لمحة عن الخطبة فى تاريخ المسلمين: إزدهار الخطب وأنواعها فى العصر الأموى

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٢ - يناير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 لمحة عن الخطبة فى تاريخ المسلمين: إزدهار الخطب وأنواعها فى العصر الأموى

مقدمة : لمحة عن الدولة الأموية

1 ـ في العصر الاموى (40 : 132 هجرية )  ازدهرت الخطبة وتنوعت أغراضها بحيث كانت البوق الاعلامي للدولة الاموية وخصومها علي السواء . والواقع ان الدولة الاموية وعصرها يمثلان نموذجا للعجب ، فتلك الدولة التي عاشت اقل من قرن هي التي امتدت فيها الفتوحات العربية فيما بين حدود الهند والصين شرقا الي جبال البرانس جنوب فرنسا ، ودمرت اسطول البيزنطيين واحتلت بعض جزر البحر المتوسط .. هذا في الوقت الذي عاشت فيه الدولة الاموية حروبا هائلة في الداخل ضد خصومها من الخوارج والشيعة والموالي والاقباط والبربر ، ومن الهاشميين والزبيريين وحتي من داخل الجيش الاموي نفسه ، مثل ثورة ابن الاشعث وثورة المهالبة ، وحتي من داخل البيت الاموي نفسه ، وهكذا الي ان جاء الخطر الاكبر علي الدولة متمثلا في الدعوة العباسية المستترة بالرضي من ال محمد ، لتقضي علي الدولة الاموية في ريعان شبابها بعد ان اجهدت نفسها في حروب داخلية وفتوحات خارجية ..

2 ـ والدولة الاموية هي التي تمثل الثقافة العربية البدوية ، هذا اذا اعتبرنا الثقافة هي النمط السائد للسلوكيات والعادات والتقاليد الاجتماعية ، ولذلك ازدهر مع الضجيج الحربي والخلافات  والثورات دخول اسلحة اخري في ميدان المعارك كان اهمها الشعر العربي الفصيح ، والخطابة الفصيحة ، وكانت مؤهلات القائد اذا كان الخليفة او واليا او ثائرا ان يتمتع بالشجاعة والكرم والفصاحة فى القول وفى الخطابة . مثلما اعتاد العرب في صحرائهم.

3 ـ وتلك الحركة المستمرة في الغزو او في الثورة  والمواجهات الداخلية لم تعط فرصة كافية لقيام حركة تدوين للافكار السائدة او المعارك الضارية ، لذلك فان التأريخ لهذه الدولة الاموية قد تم بعد سقوطها وفي عهد الخلافة العباسية المعروفة بعدائها الشديد للامويين ابناء عمومتهم .

وغياب التدوين وعدم الاهتمام الكبير بالمراسلات الخطية اوسع مكانا هاما للخطبة الشفهية المعبرة عن الروح الاصيلة للعربي الذي كان يفاخر وقتها بفصاحته وشجاعته ، او بأنه يملك فصاحة اللسان وشجاعة السنان .ومن هنا يمكن القول بأن الخطبة كانت اهم عنصر دعائي في العصر الاموي للخليفة او الوالي او الثائر علي السواء بحيث يمكن التأريخ للعصر وتفسيره من خلال الكم الهائل من الخطب التي قيلت فيه وقامت بالدعاية لقائل الخطبة واتباعه .

4 ـ ونعطى سريعا نماذج للخطب الأموية وأنواعها .

أولا : خطبة الجمعة (الأموية )

1 ـ نتج عن طغيان الهدف الدعائي علي الخطبة ، ان تحولت الخطبة الدينية ( خطبة الجمعة ) الي خطبة سياسية ، اذ ارتبطت في الدولة الاموية بالدعاء علي ( علي بن ابي طالب )، وتلقيبه بلقب ابي تراب للتحقير ، واصبح من معالم صلاة الجمعة سب ( علي ) وبنيه ، والخليفة الاموي الوحيد الذي الغي هذا هو عمر بن عبد العزيز خلال فترة حكمه القليلة ، ثم رجع الامر الي ما كان عليه . وبعد زوال الدولة الاموية انتهي سب الامام علي ، ولكن لم ينته تحويل خطب الجمعة الي غرض سياسي ، بل  اصبح من شعائر الاعتراف بالحاكم هو الدعاء له في خطبة الجمعة  ، ولا زال ذلك ساريا حتي الان .

