حذار من الغفلة !!

لطفية سعيد في الجمعة ٠٦ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 
احترت بأي آية أبدأ كلامي عن الغفلة !! بـ الآية  التي في سورة ( ق ) أم (فصلت ) ربما   الكهف .. لا أدري  فآيات سورة الأعراف تعطي تفاصيل أكثر.. لكن  آيات سورة الأنبياء ترسم صورة شديدة الوضوح لهذا الغافل ..أكاد أجزم أننا نراه ونسمعه ونخبره من خلال قراءتنا لهذه الآيات المعجزة من 1: 10  من الأنبياء .. ربما كان من اللائق أن أشرككم معي  بداية بالسؤال الذي حرك ذهني ، فقد سألته لنفسي أولا، وهو : هل الغفلة عذر مقبول عند الله ؟.. وتلاه سؤال آخر، لا يقل أهمية عن سابقه، وهو  : هل الغفلة  تحدث رغما عن البشر ، أم هي اختيار واستراتيجية ؟ .. وأخيرا : ما تقييم القرآن لهذه الصفة ؟.. أصدققكم القول أنني  قبل قراءتي للآيات الأولى من سورة الأنبياء كنت أتعامل مع الغفلة أنها حالة بشرية شائعة ، قد يكون للبشر عذرفيها .. ربما سيكون لهم بعض السماح  ، ربما..  بحثت عن آيات الغفلة الأخرى، فلم تعطني نفس إحساس الأمان السابق.. أخافتني أكثر .. ما هذا ؟!! أكانت غطاء على القلوب ثم بدأ يتكشف .. قلت لنفسي في نهاية قراءتي للآيات  : حذار من الغفلة.. إنها صفة مدمرة حقا !! برغم وداعتها وإلفها للبشر ، فلا تغرك هذه الألفة من الغين والتي عين يعلوها ستار من الغفلة ..مع الفاء اللام والتاء المربوطة ... فمن منا لا يغفل ، ويضع هذا الساتر مختارا متخيرا ؟!!
التفاصيل:
فآية (الأعراف 179 
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ 179 الأعراف ) :
تعرفنا على القوم الغافلين من خلال  ذكربعض ملامحهم  !!  صفات محددة تصدق على كل من يسلك  الغفلة طريقا للنجاة فيعطل كل ما يميزه  عن الأنعام من تفكير وإبصار وسمع فيعجز عن المواجههة  بحجة أو بدون ..أيضا لماذا كانت الجن سابقة على الإنس في الزرأ لجهنم  ؟!
هل للكثرة في عددهم ، ام لرقيهم الأكثر والذي يلقي عليهم تبعات في سرعة الاعتراف بنعم الله وتلبية اوامره.. أم لسبب آخر انتظره من القرآء .. 
وفي الآية أيضا   تم تقديم القلوب،على السمع والأبصار ، فلماذا .. 
هل تعني لافائدة من حوارمن يعطل عقله .. وبالتالي كل ما تمده به من معلومات سمعية أو بصرية لا قيمة له ؟ .. 
لم وصفتهم الآية بأنهم أضل من الأنعام  بعد أن وصفتهم بـ( كالأنعام ) ؟ ـ بحسب رأيي ـ أن الأنعام  ليس مطلوب منهم اختيار ولا لديهم أدواته .. أما الغافلون فلهم اختيار وقد أُعطوا أدواته.. ولكنهم قد عطلوها طوعا بأنفسهم ، لذا فهم أضل من الأنعام !!
 وعن تفاصيل هذه الغفلة المدمرة للبشرتتحدث آية (الأعراف 173):
ستكون الغفلة ، إحدى حجتين سيقولها البشر لخالقهم جل وعلا، مبررين له سبحانه  سبب انحرافهم عن الوحدانية وهذا تحديدا عندما أشهدهم على ربوبيته لهم،وهم ما زالوا في الظهور:
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) (الأعراف )
 كيف تؤدي الغفلة بالعبد لهذا المصيرالمفاجئ الصاعق يوم الحساب ؟  يصحو  ولكن بعد أن يكون قد فقد اختياره واختباره ... قد حدثتنا آية 22 من سورة الحديد عن هذا :
  "لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق22)..
هل هذه الغفلة  قرينة الإعراض؟  نعم ، هي إعراض عن الحق رغم المعرفة  به .. نرى ذلك في هذه الآية من سورة الأنبياء ، وهذه هي المشكلة الأساس .. الإعراض .. وهو اختيار للبشر ، فهو يُعرض بإرادة وهو يملك تماما لحق الاختيار وفقها ، نقرأ معا ونتأمل كلمة " معرضون " :
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1الأنبياء) ..
وللمزيدا حول ما ذكرته بداية سورةالأنبياء من توصيف ورسم صورة ناطقة لهذا الغافل.. هم يعرضون عن الذكر المحدث من ربهم بلهو القلوب ، وإسرارهم للنجوى .. فماذا يقولون سرا: (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ۖ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ )  في حديثهم ، أثناء الاستماع للذكر .. بدون اهتمام وانتباه وكأنه لا يعنيهم .. 
و(معرضون ) أيضا  تذكرنا بـ :
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ(فصلت51)  
هل الغفلة تخص القلب في الأساس ؟ نعم ، لأن القلب هو موضع الاختيار والاختبار والتمييز ..هلا تذكرنا خليل الله إبراهيم عليه السلام ،حين دعا ربه ،فقد عرف ان سلامة القلب تغني عن المال والبنون  :
"إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ "(الشعراء89)..
وليس بقلب مريض .. ولذلك جاء التوجيه بضرورة الصبروالاهتمام  بمن يدعون ربهم في ديمومة  فقط لأنهم  يريدون وجهه سبحانه ورضاه .. والتنبيه والتحذير ممن اختار البعد عن الذكر واتبع هواه .. فكان ممن أُغفل قلبه عن الذكر:  
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28الكهف)
إذن الغفلة اختيار.. فيه لهو  وإعراض  للقلب ، وتعطيل لقوى التفكير التي أودعها رب العزة في خلقه من عقل وسمع وبصر مما ينأي به عن أمر ربه ويتجه لاتباع الهوى .. ففي النهاية تضيع معادلته سدى.. يفرُط في امره  وهو يحسب أنه يحسن صنعا ..    
اجمالي القراءات 12457