إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ
آية الله
بعد تصريحات الأزهر الأخيرة ولجوءه للرئاسة ومن ثم مجلس الشعب لفرض الوصاية الفكرية الجبرية، تجلت أمامي وبوضوح الآية القرءانية والتي يقول تعالي فيها: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ". سنظل هكذا طالما ظل فينا إناس يهتفون لتأييد الجبرية والوصاية الفكرية. سنظل هكذا طالما أعلنا أن الفكر والنقد التأريخي (الذى هو علم يدرس) سب للسلف خير الخلف. سنظل هكذا طالما لم نسمع صوت ينادي شيخ الأزهر الفاضل ويقول له: "يا شيخنا الجليل قارع حجتهم بالحجة وبالدليل حتي يطمئن قلبنا". ولكن هللنا وأعتقدنا أن وصف الأزهر لهؤلاء الباحثين "بالزنادقة" والإكتفاء بالقول "أنهم من بيئة فاسدة" نصر من عند الله ودحض لحجج "الزنادقة" الواهية ودليل دامغ على أن ما كتب ونشر فسق ومجون.
بعد قرءاة الخبر وبعد تدخل مجلس الشعب لإخراس الألسنة بالقوة بعيدا عن الرأي والرأي الآخر، شعرت إننا نعيش فى عصور الظلام الوسطي فى قلب أوروبا. عصور الظلام التي سيطرت فيها الكنيسة الكاثوليكية على القلوب والعقول فأرهبت الناس فدخلوا فى جحور الظلام لا يتيقون فعل أو قول يخالف مبادىء الكنيسة. المبادىء الكنيسية التي إعتبروها ثوابت دينية لا خروج عليها! الكنيسة التي أوهمت الناس أنهم خلفاء الله فى الأرض وبيت الله على الأرض وصوت الله على الأرض، فصدقتهم الشعوب ونفذوا ما يقال لهم بالحرف، وأصبح الخارج بحرف زائد مهرطق زنديق ينشر جسمه بالمنشار من أسفل جسمه إلى رأسه وهو معلق من أرجله حتي يتأكدوا من وصول الأوكسجين إلى مخه فيتلذذوا بالتعذيب أكثر وأكثر. فالتعذيب فى نظرهم جهاد وتطهير للنفس الآمارة بالسوء!
الكنيسة الكاثوليكية التي سيطرت على عقول الناس وتبنت معتقدات أولية وأعتبرتها معتقدات أزلية لا خروج عليها ومن خرج عليها سبيله الإعدام بعد جولة من التعذيب لزوم التطهير. أستولت على الأراضى وأصدرت صكوك الغفران فضمنت الولاء الأبدي للأتباع المغيبين. الكنيسة التي أستطاعت أن توحد الشعوب الكاثوليكية المخدوعة تحت راية الجهاد المقدس لإستعادة صليب يسوع المسيح المخلص وإستعادة مقدساته من أيدي العرب الكفار عبدة الأوثان (فى نظرهم). الكنيسة التي شحنت مشاعر الغرب المسيحي الكاثوليكي بالكراهية للمسلميين وأوهمتهم أنهم مغتصبين فسوق وجب تطهير العالم منهم ونشر البشارة المسيحية ولو بالقوة. فأمر البابا (خليفة الله على الأرض) بقتال الناس حتى يشهدوا أن المسيح إبن الله – تعالي الله عما يقولون – وإذا شهدوا عصمت دماءهم! خرجت الجيوش طواعية وبلا تساؤل واحد "هل ما نفعله صواب أم إننا نتبع ما ألفينا عليه أباءنا ولو كانوا أباءنا لا يعقلون". كل ما أدركوه وعرفوه أن الجنة فى إنتظارهم. جنة القدس بخضارها ورزقها فى إنتظار المجاهدين حملة الصليب، فكان هذا كل غايتهم. وكان هذا – والحمد لله – بداية نهاية هيمنة كنيستهم.