2 ـ وقد سبق ان خطبة الجمعة في عصر النبوة المضئ كانت قراءة القرآن ، أي كانت خطبة دينية صرفة ، ولكن تحولت في الدولة الاموية الي خطب سياسية صرفة ، ثم بعد زوال الدولة الاموية اختلط فيها الدين بالسياسة ، او بمعني اصح تحول فيها الدين لخدمة السياسة ، اما للدعاية للحاكم ام ضد الحاكم .وهذا مظهر من مظاهر التأثر بالدولة الاموية الذي لا يزال باقيا فيما يخص خطبة الجمعة .

3 ـ و أدي سب الامام علي في خطبة الجمعة الي مقتل حجر بن عدي زعيم الشيعة في الكوفة ، وذلك في خلافة معاوية ، ولم يكن حجر بن عدي ثائرا علي الدولة الاموية ، وانما بايع معاوية ودخل في طاعته مثل باقي الشيعة الذين بايعوا لمعاوية بعد تنازل الحسين بن علي لمعاوية ، ومارس حجر بن عدي المعارضة القولية التي كان يسمح بها معاوية القائل : ( انا لا نحول بين الناس والسنتهم طالما لا يحولون بيننا وبين ملكنا )، أي يسمح بالمعارضة القولية دون المعارضة المسلحة ، ولكن حجر كان يصيح بالوالي المغيرة بن شعبة اذا دخل في سب الامام علي اثناء الخطبة ، وكان يسكت عنه المغيرة ، فلما مات المغيرة وتولي بعده علي الكوفة زياد بن ابيه وخطب كالعادة وسب الامام علي اعترض عليه حجر بن عدي وصحبه بمثل ما اعتاد ، فاعتقلهم زياد وارسلهم الي معاوية متهما اياهم بالخروج علي الدولة فأمر معاوية بقتله هو وصحبه ، مع تأكيد حجر هو واتباعه انهم علي الطاعة .وكان قتل معاوية لحجر بن عدي واتباعه بداية مشوار دموي استحلت فيه الدولة الاموية دماء المعارضين المسالمين ، واشتهر زياد بن ابيه ثم الحجاج بالاسراف في القتل بمجرد الظن . وكان فاتحة الشر هو تحويل الخطبة الدينية في صلاة الجمعة الي منشور سياسي يهاجم عدو الدولة الاموية .

4 ــ ونعطي بعض فقرات من خطبة زياد وهو يهدد حجرا واصحابه في المسجد ، قال زياد بعد ان حمد الله واثني عليه ( اما بعد فأنا غب البغي والغي وخيم ، ان هؤلاء  جمعوا ( أي اجتمعوا ) فأشروا ( أي زاد شرهم ) وامنوني فاجترئوا علي ، وايم الله لئن لم تستقيموا لاداوينكم بدوائكم .. ما انا بشئ ان لم امنع باحة الكوفة من حجر وادعه نكالا لمن بعده ، ويل امك يا حجر ، سقط العشاء بك علي سرحان ) (تاريخ الطبري 5/256  ).  ( السرحان هو الذئب ) ، وهو مثل عربي يضرب فيمن يطلب حاجة فيهلك .

5 ـ ودخل كثيرون في الاسلام في العصر الاموي ، واصبح من ثوابت التدين لهم ما احدثه الامويون من لعن علي وابنائه في خطب الجمعة خلال عشرات السنين ، ويروي المسعودي في مروج الذهب ان المسلمين في مدينة ( حران ) ظلوا بعد سقوط الدولة الاموية متمسكين بلعن ابي طالب في خطبة الجمعة وصلاتها ويقولون :( لا صلاة الا بلعن ابي تراب ) (  مروج الذهب 2/193 )

