هل يمكن للسينما الامازيغية ان تطرح الطابوهات الممنوعة اجتماعيا و دينيا الان ؟
مقدمة مطولة
ان مجتمعاتنا الاسلامية تنظر الى الفن بشكل عام من زوايا مختلفة بحسب وعي هذه المجتمعات الفكري و السياسي و الديني بحكم ان كل مجتمع اسلامي اي مؤمن بالاسلام يتميز بخصوصياته المتميزة عن مجتمع اسلامي اخر فمثلا ان المجتمع السعودي يختلف عن المجتمع الايراني اختلافا جوهريا على كل الاصعدة و المستويات بمعنى ان المجتمعات الاسلامية لها وجهات النظر المختلفة تجاه الفن بتعدد اشكاله من الغناء و السينما و المسرح الخ..
ان الفن بشكل عام يلعب ادوار جوهرية في المجتمعات الديمقراطية التي تتمتع بالحريات الاساسية من قبيل حرية الاعتقاد و حرية التفكير الخ من هذه الحريات الاساسية حيث ان الانسان الاوربي او الامريكي يعتبر ان الدين هو شان شخصي لا علاقة بالدولة على الاطلاق حيث قد يقول قائل من السلفيين ان هؤلاء الكفار لا يتوفرون على اية اخلاق نهائيا باعتبارهم يشربون الخمر و يمارسون الجنس خارج اطار الزواج الخ...
لكن على السلفيين الاعتراف ان هذه الدول الكافرة حسب اعتقادهم السخيف قد سمحت للمسلمين ببناء المساجد على ارضهم و قد سمحت لهم بالتبشير لدينهم السلفي المناهض للاخر مهما كان في عز النهار عبر تنظيم لقاءات و محاضرات تحت عنوان عريض الا و هو التعريف بالاسلام لكن وفق منهج سلفهم المنحل اخلاقيا بمعنى ان هذه الدول العلمانية تعطي دروسا للمسلمين دوي النزعة السلفية في التعايش السلمي بين الديانات و الثقافات و حتى التيارات الفكرية..
ان هذه المجتمعات المتحضرة تعتبر ان الفن بتعدد اشكاله و انماطه عموما و السينما خصوصا ابداعا لا حدود له دينيا و اجتماعيا باعتباره مراة نطل من خلالها على واقع هذه المجتمعات على مختلف الاصعدة و المستويات بفضل الاصلاح الديني الذي حدث منذ قرون هناك .
و بينما في مجتمعاتنا الاسلامية لا يمكن ذلك لان الفن يظل خاضع لضوابط السلطة و المجتمع الاخلاقية حيث لا نستطيع مشاهدة فيلم مع عائلتنا يتضمن مشاهد مخيلة بالحياء العام بحكم اننا مجتمع محافظ بمعناه الايجابي و السلبي على حد السواء اي هناك ثقافة مجتمعية اصيلة تمنع اي نقاش حول مواضيع بعينها من قبيل الدين و الجنس ..
انني اعتقد شخصيا ينبغي علينا ان نفرق بين محافظة مجتمعنا و محافظة تيارات الاسلام السياسي الدخيلة بحكم ان محافظة مجتمعنا لم تمنع غناء المراة في احواش مع الرجال او ان ترقص امام الناس طيلة هذه القرون و لم تفرض على المراة نوع معين من لباس دخيل من المشرق مثل النقاب لان اجدادنا الامازيغيين كانوا لا يطبقون نظام ملك اليمين على ما اعتقد بحكم ان هذا النظام كان مرتبط بتطبيق الشريعة الاسلامية ..