لقد أستباحت الكنيسة دماء المسلميين واليهود وعذبوهم بأبشع وسائل التعذيب ليتخلوا عن "هرطقتهم" الدينية ويدخلوا فى دينهم المسيحي أفواجا. لقد أستباحوا دماء العلماء والمفكرين والأدباء لأنهم خافوا من حملة مشاعل النور. الخفافيش تكره النور ولا تستطيع العمل فيه، فوجب القضاء على تلك الشعلة والتي قد يفيق معها أتباع الظلام من الغيبوبة. الكنيسة التي أنهكت الملوك بمتطلباتها وبدورهم أنهك الملوك الشعوب للوفاء بمتطلبات خلفاء الله في الأرض. الكنيسة التي صارعت العلم والعلماء ثم إنهارت على يد من أرادوا التخلص منها لمتعهم الشخصية أمثال الملك هنري الثامن الذى أنهي عهد الكنيسة تماما فى إنجلترا ليستطيع الزواج من إمرأة جديدة كلما أ راد وليحظى بالوريث الذكر لعرش إنجلترا. ومن بعد إحتجاج الراهب مارتن لوثر ووقفة الملك هنري الثامن ضد الكهنوت الكنيسي توالي الإنتصار على الهيمنة الدينية وأصبحت شعوب أوروبا حرة ووقتها إزدهرت الصناعة والتجارة وعم الرخاء. وإنتهي دور الكنيسة ولكن لم ينتهي دور الدين، فلم تتوقف أوروبا عن إرسال حملات التبشير إلى العالم كله ليتأكدوا من نشر المسيحية فى شكل مساعدات إنسانية تبهر عقول الضعفاء وتحببهم فى هذا الدين الرحيم بعدما كان يوما دين سفك الدماء.
أين هى حملات المساعدات الإنسانية التي تجوب العالم رافعة أسم الله ورسوله محمد بن عبد الله الذى بعث رحمة للعالمين. أين هي تلك الرحمة التي وجب علينا أن نريها للعالم كله ولا نكتمها إلى يوم الحساب. لماذا لا يخرج من عالمنا الإسلامي من هم مثل الأم تريزا، ولماذا كل من نسمع عنهم هم من أصحاب السبابة المتوعدة أمثال بن لادن والظواهري ومجموعة "الهادمة". أين هي الرحمة التي بعث الرسول بها، لماذا لا يراها العالم؟ أن من يدخل فى دين الإسلام يدخل عن إقتناع نفسي لأن الله خلقه مفكر بالطبيعة، ولكن والله لا ينسب لنا ولأخلاقنا أي فضل فى أسلام من يسلم وجه لله وحده لا شريك له. وهناك الكثير ممن هم ليسوا مفكرين بالطبيعة ولا يتدبرون الأديان إلى من سلوك أتباعها. فعلينا أن نكون سفراء لديننا كما أوصانا الله فى قرءانه. هذا هو الجهاد المطلوب منا الآن، أن نجاهد أنفسنا على ألا نرتكب الآثام فنظهر دين الله للعالم كله.
كيف يزدهر شعب ويظهر رحمته للعالم وهو مقيد بسلاسل الإرهاب الفكري والنفسي. لقد تقدمت أوروبا بعد التخلص من الهيمنة الكهنوتية المسيحية. ولقد خاطب الله فى قرءانه أولو الألباب وعلمنا أن نعتبر ونتعظ من تجارب الآخرين. فعلينا أن نبدأ من حيث إنتهى الآخرون. ولكننا مسلسلون بقيود الجهل من قرون ولم نحاول أن نتخلص منها ولو لحظة. ربطنا بين سلاسل الجهل وبين الإسلام وإعتبرنا أن من يدعو إلى الخروج من الغيبوبة إلى سماء الرحمة الإسلامية مارق زنديق، فأصبح لدينا كنيسة إسلامية تنافس كنيسة كاثوليك العصور الوسطي. أصبحنا لا نقوي على أي قول بدون الرجوع لوصايا الشيوخ وبركاتهم. أصبح لدي الغالبية أرقام المحمول الخاصة بالشيوخ المعاصرين ليستفتوهم فى أمور لو سألوا فيها طفل متعلم تعليم جيد وعمره لا يتعدي العشر سنوات لأجابهم فيها. فأصبح علماء ومفكرين أمتنا هم الشيخ عمرو خالد، الشيخ خالد الجندي، الشيخ عمر عبد الكافي، الشيخة هناء ثروت والشيخات التائبات من فاتنات السينما المصرية!!! وكل من هب ودب أصبح علامة يغيب الناس... أقصد يعظ الناس!