6 ـ و ذلك ان خطب الجمعة ارتبطت بوظيفة دعائية يقوم بها الخطيب او رفيق له تعينه الدولة الاموية وهي وظيفة القصص ، أي الوعظ بالمسجد ، ولارتباط الوعظ بقص الحكايات اصبح اسمه القصص ، وكان القاص يجتذب اليه افئدة  المستمعين يحكايات خرافية مستوحاة من الكتب الدينية القديمة والتراث السابق علي الاسلام ، ثم ينسبه للنبي عليه السلام والانبياء السابقين ويخلط بين الخرافات و الغيبيات واساطير العذاب في القبر ، وبعد ان يسيطر علي المستمعين يقوم بلعن ابي تراب ، أي علي بن ابي طالب وخصوم الدولة ، ويمدح الخليفة الاموي وآله . وعن طريق هذا القصص دخلت الخرافات في تراث المسلمين ، خصوصا في قصص الانبياء السابقين والاحاديث السنية والتفسير ، اذ ان العصر الاموي كان عصر الرواية الشفهية الذي تتردد  فيه الروايات والاقاويل وتحظي بالتقديس طالما تتم نسبتها للنبي والصحابة ، فلما جاء العصر العباسي اتيح لهذه الروايات ان تدون فيما يسمى بعلوم الحديث والتفسير والتاريخ ، خصوصا وان علماء الجرح والتعديل ( أي توثيق الروايات ) كانوا يتساهلون في تلك الروايات لأنها لا تدخل ضمن اطار الفقه والحلال والحرام ، ولم يفهموا ان خطورتها اكثر حين تقوم بصياغة العقول .وكان الامام الاوزاعي اشهر الوعاظ في العصر الاموي والعباسي ، واشهر القصاص ، واليه تنسب اساطير عذاب القبر والثعبان الاقرع ، كما أوضحنا فى كتابى ( حد الردة ) و ( عذاب القبر والثعبان الأقرع ) .

ثانيا : خطب المناظرات السياسية

 وبازدهار الخطب السياسية الدعائية فقد عرف العصر الاموي ما يمكن تسميته بالمناظرات الخطابية او Debate  المعروفة الان في الانتخابات الامريكية ، ولكن مع اختلاف الظروف ، حيث كانت الخطبة تحل محل السلاح في موضع لا مجال فيه لاستعمال السلاح ، وحينئذ يتم التحارب بالخطب بديلا عن السلاح . ونأخذ لذلك عدة امثلة :

1 ـ خطبة معاوية في وفد الشيعة ورد صعصعة بن صوحان عليه : ( العقد الفريد لابن عبد ربه 3/266 : 267  ).

2 ـ  خطابات الهجاء بين ابن الزبير والهاشميين  

أقام عبد الله بن الزبير نفسه خليفة فلم يبايعه بنو هاشم ، فقام خطيب ونال من علي بن ابي طالب ، فخطب محمد بن الحنفية بن علي يرد عليه ، فتندر عليه الزبير ، فقام ابن الحنفية يرد عليه في خطبة اخري ، مما استدعي عبد الله الزبير لأن يخطب مهددا باحراق بني هاشم جميعا ،وانقذهم منه مجئ جيش المختار الذي خلصهم منه.( تاريخ اليعقوبي  261 : 262 ، مروج الذهب 2/ 86  ).

وخطب عبد الله بن الزبير يهاجم عبد الله بن العباس ، وكان ابن عباس قد اصابه العمي في الكبر ، فقال فيه ابن الزبير : ان هاهنا رجلا قد اعمي الله قلبه كما اعمي بصره ، يزعم ان متعة النساء حلال من الله ورسوله ، ويفتي في القملة والنملة ، وقد احتمل بيت مال البصرة بالامس وترك المسلمين بها يرتضخون النوي ، وكيف الومه في ذلك وقد قاتل ام المؤمنين ، وحواري رسول الله صلي الله عليه وسلم ومن وقاه بيده ).