و بينما محافظة تيارات الاسلام السياسي الدخيلة علينا كمجتمع اسلامي تحاول زرع ثقافة الاعراب الجاهلية باسم الاسلام في عقول البسطاء و العامة شيئا فشيئا عبر الخطاب الديني الرسمي و عبر محاضرات الجمعيات السلفية حيث ان وعي هذه التيارات الباطني يقول اشياء اخرى مثلا ان المراة عورة يجب ان تبقى في بيتها او تعرض جسدها للبيع كجارية في اسواق الدعارة السلفية اي ان هذه التيارات لها منظور مشرقي لمفهوم المحافظة و لمفهوم الفن باعتباره عليه ان يخدم الاسلام لكن وفق منهج السلف...
في هذا الاطار كانت التلفزة المغربية تبث ما يسمى بالمسلسلات الدينية طيلة تسعينات القرن الماضي حيث انذاك كنت صغيرا لكنني شاهدتها الان على الانترنت فاكتشفت ان هذه المسلسلات تربي المسلم على قيم السلفية الحقة اي يمكنه ممارسة الجنس مع اية امراة خارج اطار الزواج كما فعل سلفهم الصالح مع الجواري و السبايا في عز خلافته المسماة بالاسلامية بمعنى اخر ان خطاب جل تيارات الاسلام السياسي حول الفن النظيف لا اساس له بالنسبة لي إطلاقا لان فقهاءنا الكرام لم يستطيعون الان التفريق بين الزنا و ملك اليمين ...
الى صلب الموضوع
ان السؤال المطروح في هذا المقال المتواضع هل يمكن للسينما الامازيغية ان تطرح الطابوهات الممنوعة اجتماعيا و دينيا الان ؟ هو سؤال عريض و صعب بحكم السياق التاريخي لظهور السينما الامازيغية ببلادنا حيث لقد شكل ظهور السينما الامازيغية في مغرب بدايات تسعينات القرن الماضي حدثا تاريخيا بالنظر الى مجموعة من الاسباب و الدوافع حيث منذ تاسيس التلفزيون المغربي الرسمي سنة 1963 ظل امازيغي المغرب ينتظرون مشاهدة انفسهم كلغة و كثقافة امازيغية اسلامية على تلفزيونهم الرسمي عقود طويلة حتى خطاب اجدير التاريخي لسنة 2001 بمعنى ان الثقافة الامازيغية كانت قبل سنة 2001 ممنوعة على التلفزيون المغربي نهائيا .
ان السينما الناطقة بالامازيغية كانت انطلاقتها من منطقة سوس اي الجنوب المغربي حيث ان منطقة سوس معروفة بالعلم الشرعي كما يسمى عندنا من خلال المدارس العتيقة و معروفة بفنونها الاصيلة مثل فن احواش اي الرقص الجماعي بين الرجال و النساء وفق الاذاب العامة و بحضور الناس بمختلف اعمارهم بغية الاستماع الى الحوار الشعري بين شعراء اسايس اي الميدان بالعربية ..
و ياتي في المقام الثاني فن الروايس كفن اصيل في هذه الربوع حيث لم يكن غريبا ان تنطلق السينما الامازيغية من هذه الربوع باعتبارها مجالا للفنون التقليدية من الرقص و الغناء و الحكاية الشعبية الخ و بالاضافة الى الفنون العصرية مثل المجموعات الغنائية التي انطلقت في منتصف ستينات القرن الماضي بهدف رفع التهميش المؤسساتي عن الامازيغية بمختلف ابعادها حيث علينا الانتظار الى اوائل التسعينات لمشاهدة اول فيلم ناطق بالامازيغية عبر جهاز الفيديو لان اعلامنا البصري وقتها لا تعترف بوجودنا كشعب اصلي بمنطقة شمال افريقيا و بوجودنا كشعب مسلم بحكم وجود ايديولوجية الظهير البربري بشكل خطير انذاك على كل مناحي الحياة العامة بدون استثناء..
