خطبة الجمعة
الكتاب والميزان فى حياة المسلم
بداية الخطبة: دعاء
" رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ" (آل عمران 193
أولا- الكتاب :
يقول الله سبحانه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ..... " الأنعام 153
ويقول أيضا : فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " القصص 47
المسلمدائما يدعو ربه 17 مرة على الأقل فى اليوم والليلة يقول : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) } (سورة الفاتحة 6 - 7
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ...
فقد وفقنا الله وأعطانا الأسباب العقلية فهدانا إلى صراطه المستقيم وإتبعنا سبيله فيجب علينا أن نحمده ونشكره ليلا ونهارا على هذه النعمة نعمة الصراط المستقيم.
ثانيا- الميزان: ولنقرأ ما قاله ربنا عن الميزان ...
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ" الشورى 17
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ" الحجر 19
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " القمر 49
لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍعَدَدًا " الجن 28
ما معنى هذا الكلام: أي خُلق بنظام وترتيب، خُلق وفق سُنةٍ ثابتة، هناك أسباب، هناك مسببات، هناك مقدمات، هناك نتائج، فإذا كان تصميم الكون بكل تفاصيله وفق مقدماتٍ ونتائج، وفق أسبابٍ ومسببات، فهل يليق بالمؤمن أن يتجاهل هذا التوازن؟.
هذه قاعدة مهمة جداً، التوحيد لا يعفي من المسؤولية، لذلك نصل إلى أن عدم الأخذ بالأسباب هو إحدى أسباب تخلف المسلمين، عدم الأخذ بالأسباب هو سبب ضعفهم، عدم الأخذ بالأسباب هو سبب تخلي الله عنهم.
فما معنى الأسباب:
لنقرا آيتين قبل التعريف بالأخذ بالأسباب...
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " الأعراف 10
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا ....... " طه 53
مصطلح الأسباب ينقسم إلى قسمين:
الأول: وضع الله أمامك اسباب للهداية...
اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ " الزمر 23
الثانى: هو إنجاز إرادة معينة تريدها فى هذه الدنيا، فيسخر الله لك الأسباب لتنال ما تريده وتحقق مشيئتك بإذن الله تعالى.
القرءآن الكريم نظمه رب العباد وأوجد فيه نظام التوازن والوسطية، التوازن فى الكلمات والتوازن فى الأرقام والتوازن فى عدد مرات ذكر الجنة والنار والملائكة والشياطين فمثلا كلمة محمد ذكرت أربع مرات وكلمة الشريعة أربع مرات وكلمة رجل تساوى عدد مرات ذكر الأنثى وهكذا.....
هل من أحد طبق التوازن فى حياته أسوة بالتوازن الذى خلق به الله جميع الخلق من كائنات وأحياء ونظام الطبيعة ....
الوسطية تعتبر مبدأ التوازن فى الحياة فيقول رب العباد:
"......وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا "الإسراء 110
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا " الإسراء 29
كل مسلم يدعو الله سبحانه بأن يدخله الجنة،ويدعو بأن يغفر له ذنوبه وسيئاته ويرزقه من فضله ويهديه سواء السبيل. فكثير من المسلمين يفعل ما يغضب ربه ويطلب ثوابه، ويبتعد عن مرضاته ويطلب جنته......
والله سبحانه يقول آمن وعمل عملا صالحا....انظر إلى كلمة صالحا... فالعمل المقبول هو أن يكون صالحا....
يقولون : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ" آل عمران 193
السؤال هنا : هل عملنا فى الدنيا يؤهلنا ونستحق أن نكون مع الأبرار أو مع أولى الألباب أو مع المؤمنين حقا. وهل يكفى لدخول الجنة وما فيها من نعيم، هل عملنا فى هذه الدنيا نستحق به رضوان الله؟
والله سبحانه يقول : قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ" الزمر11
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي " الزمر 14
سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) ق
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (الروم17-18
يوم تبدأ أشراط الساعة، سوف تتوقف الأسباب الذى كانت متاحة فى الدنيا ولكن يوم القيامة لا توجد أسباب فأقرأ قول الله
سبحانه وتعالى: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ .... " (39:69
ليس بنور الشمس ولا بنور القمر ولكن بنور ربها.....
وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ..... " (6:94
مثال فى القرءآن للذى أخذ بالأسباب فقط ولم ينظر إلى خالق الأسباب: قارون
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا....
* فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ " (سورة القصص 78-81
والآن نضع أنفسنا فى الميزان....
يوجد 24 ساعة فى اليوم والليلة، 8 ساعات للنوم، و8 ساعات للعمل، والباقى 8 ساعات توزع كالآتى:
خمس صلوات فى اليوم والليلة تستغرق لا أكثر من نصف ساعة...يتبقى 7.5 ساعة...
كم من الوقت لنفسك.... وكم من الوقت لقاء حاجات المعيشة من شراء ما يلزم للأسرة...
كم من الوقت لعائلتك ... لأصدقائك... لأقاربك...
فإذا حسبنا هذه الساعات... فماذا تبقى لحمل المسؤلية التى تحملناها وقلنا سمعنا وأطعنا...؟
الخلاصة: أننا تمسكنا بالأسباب بنسبة 90% من اليوم والليلة وتبقى 10% من الوقت يُحتمل أن يكون لله سبحانه.
هل هذه تشير إلى التوازن فى حياتنا ... إنها قسمة ضيزى كما يقول القرءآن الكريم. كيف تهتم بعمل توازن فى عملك وفى حساباتك اليومية وفى آخر العام ... إن كنت من رجال الأعمال هل تترك حساباتك للزمن أم تأتى بمتخصص ليعمل لك ميزانية مشروعك التى بنيته من خسارة ومكسب وهنا يجب ظبط الحسابات من خسارة أو فائدة...هذا كله فى الدنيا أما فى الآخرة فلا أسباب .
أشرقت الأرض لا بنور الشمس ولا بنور القمر ولكن بنور ربها لأن يوم تقوم الساعة تنتهى الأسباب التى تمسكنا بها فى الدنيا أما فى الآخرة فلا توجد أسباب وعلى قدر عملك ومدى صلاحيته يكون مصيرك مع الله سبحانه وتعالى.
وأكرر أيضا للتذكرة ما قلناه مسبقا:
وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ..... " (6:94
ختام الخطبة:
" رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ " 3:8
وصدق الله العظيم...