فابن الزبير هنا يعير ابن عباس بالعمي وينكر عليه انه احل زواج المتعة ، أي الزواج لأجل محدد ، ويعيره بأنه اخذ بيت مال البصرة حين كان واليا عليها في خلافة علي ، وانه قاتل مع علي ضد ام المؤمنين عائشة في موقعة الجمل حيث كان معها الزبير بن العوام الملقب بحواري رسول الله وقد اشتهر الزبير والد عبد الله بانه دفع السهام عن النبي بيده . وحين سمع عبد الله بن العباس هذه الخطبة قام من فوره فخطب ، وكان مما قاله : ( يابن الزبير اما العمي فان الله تعالي يقول : فانها لا تعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور ، واما فتياي في القملة والنملة فان فيها حكمين لا تعلمهما انت واصحابك ، واما حملي المال فانه كان مالا جبيناه فأعطينا كل ذي حق حقه، وبقيت بقية هي دون حقنا في كتاب الله فاخذناها بحقنا ، واما المتعة فسل امك اسماء اذ انزلت عن عوسجة ، واما قتالنا ام المؤمنين فبنا سميت ام المؤمنين لابك ولا بأبيك ، فانطلق ابوك وخالك الي حجاب مده الله عليها فهتكاه عنها ثم اتخذاها فتنه يقاتلان دونها وصانا حلائلهما ( زوجاتهما ) في بيوتهما ، واما قتالنا اياكم ، فانا لقيناكم زحفا ، فان كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا ، وان كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم ايانا ، وايم الله لولا مكان صفية ( صفية بنت عبد المطلب ام الزبير وعمة النبي (ص) ) فيكم ومكان خديجة فينا لما تركت لبني اسد بن عبد العزي عظما الا كسرته ) . ( شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 5/812 : 823 .)

رابعا :  خطب فى وراثة الحكم الأموى :

1 ـ وحدثت الكوارث في الدولة الاموية بتولي يزيد الخلافة بعد ابيه معاوية ، كأول عملية وراثة للحكم في تاريخ المسلمين . وكي يمهد معاوية لهذا الامر الخطير فقد اقام حركة دعائية ضخمة عن طريق ولاته وكبار اتباعه وقادته ،  وجري في هذه الحركة ما يمكن تسميته بمهرجان الخطب التي تباري فيها المتحدثون في تزكية يزيد وتأييد ولايته للعهد ، وممن خطب داعيا للبيعة الي يزيد : مروان ابن الحكم ، والضحاك بن قيس ،وعبد الرحمن بن عثمان الثقفي ،وثور  بن  معن السلمي ،وعبد الله بن عصام ،وعبد الله بن سعد الفزاري ،وعمرو بن سعيد الاشدق ، بالاضافة الي خطبة معاوية ، وخطبة ابي حنيف وصبرة بن شيمان . وخطب ضد الدعوة ليزيد : الاحنف بن قيس ورد عليه الضحاك بن قيس ، ورد عليه الاحنف مرتين ،ورد عليه عبد الله بن عثمان الثقفي علي الاحنف ، وخطب الحسين بن علي ضد البيعة ورد عليه معاوية بخطبة ، ورد عبد الله الزبير علي معاوية بخطبة .. الخ  . ( الكامل لابن الاثير 3/ 250 ، الامامة والسياسة لابن قتيبية 1/ 263 : 298 ، عيون الاخبار لابن قتيبة 1/95 ، البيان والتبيين للجاحظ 1/300 )

2 ـ ومنها خطبة معاوية بن يزيد بن معاوية حين اعلن تنازله عن الخلافة الامر الذي ادي الي تفكك الدولة وحروب اهلية وموت الخليفة المعتزل نفسه ، وقد قال في خطبته ( قد ضعفت عن امركم ، ولم اجد لكم مثل عمر بن الخطاب لأستخلفه ، ولا مثل اهل الشوري ، فأنتم اولي بأمركم فاختاروا من احببتم) .

خامسا : خطب ضد المعارضة

1 ـ منها خطبة عبد الملك بن مروان في اهل المدينة ( يا معشر قريش ، وليكم عمر بن الخطاب فكان فظا غليظا مضيقا عليكم فسمعتم له واطعتم ، ثم وليكم عثمان فكان سهلا لينا كريما فعدوتم عليه فقتلتموه ، وبعثنا عليكم مسلما يوم الحرة فقتلكم ، فنحن نعلم يا معشر قريش انكم لا تحبوننا ابدا وانتم تذكرون يوم الحرة ، ونحن لا نحبكم ابدا ونحن نذكر مقتل عثمان ) ( مروج الذهب للمسعودي 3/ 128  ، البيان والتبيين للجاحظ 2/62 : 65 ).