ان الحديث عن تجربة الفيلم الناطق بالامازيغية يعد حديث طويل حيث ساحاول الاختصار و ساتحدث هنا باعتباري مشاهد مهتم بالفيلم الامازيغي المغربي حيث انطلقت هذه التجربة بفيلم تامغارت ؤورغ اي امراة من الذهب اذ يتحدث ظاهريا عن قصة امراة امازيغية في البادية تزوجت مع رجل مهاجر بالديار الفرنسية حيث يبين هذا الفيلم الصراع الدائم بين التنوير و جهل فقهاءنا الكرام بحكم ان مجتمعنا مازال يؤمن بالجن الذي ذكره الله في كتابه العزيز القران غير ان مجتمعنا لازال يؤمن بان الجن يستطيع ان يملك الانسان الخ من خرافاتنا الدينية .
ان فيلم تامغارت ؤورغ قد صور حقيقة مجتمعنا المتدين و المحافظ بمعناه الايجابي و السلبي حيث قد يقول البعض ان الامازيغيين هم من المسلمين لكن مناخ عقد التسعينات على المستوى الرسمي يقول اشياء اخرى من قبيل ان الامازيغيين لا بعد ديني لهم اصلا و هم احفاد الاستعمار الفرنسي الخ من مبادئ ايديولوجية الظهير البربري التي مازالت تحكم شاننا الديني الان بمعنى ان اول فيلم امازيغي خرج كثورة هادئة في مغرب التسعينات تفاعلا مع عمل الجمعيات الامازيغية الثقافي داخل المغرب و خارجه.
ان تجربة الفيلم الامازيغي اعطت العديد من الاشياء من قبيل احياء الاسماء الامازيغية و احياء ثقافتنا الام و التطرق الى مشاكل الامازيغيين الاجتماعية سواء في البادية او في المدينة باسلوب راقي يستطيع الانسان ان يشاهد الافلام الامازيغية مع عائلته الصغيرة او الكبيرة حيث ليس معنى كلامي هذا ان الفيلم الامازيغي عليه ان لا يتميز بالجراة..
لكن الجراة المطلوبة الان حسب اعتقادي المتواضع هي التطرق الى مواضيع من قبيل تاريخ المغربي بحكم ان السينما المغربية الناطقة بالدارجة او الفصحى لم تستطيع تقديم افلاما في المستوى حول فترات حاسمة من تاريخنا الطويل قبل الاسلام و بعده باستثناء فيلم حول زينب النفزاوية زوجة يوسف بن تاشفين ملك الدولة المرابطية حيث كانت ذو جمال و عقل سياسي حيث انها ساعدت زوجها الملك او امير المسلمين في تدبير شؤون الحكم و الدولة المرابطية التي خدمت الاسلام اكثر من الدولة الاموية و الدولة الادريسية ...
ان تاريخنا ظل لعقود طويلة يعلم في المدرسة المغربية حسب رغبات المخزن التقليدي و حركته الوطنية حيث ليس من المقبول نهائيا لا نجد فيلما واحدا حول امير الريف عبد الكريم الخطابي بالامازيغية الريفية .
انني لاحظت ان السينما الامازيغية مازالت تخاف من مناقشة الطابوهات الممنوعة اجتماعيا و دينيا عكس السينما الناطقة بالدارجة التي احترمها باعتبارها تظهر الواقع كما هو من خلال افلام يقال عنها الكثير من طرف اصحاب مقولة الفن النظيف لكنني اعتقد ان الجمهور الامازيغي العريض ليس مستعدا بعد لمشاهدة فيلم امازيغي يناقش الطابوهات الاجتماعية و الدينية لكن يمكن في المستقبل مع تغيير العقليات .....
و خلاصة القول ان السينما الامازيغية حققت تراكم هام منذ اوائل التسعينات الى الان بفضل تضحيات الجيل الاول من الفنانين الامازيغيين امثال الحسين بيزكارن و احمد بادوج و عبد اللطيف عاطف و المرحوم محمد اوطالب و اكرام ارشاش الخ.............
المهدي مالك