العذاب و الألم
العذاب هو الشعور و الإحساس بالألم فإن غاب الألم غاب العذاب و العكس صحيح .
كيف يشعر الإنسان بالألم و كيف يتألم ؟
كيف يتعذب الإنسان و كيف يشعر بالعذاب في الدنيا و الآخرة ؟
الإنسان هو عبارة عن ( جسد و نفس و روح ) :
الجسد :
هو أداة وظيفية كأي آلة وظيفية , ليس له أي أهمية بشكله أو حجمه و هو في حد ذاته كتله ملموسة و مرئية و هو الجزء المادي من تكوين الإنسان , هذا الجسد لا يشعر بأي إحساس إن لم تتجسده تلك النفس ,
فإن فراقت ( النفس و الروح ) معاً هذا الجسد و هي جزؤه الآخر الغير مرئي و غير الملموس , جعلته جسداً معطلاً بلا إحساس أو شعور , فموت الإنسان الكلي هو بخروج النفس و الروح معاً من جسده بأمر الله جل وعلا , لذا فهو مغيبٌ في قبره و لن يستطيع من الشعور أو الإحساس بشيء لعدم تواجد أياً من الروح أو النفس في ذلك الجسد , فالنفس و الروح هما رمز الحياة , فهو بعد موته الكلي تماماً كما كان قبل ميلاده .
النفس :
هي التي تشغل هذه الآلة ( الجسد ) و هي التي تحافظ عليها , فإن غادرت النفس الجسد توقفت تلك الآلة عن العمل , و النفس هي التي تستشعر الألم و العذاب و هي التي تشعر به و تحسه لا الجسد , فما الجسد إلا أداة ماديه موصله توصل الشعور و الإحساس لتلك النفس ,
فهي التي تستشعر الألم و هي التي تتعذب و هي التي تشعر بالراحة و السعادة كذلك , ففي حالة الموت الجزئي ( النوم ) فإن الروح تغادر الجسد فهي تروح وترجع إليه مع بقاء النفس , و هنا نلاحظ بأن الجسد يستمر بالحياة رغم مفارقة الروح له , فانفصال الروح عن الجسد و النفس يؤدي إلى النوم , و تبقى النفس بالجسد كي تحافظ على وظيفته ,
فبما أن النفس هي التي تشعر وهي التي تتألم و بما أنها لا تغادر الجسد حين النوم نلاحظ بأن الشعور و الإحساس لا يفارق الجسد في نومه و ذلك من خلال شعوره بالأحلام و شعوره بأي مؤثر خارجي من حوله فيؤدي هذا لعودة الروح فيستيقظ من نومه , إذا لا يقظة لهذا الجسد إلا بعودة الروح كي تلتئم مع النفس و الجسد من جديد ,
إذا فالنوم لا يحدث إلا بمفارقة الروح لقرينتها النفس فيحدث التغيب عن الواقع الفعلي فتدخل النفس و الجسد في واقع افتراضي لا يعفيهما من الشعور بالألم و العذاب أو الراحة و السعادة , فالواقع الفعلي يحتاج لحيز ملموس أما الواقع الافتراضي فلا يحتاج لهذا الحيز لذا يختلف الزمن بينهما اختلافاً عظيماً و كبيراً .
الروح :
تغادر الروح الجسد و النفس حين النوم , و بغيابها يبقى الجسد و النفس مستشعران للألم و العذاب سوياً , و لا يتوقف هذا الإحساس و الشعور إلا بخروج النفس من هذا الجسد , فإن خرجت الروح و النفس معاً يتحقق الموت الكلي و يتوقف معه كل شيء ,
يوم القيامة سيتم محاسبة تلك النفس , و لا بد لها من جسد تلتئم به كي تستشعر نعيم الله جل وعلا إن كانت طيبه و تستشعر جحيمه إن كانت سيئة و خبيثة , و هنا لا يمكننا الجزم بطبيعة ذاك الوجود لذا أقول بأن هناك احتمالان :
الأول يكون بتكوين هذا الإنسان بجسد و نفس و روح و هذا يتطلب لواقعٍ ملموس و ليقظةٍ و لحيزٍ حقيقيٍ فعليّ ,
و الثاني يكون بتكوين هذا الإنسان بجسد و نفس فقط دون الروح , و هذا يعني واقعاً افتراضياً و لكنه محسوس و تستشعره تلك النفس بجسدها بكل تفاصيله ولكن بدون يقظة و بدون حيز فعلي , و هو كما يحدث في المنام حين تغادر الروح و تترك خلفها ذلك الجسد بنفسه فتعيش واقعاً افتراضياً قد يكون مؤلماً و قد لا يكون .
أنا شخصياً قد أرجح الاحتمال الثاني على الأول لبعض الأسباب , لن أتحدث فيها الآن كونها تحتاج لمزيدٍ من البحث .
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا
سبحانك إني كنت من الظالمين