الغيب فى القرآن الكريم

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٤ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الغيب فى القرآن الكريم

جاءنى هذا السؤال : ( ..السنيون يقولون بأن الاحاديث التي تنسب الغيب لرسول الله هي نبوه او نبؤة مثل احاديث المسيح الدجال والملحمة الكبرى وعلامات الساعه وحتى العشره المبشرون بالجنه.. والله هو الذي يبلغه بهذا لانه "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [53:4]"  وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ  [46:9]  فعليه فهو يبلغ ال "الغيب" عن الله سبحانه وتعالى لانه يوحى اليه وليس هو يعلم الغيب من غير الله سبحانه وتعالى. فما المانع بأن يكون هذا الغيب الذي يبلغه الرسول عليه السلام لصحابته ومن عاشه معه هو وحي؟ وما الفرق بين النبوه والغيب من وجهة نظركم القرآنية؟ )

جراكم الله خير ) .  وأقول :

أولا :

 1 ـ  ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [53:4]" هو عن القرآن الكريم فقط . وكتبنا فى هذا مقالا منشورا هنا .

2 ـ  الرسول يأتيه الوحى ببعض الغيوب وبالتشريعات ، وهو أيضا ( النبى ) الذى يأتيه النبأ من رب العزة جل وعلا عالم الغيب والشهادة بالوحى ، ويتم تسجيله فى الرسالة .

3 ـ بعض الرسل آتاه الله جل وعلا العلم ببعض الغيب وهو يعلن هذا ، ومنهم يوسف القائل لصاحبيه فى السجن : (َ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي  )(37) يوسف ) وعيسى القائل لقومه (وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ (49) آل عمران  ). فالله جل وعلا يعطى العلم ببعض الغيب لمن إرتضى من رسله ، وهذا معنى قوله جل وعلا (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ ) (179) آل عمران ) .

4 ـ وبعض الرسل لم يؤت العلم ببعض الغيب ، وأُمره الله جل وعلا أن يعلن هذا،  مثل نوح  عليه السلام القائل لقومه : (  وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمْ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ (31) هود ) ومحمد عليه السلام  الذى أمره رب العزة جل وعلا أن يقول : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) (50) الانعام  ) .

5 ـ النبى محمد ـ بالذات ــ تكرر التأكيد على أنه لا يعلم الغيب ، أمره ربه جل وعلا أن يعلن : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) الاعراف ) (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) الاحقاف ) (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) (27)  الجن   ) . بالتالى فإن نسبة أى حديث له فى الغيبيات هو كفر بالقرآن الكريم .

6 ـ مذكور فى القرآن الكثير من الغيوب التى أصبحت معلومة بعد إفصاح رب العزة جل وعلا عنها فى القرآن . ويلاحظ تذكير رب العزة جل وعلا رسوله الكريم أن هذا من علم الغيب التى لم يكن يعلمها ولم يكن حاضرا لها ، نفهم هذا من قوله جل وعلا بعد أن اخبر بقصة نوح عليه السلام (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ) (49) هود ) وبعد أن أخبر بقصة يوسف عليه السلام قال جل وعلا للرسول عليه السلام :(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) يوسف  ) وبعد قصة مريم قال جل وعلا له : (ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) آل عمران ) . ويقول جل وعلا له أنه لم يكن حاضرا قصص الأنبياء السابقين : (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنْ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمْ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)  القصص ).

7 ـ بالتالى فإن التقول في الغيب خارج القرآن هو كفر بالقرآن ــ اى الكلام فى غيبيات لم ترد فى القرآن هو كفر بالقرآن ، لأن النبى محمدا نفسه لم يكن يعلم الغيب ، ولم يكن له أن يتكلم فى الغيبيات ، وقد سألوه مرات عديدة عن الساعة ، ولم يرد ، وكان الوحى ينزل بنفس الاجابة أنه لا يملك أن يتكلم عنها من عنده لأنه لا يعلم الغيب .إقرأ مثلا : (  يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187) الاعراف ) (يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) النازعات ) . هم لم يكتفوا بإفتراء الغيبيات بل نسبوها لخاتم النبيين ظلما وعدوانا ، فهناك عشرات الأحاديث عن علم النبى بالساعة ، عدا آلاف الأحاديث عن أحوال يوم القيامة والشفاعة وغيرها ، وهذا يؤكد أن واضعى هذه الأحاديث عن الغيبيات ، ومن يروج لها ومن يؤمن بها ويدافع عنها إنّما هو عدوُّ مبين لخاتم النبيين .
8ــ الكلام فى الغيب خارج القرآن الكريم ليس فقط كفرا بالقرآن وعداءا للرسول محمد عليه السلام ، بل هو أيضا سقوط فى الخرافة لأنه حديث بغير علم . ولهذا فإن الأديان الأرضية مبنية على خرافات غيبية تزعم الوحى الالهى ، وتفرض الايمان بها على المتبعين لها ، وتحرّم مناقشتها . وتعاقب من يخرج عنها بالقتل تحت مسمى الهرطقة أو حد الردة . ولو سيطر دين أرضى على مجتمع وألزمه بهذه الخرافات وعاقب من ينتقدها فإنه يدخل بهذا المجتمع فى دائرة الجهل . وهذا ما حدث للمحمديين حين سيطرت عليهم الحنبلية ثم التصوف ، وهو نفس ما حدث لأوربا حين سيطرت عليها الكنيسة الكاثولوكية.

