلاة . قال جل وعلا عن الأجيال التى خلفت الأنبياء : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) مريم )  أضاعوا ثمرة الصلاة بالمعاصى . مصيرهم جهنم إلا من تاب منهم ، فى الآية التالية يقول رب العزة جل وعلا : ( إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) مريم ) .

قال : إذن فالصلاة وسيلة للابتعاد عن المعصية ؟

قلت : نعم ، فالصلاة الخاشعة هى التى تتجلى ثمرتها فى أن تنهى الانسان عن الفحشاء والمنكر ، قال جل وعلا فى إقامة الصلاة : ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) 45) العنكبوت ) . العبادات كلها وسائل للتقوى ، قال جل وعلا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) البقرة  )

قال : أخذتنا فى موضوع طويل لا صلة له بآية : ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ )   

قلت : لعلك نسيت قولى لك إنها نتيجة مترتبة على قوله جل وعلا : (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) .

قال : مزيدا من التوضيح

قلت : المؤمن الذى يريد أن يكون من المفلحين يوم القيامة والذين يرثون الفردوس هم الذين يقيمون الصلاة فى أوقات الصلاة طرفى النهار وقليلا من الليل، أى وقت اليقظة.

قال : مزيدا من التوضيح

قلت : الذى يقيم الصلاة هو المتقى الذى لا يبتعد فقط عن المعاصى بل يشغل وقته بالطاعات وعمل الخير . ولأنه بشر غير معصوم فقد يقع فى الخطأ والعصيان ، ويتوب ويئوب ، والله جعل من صفات المؤمنين المتقين أنهم توابون أوّابون . بالتوبة وعمل الصالحات فإن حسنات العمل الصالح تكفّر أو تذهب بتلك السيئات .

قال : القرآن الكريم مثانى ، أى يتكرر فيه المعنى أكثر من مرة . فهل هناك آية أخرى عن إقامة الصلاة قريبة من هذا المعنى ؟

قلت : نعم . قال جل وعلا : () أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78)الاسراء). هنا امر بإقامة الصلاة أى بالتقوى وقت يقظة الانسان .

قال : هل هناك آية قريبة من معنى أن الحسنات يُذهبن السيئات ؟

قلت : نعم . قال جل وعلا فىصفات المؤمنين أولى الألباب : ( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) الرعد) ، وقال جل وعلا أيضا فى صفات أهل الكتاب المؤمنين :( وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (54) القصص ).أى يمنعون بالحسنات شرّ السيئات .

قال : ما معنى شر السيئات ؟

قلت : الذى يموت عاصيا فاسقا كافرا سيكون عذابه بما إرتكب من سيئات . أى تتحول سيئاته الى نار يتعذب بها خالدا فى الجحيم . ولهذا فإن تكفير السيئات يعنى تغطيتها بالأعمال الصالحة بما يدرأ ويمنع خطرها وتحولها الى نار .

قال : وما هو دليلك من القرآن ؟

قلت : الملائكة تدعو الله جل وعلا للمؤمنين فتقول : (  رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) غافر). تدعو أن يقيهم الله جل وعلا عذاب الجحيم وأن يقيهم الله جل وعلا السيئات ، أى شرور السيئات ، والذى ينجو من شرور السيئات يكون فى رحمة الله جل وعلا والتى هى قريبة من المحسنين .

قال : موضوع آخر يتصل بما نقول . نفترض أن رجلا متدينا يفعل الخيرات ويبتعد عن المعاصى ، ويقيم المساجد ويتصدق ، ولكنه يؤمن بالبخارى ويحج الى قبر النبى والى القبور المقدسة الأخرى .. ما هو مصيره ؟

قلت : الخلود فى الجحيم . يحبط الله جل وعلا أعماله الصالحة التى تتحدث عنها . وبهذا حذّر الله جل وعلا كل الأنبياء ، حذّرهم من الوقوع فى الشرك ، لأنهم لو أشركوا لأحبط الله جل وعلا أعمالهم الصالحة ، قال جل وعلا : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (65) الزمر ) .

قال : وماذا إذا أحبط الله جل وعلا العمل الصالح ؟

قلت : لن يدخل الجنة ومصيره الخلود فى النار . قال جل وعلا : (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) المائدة ). وهم فى النار سيرون أعمالهم الصالحة يتحسرون عليها ، وماهم بخارجين من النار ، قال جل وعلا : (كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ (167) البقرة )

قال : الآن أفهم أهمية أن يتذكر الناس ، فى قوله جل وعلا : (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ). هو فعلا ذكرى للذاكرين .

قال : هل من أجل معتقدات خرافية يكون مصيره الخلود فى النار ؟ هل من أجل أن يؤمن بحديث آخر غير القرآن يكون مصيره الخلود فى النار ؟ هل من أجل أن يقف متوسلا بقبر مبنى من طوب وحجارة يكون مصيره الخلود فى النار ؟ هل تستحق هذه الخرافات أن يضحّى بسببها الانسان بالجنة ويخلد فى النار ؟

قلت : قل لهم هذا . وتذكر أن الله جل وعلا قال : (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) يونس  )

قال : صدق الله العظيم .!

اجمالي القراءات 16638