لقد وضح الله لنا أمور حياتنا والأساس الذى نمشي عليه وما دون ذلك من أمور هي شوري بيننا يضع خطوطها العريضة ويفصل فيها سادة القانون ولا دخل للمشايخ ولا للكهنوتية الإسلامية أو المسيحية بأي شئن فيها طالما لم تتعارض مع حدود الله التي وضحها جل وعلا فى قرءانه. ألم نكتفي بعد من المعناة من نتائج تدخل الكهنوت فى أمور الحياة؟ ألم نري النتيجة المأساوية بعد؟! أليس الإلحاد والإرهاب نتيجة حتمية للسيطرة والهيمنة الدينية على العقول. فعندما أري عملا إرهابيا أو أقرأ مقالا لمسلم كفر مثل المدعوة وفاء سلطان أجد أنهم وجهان لعملة واحدة، عملة السيطرة الدينية. فالإرهابي جاء ضحية للتنويم المغنطيسي الذى لعب بعقله وأصبح أرجوحة فى يد أميره يبث السم فى غيره. والملحد ضحية للسم الذى لم يتقبله عقله فإعتقد أن الإسلام كله به سم قاتل ووجب التخلص منه من الألف إلى الياء.
لقد عانينا بما فيه الكفاية من السيطرة بحجة كلمة "الحرام"، فلنكتفي بما حرمه الله علينا ولنأخذ الزينة الدنيوية التي أحلها الله لنا ولنعمل صالحا وليخرج دعاة الجبرية من حياتنا لعلنا نلحق بركب التقدم الذى سبقنا من قرون. لننسي قليلا عداءنا لليهود ولنلقي بهم إلى أقرب مزبلة. ففى حين نشحن طاقتنا كلها للعنهم كل جمعة ظهرا، يشحنون هم طاقتهم للسيطرة على العالم بالقوة وبالتكنولوجيا فلا وقت لديهم للعن الشفهي، فهم لعنهم فعلي!! وللننسي كراهية الغرب للإسلام ونظرية المؤامرة التي تآمرت على عقولنا. لنصحي من الغيبوبة والتي أسميناها العداء ولندرك إننا كنا أكبر عدو لأنفسنا. لقد خلقنا شيطانا من خيالنا فأصبح شيطانا بحق وأصبحنا فريسة سهلة فى يده. تمتعنا بإفتراسه لنا وسميناه إعجاز تكالب الأمم علينا. سعدنا أكثر بالتكالب لأننا نستطيع أن نؤدي فريضة الجهاد التي كتبت علينا.
الجهاد الحق الآن هو أن ترفضوا الظلم. فلم نسمع أن الأزهر إعترض على هتك عرض المواطن المسلم فى قسم الشرطة كما توجه بإعتراض للدفاع عن أبو هريرة الدوسي ضد الكاتب الذى فتح تاريخ الطبري ونقل ما وضع فيه عن أبو هريرة (رضــــى الله عنــــه). لم نسمع أن الأزهر أرسل إحتجاج على 1000 روح التى أستطعمها السمك فى البحر الأحمر. لم نسمع عن دعوة أرسلها الأزهر لوزير المواصلات إعتراضا على الفتايات الضحايا اللاتي سويت أجسادهن بالأسفلت من شهر!!! لم نسمع ولم نسمع ولم نسمع... فقط تتحرك المؤسسة الدينية للحفاظ على هويتها وسلطتها أما دون ذلك، فالشعب لا يستحق!! وصدق الله العظيم فى قوله تعالي: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ".