رحلتى الى اسرائيل وفلسطين : ختاما :
قال : بهذه المقالات تكتسب المزيد من الأعداء ..
قلت : بها وبغيرها أكتسب المزيد من الأعداء وأيضا المزيد من الأصدقاء . الأعداء كثيرون والأصدقاء قليلون ويزدادون ، والعبرة بما ينفع الناس وبما يستمر فى تنويرهم .
قال : سيتهمونك بالعمالة لاسرائيل
قلت : هم يتهموننى بهذا مذ كنت مدرسا مساعدا فى الأزهر ، وعندما لم يكن معارف خارج محيط الأزهر . المستبد العربى الآن يسعد بأن ترضى عنه إسرائيل .
قال : سيزداد هجومهم عليك
قلت : فى هجومهم علىّ إستنفدوا كل قواميس الشتائم والاتهامات ولم يعد لديهم المزيد . وحتى لو كان لا يزال لديهم فائض من الشتائم فهم متخصصون فى السبّ والشتم ونحن متخصصون فى القول بالاصلاح . ما نقوله ينفع الناس ويمكث باقيا ، ما يقولونه يظل عارا عليهم فى الدنيا وحُجّة عليهم يوم الحساب .
قال : توقيت المقالات غير مناسب ، جاء فى وقت يوم الأرض والمظاهرات الفلسطينية فى غزة نحو الحدود الاسرائيلية وما نتج عنه من قتل وجرح المئات من الفلسطينيين بما إستفز العالم ..
قلت : لم يكن التوقيت مقصودا . عدت من رحلتى وبدأت النشر قبل هذا ، ولم يكن ما حدث فى حسابى . ومهما يكن فالتوقيت مهم هنا ، لأنه يفضح أسلوب حماس فى التغرير بالفلسطينىين وسفك دمائهم فى حركات مسرحية تثور وتنتهى الى لا شىء سوى سفك الدماء . لا ترضى أى دولة فى العالم أن يقتحم الناس حدودها . أذكر أن القذافى فى جنونه بالوحدة بين مصر وليبيا أعد مظاهرات ليبية بمئات الألوف وجهزها تحمل أعلام الوحدة مع مصر ، ووصلت الى حدود مصر ليضع السادات فى موقف حرج ، فأمر السادات بمواجهتها بالسلاح إن إقتحمت الحدود المصرية . الحدود لأى دولة تعنى سيادتها ، لا فارق هنا بين إسرائيل أو أى دولة أخرى .
قال : إوردغان هاجم نتانياهو بسبب قتله الفلسطينيين فى الوقت الذى تمتدح فيه بعض الاسرائليين .!.
قلت : أوردغان الذى هاجم نتناياهو واتهمه بالارهاب ــ بسبب قتل الفلسطينيين المعتدين على الحدود الاسرائلية ــ هو نفسه الذى إجتاز حدود سوريا وإحتل جزءا من أراضيها ، ولا يزال يقتل السوريين بالآلاف .بينما تقوم إسرائيل بعلاج بعض الجرحى السوريين .!.. اردوغان يحلم بالخلافة العثمانية ويتلاعب بالدين فى تحقيق طموحاته السياسية ، ويطلق تصريحات يجتذب بها الغوغاء ..اوردغان كعادة الاخوان المسلمين يصطاد فى الماء العكر ، هذا مع أنه صاحب علاقة دبلوماسية باسرائيل ، والخطوط الجوية التركية أهم معبر الى تل أبيب .
قال : أنت تصدم الناس بما تقول ، وتقول ما يعكّر صفوهم .!
قلت : المصلح طبيب يقدم الدواء . والدواء قد يكون مُرّ المذاق . ومهما كانت مرارة الدواء فالمرض أشدُّ مراراة وألما . ومهما كانت قسوة الكلمة الاصلاحية فهى لا شىء مقارنة برصاصة تقتل الأبرياء . ولا تستطيع أن تحسب عدد الرصاصات والطلقات والقنابل والصواريخ التى قتل ويقتل بها العرب أنفسهم ، وهم مرضى فى حاجة ماسّة للشفاء .. ونبذل وسعنا فى علاج المريض ..ونتلقى من المريض اللعنات والشتائم .!
قال : موضوع اسرائيل بالذات حسّاس .
قلت : صدقت . ولهذا نقتحمه بكل قوة . نحن متخصّصون فى الحرب الفكرية السلمية العقلية بالكلمة حقنا للدماء وتحقيقا للسلام الذى هو معنى الاسلام فى السلوك . ولا تنسى أن ( السلام ) من أسماء الله الحسنى . بإسلامنا نواجه بها كل الأبقار الفكرية والعقيدية المقدسة ، ومنها تلك الحرب الفكرية التى تشنها النظم الاستبدادية لتوجيه غضب الشعوب العربية وإحباطاتها ضد اسرائيل وأمريكا بديلا عن العدو الحقيقى وهى تلك الأنظمة الاستبدادية الفاشلة فى كل شىء إلا فى قهر شعوبها . نحن نتصدى لهذا إيمانا منا بأن طريق الاصلاح يستلزم تحديد العدو الذى يقف فى سبيل الاصلاح . وهذا العدو هو النظم الاستبدادية والكهنوت الدينى الذى يساندها . لا يمكن إصلاح العرب إلا بإحلال السلام مع اسرائيل وإنهاء هذا العداء الذى زرعته أنظمة الاستبداد العربى . الاستبداد العربى محتاج الى خلق عدو خارجى وعدو داخلى يبرر وجوده مستبدا فى السلطة بزعم حماية الناس ، وهو العدو الأكبر للناس . كفى خداعا ..
قال : ولكنه موضوع صعب ، فالعداء لاسرائيل تراكم من عام 1948 ونشأت عليه الأجيال .
قلت : هذا صحيح ، بدليل أن اليمنيين يواجهون حربا من أشقائهم العرب المتحالفين ضدهم ، يقتلون عشرات الألوف من النساء والأطفال اليمنيين ويدمرون البنية التحتية لليمن ويحيلون اليمن الى خراب وينشرون فيه الكوليرا ، واليمنيون فى مواجهة هذا العدوان المستمر يهتفون بالموت لأمريكا وإسرائيل .. هل هناك خبل أكثر من هذا ..ألا يستدعى هذا الخبل أن نتصدى له بقوة الكلمة .!
قال : كثيرون زاروا إسرائيل وبدعوات من اسرائيل ولم يتكلموا .. لماذا كتبت عن هذه الزيارة ؟
قلت : عملنا الاصلاحى مؤسس على العلانية . كنت أتمنى أن تأتينى زيارة من إسرائيل من احدى جامعاتها او مراكزها البحثية أو جماعاتها العاملة فى تحقيق السلام لكى نتشاور فى تحقيق السلام . هذا لم يحدث . وحقيقة لم اسع اليه . كنت أنتظر أن تكون بادرة منهم ، ولم يفعلوها . ثم جاءت ظروف زفاف ابنى وتحتمت الزيارة ، فكان لا بد من لقاء الاسرائليين الأكاديميين والعاملين فى مجال السلام . وكان هذا رائعا . سعدت بالتعرف اليهم ، وتكلمت عنهم لأثبت للمرضى من العرب أن الاسرائيليين ليسوا شرّا محضا ، بل هم مثل كل البشر فيهم المتطرفون وفيهم المعتدلون وفيهم النبلاء الأطهار . وكما قلت فمن تعاملت معهم من الاسرائليين ـ حتى الآن ـ هم أكثر من قابلتُ نبلا . ومن أسف أن أكرر القول بأن الاسرائليين عموما أرقى سلوكيا من العرب لأن الشعوب التى تعيش فى مجتمع ديمقراطى تتعامل بأسلوب حضارى على عكس الشعوب التى تعيش تحت قهر مستبد طاغية ، يرغم الناس على أن يتجسس بعضهم على بعض ، وأن يخاف بعضهم من بعض وأن يكذب بعضهم على بعض لينجو ولو الى حين .
قال : هل لديك أمل في المتطرفين الاسرائيليين ؟
قلت : نعم . هم يعملون للسلام ، ويريدون الأمن لأطفالهم . ولا تنس أن حركات السلام فى اسرائيل قوية ومسموعة بالاضافة الى التيارات اليسارية الاسرائيلية . ومن عجب أنك تجد تيارات السلام فى اسرائيل قد ظهرت مبكرا ، ومن عصر عبد الناصر ، بينما لا توجد مثيلاتها فى بلاد العرب .
قال : من الأكثر تطرفا : حماس أم المتطرفون الاسرائيليون ؟
قلت : هم أقل تطرفا من حماس ، وهم احرص على حياة الفلسطينيين من حماس ، وهم لا يقتلون الناس عشوائيا كما يفعل الوهابيون . ولديهم مرونة سياسية تتضح من سياستهم الحالية وهم فى موقع السلطة .
قال : وهل لديك أمل فى أولئك المتطرفين الاسرائليين ؟
قلت : بدون الأمل يكون الشقاء والألم . لا بد للمصلح أن يتحلى بالأمل حتى يستمر ماضيا فى طريقه ، إذا فقد الأمل توقف عمله . وبالنسبة للمتطرفين الاسرائليين فنحن نخاطب فيهم الجانب الطيب حرصا على السلام وعلى مستقبل العرب والاسرائيليين .
قال : هل يتفق هذا مع رؤيتك القرآنية ؟
قلت : نعم . طبقا للقرآن الكريم نحن لا نكره الانسان الذى يفعل الشرور ، ولكن نكره تلك الشرور ذاتها ، ونعظه حتى يتوب عنها . والتوبة تعنى قابلية الانسان لأن يكون صالحا . وإذا تاب وأصلح فهذا خير له ولغيره . إذن فلا نكره الشرير ، بل نكره الشّر .
قال : هل تطبق هذا على موقفك من الوهابيين وانت أشهر من يهاجمهم ؟
قلت : بالتأكيد . قلت فى مؤتمرات وكتبت أؤكد أننى لست ضد الاخوان المسلمين كفصيل سياسى يسعى للوصول الى الحكم بالانتخابات ، ولست ضدهم كأفراد ، أنا ضدهم فى إستخدامهم دين الاسلام للوصول الى الثروة والسلطة ، أنا ضد عقيدتهم الوهابية . وأدعوهم الى التخلى عن خلط الدين بالسياسة ، ومنشور لى كتاب ( تحذير المسلمين من خلط السياسة بالدين )
قال : ، وهل تطبق هذا على المستبدين وانت أشهر من يهاجمهم ؟
قلت : بالتأكيد . لم أياس من الدعوة لاصلاحهم . وفى حوار جرى فى الشهر الماضى مع جريدة العرب اللندنية دعوت المستبد العربى لأن يقوم بإصلاح جزئى يزيل به القيود عن حرية الرأى والدين والابداع ، كمقدمة لارساء ثقافة الديمقراطية ، وهى أساس للتحول الديمقراطى الذى يأخذ وقتا قد يصل الى جيل بأكمله ، وقلت إن هذا الاصلاح سيدخل به المستبد التاريخ ، وفى نفس الوقت لن يؤثر على سلطته الاستبدادية الحالية ، بل سيشغل الناس عنه فى جدالهم وشجارهم الفكرى . وحين بدأ الرئيس السيسى بدعوات الى إصلاح الخطاب الدينى فى مصر كتبت أؤيده وأقترح له الحلول ، ثم تبين أنه يتلاعب بالكلمات فهاجمته ، وهذا منشور فى كتاب عن شهادتى على بضعة اشهر من حكم الرئيس السيسى . المقصود أننا لسنا ضد شخص ، بل ضد فكر فاسد مؤذ . وهذا هو لُبُّ الحرب الفكرية الاصلاحية عندنا ، أننا نعظ من يقع فى الشرور حبا فيه وخوفا عليه وإنقاذا له ولغيره ، ثم نتحمل الاضطهاد والسًب والشتم .
قال : هل لديك أمل فى حماس وعباس ؟
قلت : لاشك .. نخاطب فيهم أيضا الجانب الطيب حرصا على السلام وعلى مستقبل الفلسطينيين ، ولكن أملنا الأكبر فى الشعب الفلسطينى، هو من أكثر الشعوب العربية تعلما، ومن حقه أن تكون له قيادة رشيدة تخدم مصالحه هو وليس مصالحها .!
قال : يتهمونك بأنك تساوى بين المعتدى الاسرائيلى وبين الضحية الفلسطينى
قلت : أنت تعود بنا الى جدل مضى وانتهى . نحن نبحث عن حل سياسى سلمى للواقع الآن يتوقف فيه سفك الدماء، ويتحقق فيه الاسلام السلوكى بمعنى السلام . لا أقول لك حقائق تاريخية : أن الفلسطينييين هم الذين بدأوا الهجوم على المهاجرين الاسرائيليين الأوائل فى العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضى قبل قيام اسرائيل ، ولن أدافع عن الفلسطينيين بأن حقهم الهجوم على من أتى ليعيش فى فلسطين . هذا جدل إنتهى وقته وأوانه . نريد الكلام المفيد .
قال : هل أرضت مقالاتك هذه أهل القرآن فى موقع أهل القرآن ؟
قلت : لا . لم ترض جميعهم . عموما ، ليس كل من يكتب فى موقع أهل القرآن من أهل القرآن . بعض من ليس من أهل القرآن هم الأنشط فى نشر المقالات والتعليقات . ونحن بهم فى غاية السعادة . ومقالاتى فى السياسة وفى غيرها تحظى بنقدهم ، والمبدأ الذى نسير عليه فى الموقع أننا نقول وجهات نظر تحتاج الى النقد والتصويب ، وأننا جميعا أمام القرآن الكريم تلاميذ يستفيد بعضنا من بعض ، وأن موقع أهل القرآن مدرسة علمية ، وأننا جيل الحوار نتحاور لكى يكون الجيل القادم هو جيل الاختيار .
قال : ماذا عن جمهور القرآنيين ؟
قلت : هم تيار يسرى تحت السطح متخفيا خشية الاضطهاد . وسيأتى الوقت الذى يعلن فيه عن نفسه بعون الله جل وعلا .