2 ـ واشتهر الوالي زياد بن ابيه بخطبته البتراء أي التي تخلو من البسملة  وحمد الله وفيها يهدد اهل البصرة فيقول ( اما بعد فان الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والغي الموفي بأهله الي النار ، مافيه سفهاؤكم ويشتمل عليه حلماؤكم من الامور العظام يلبث فيها الصغير ولا يتحاشي عنها  الكبير .. ولا تذكرون انكم احدثكم في الاسلام الحدث الذي لم تسبقوا اليه من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله وهذه المواخر المنصوبة والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر ..) الي ان يقول ( وقد احدثتم احداثا واحدثنا لكل ذنب عقوبة ، من غرق قوما غرقناه ، ومن احرق قوما احرقناه ، ومن نقب بيتا عن قوم نقبنا عن قلبه ومن نبش قبرا دفناه حيا فيه ،فكفوا عني ايديكم و السنتكم اكفف عنكم يدي ولساني ..) (. مروج الذهب للمسعودي 2/133 : 136 .)

3 ـ واشتهر الحجاج بن يوسف الثقفي بالشدة مع الفصاحة ، وخطبه كثيرة ، منها خطبته المشهورة والتى ذكرتها معظم الحوليات التاريخية ، وهذا حين قدم الكوفة واليا لأول مرة ، فاتاها ملثما فصعد المنبر و حسر اللثام عن وجهه و انشد :

انا ابن جلا وطلاع الثنايا               متي اضع العمامة تعرفوني

ثم بدأ يقول ( اني والله لأري ابصارا طامحة واعناقا متطاولة ،ورءوسا قد اينعت وحان وقت قطافها واني لصاحبها ، كأني انظر الي الدماء تترقرق بين العمائم واللحي ..) الي ان يقول ( يا اهل العراق يا اهل الشقاق والنفاق ومساوئ الاخلاق ، والله لا اغمز كتغماز التين ولا يقعقع لي بشنان ..).أي لا يسمح بأن يجربه او يهدده .

سادسا : خطب حربية :

أشهرها خطبة طارق بن زياد حين احرق السفن بعد ان عبر الي اسبانيا ، ذلك المضيق الذي سمي باسمه فيما بعد ، قال ( ايها الناس : اين المفر ؟ البحر من ورائكم والعدو امامكم وليس لكم والله الا الصدق والصبر ، واعلموا انكم في هذه الجزيرة اضيع من الايتام في مأدبة اللئام ، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه في اسلحته واقواته الموفورة وانتم لا وزر لكم الا سيوفكم ولا اقوات لكم الا ما تستخلصونه من ايدي عدوكم ..). ( نفح الطيب للمقري 1/ 255 : 226  )

أخيرا : خطبة ليلة الدخلة .!!

1 ـوهذا التأثير الطاغي للخطبة في العصر الاموي وصل الي سرير الزوجية في ليلة الزفاف ، يحكي شريح اشهر قاضي في العصر الاموي انه ليلة ان دخل بزوجته التميمية وبعد أن خلا لهما البيت يقول ( فمددت يدي ناحيتها فقالت : علي رسلك يا ابا امية كما انت ، ثم قالت : الحمد لله احمده واستعينه واصلي علي محمد واله ، اني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك  فبين لي ما تحب فآته وما تكرهه فازدجر عنه .. الي ان قالت : اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولك ، يقول القاضي ( فأحوجتني والله الي الخطبة في ذلك الموضع ، فقلت الحمد لله احمده واستعينه واصلي علي النبي واله وسلم ، وبعد فانك قد قلتي كلاما ان تثبتي عليه يكن ذلك حظك وان تدعيه يكن حجة عليك ، احب كذا ..) ( العقد الفريد لابن عبد ربه 4/ 166 : 167 )

2 ـ وكما امتد اثر الخطبة الي هذا العمق الي فراش الزوجية ، فانه امتد ايضا الي بدايات الدولة العباسية ، حيث كان الخلفاء في العصر العباسي الاول لا تزال فيهم الثقافة العربية حية .

اجمالي القراءات 13889