ثانيا :

 تحليل للجانب الغيبى فى قصص القرآن الكريم

1 ـ الغيب فى القرآن الكريم متنوع يشمل القصص ، و بالاضافة الى حديث عن صفات رب العزة جل وعلا بخطاب مجازى لتقريب المعنى الى عقولنا ، ففى القرآن الكريم حديث غيبى عن المخلوقات الغيبية البرزخية ( الملائكة ، الشياطين ، الجن ) وعن احوال قيام الساعة ويوم القيامة والجنة والنار . وهذا الغيب المذكور فى القرآن الكريم يجب الايمان به ضمن الايمان بكل ما جاء فى القرآن الكريم ، وهذا معنى الايمان بالغيب كصفة من صفات المتقين المؤمنين بالقرآن الذى لا ريب فيه : (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) البقرة ). الايمان يعنى التسليم بغيب لا ندركه ولا يمكن أن نلمسه أو أن نصل اليه بحواسنا عليه السلام . ونتوقف مع إشارة للغيب فى القصص القرآنى والذى يتميز عن التأريخ الذى يقوم به البشر.

غيب القصص القرآنى عن الماضى :

  القصص عن الماضى يتنوع الى قصص الأنبياء وقصص بعض الأمم خارجا عن قصص الأنبياء ، مثل سبأ : ( سبأ 15 : 21  ) ، وأهل الكهف:( الكهف 9 : 26 ) وذى القرنين: (  الكهف 83 : 100 ) . وقد تعرضنا له كثيرا .

غيب القصص القرآنى عن المستقبل  :

1 ـ  منه ما جاء عن مستقبل قريب ، أنبأ به رب العزة وتحقق بعدها بسنوات مثل :  

1  /1 : ما جاء عن الروم وإنتصارهم (غُلِبَتْ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) الروم  ) ،

 1 / 2 : إخبار عن قوم النبى ( قريش ) وما سيحدث لهم بعد موت النبى محمد عليه السلام بسبب تكذيبهم بالقرآن ، إذ قاموا بأكبر تكذيب عملى للقرآن بالفتوحات ثم ما حدث لهم من ( الفتنة الكبرى ) وتفرقهم شيعا ,احزابا يذيق بعضهم بأس بعض . جاء هذا الإخبار المستقبلى فى سورة مكية ، ثم تحقق فيما بعد ، قال جل وعلا : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) الأنعام ). ونتأمل قوله جل وعلا لهم (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) .!!

1 / 3 : ومن نفس النوعية من الغيب المستقبلى الذى تحقق بعد موت النبى قوله جل وعلا عن بعض أصحابه الذين مردوا على النفاق ـ أى كانوا اشد كفرا من المنافقين الذين فضحوا أنفسهم بأقوالهم وأفعالهم : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة ). لم يكن النبى يعلم بهم لأنه لا يعلم الغيب بما فيه غيب القلوب حتى من بين أصحابه. والواضح أن هؤلاء الذين مردوا على النفاق كانوا أُعجوبة فى المكر والدهاء وكانوا الأكثر كراهية للنبى والاسلام ، ومع ذلك تقربوا منه وإكتسبوا ثقته ، وكتموا مشاعرهم ليحافظوا على مكانتهم إنتظارا لموت النبى وإنتهاء الوحى نزولا ، وبعدها إستثمروا قربهم من النبى فتزعموا الصحابة وأرتكبوا بهم الفتوحات . عن ( الخلفاء الراشدين ) أتكلم .!!. والله جل وعلا أخبر عن غيب قلوبهم وأخبر عما سيحدث لهم من تعذيب مرتين فى الدنيا ، ثم عذاب عظيم فى الآخرة ، بمعنى أنهم سيموتون كافرين بلا توبة ، وسيظلون سادرين فى كفرهم الى النهاية .

2 : ومنه غيب مستقبلى تحقق سريعا ، منه :

2 / 1 : قوله جل وعلا ( سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) البقرة ) . أخبر رب العزة جل وعلا عن قول سيقال ،ووصف أصحاب هذا القول بأنهم سفهاء ، وقالوها وإستحقوا أن يكونوا سفهاء .!.

2 / 2 : ومنه تساؤل أخبر رب العزة جل وعلا أنه سيقال عن عدد أهل الكهف ، ونزلت الاجابة مقدما : ( سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22) الكهف ) .

2 / 3 :  ومنه ما سيحدث منهم من قول وفعل فى مناقشة قادمة : (  وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (51) الاسراء) .

2 / 4 : ويدخل فى ذلك الإخبار عن مواقف الصحابة المنافقين ، مثل قوله جل وعلا : (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95)  التوبة ) (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)  التوبة ) .

3 ـ ومنه غيب قرآنى عن المستقبل وهو صالح للتكرار . فمن الغيب المستقبلى ما جعله رب العزة جل وعلا شيمة للكافرين الذين ينفقون أموالهم فى الصّدّ عن سبيل الله ، وهو غيب ينطبق على أجيال قادمة من الكافرين يظلون ينفقون أموالهم فى الصّدّ عن القرآن الكريم ويخسرون الدنيا والآخرة ، تدبر كلمة ( فسينفقونها ) فى قوله جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)  الانفال  )، وهى تنطبق على الوهابيين البتروليين فى عصرنا ، وقد أنبأ بهذا رب العزة جل وعلا من 14 قرنا ، وسيظل هذا عاملا فى المستقبل ، فالشيطان لا يقدم إستقالته .!!.

4 ـ فى كل الأحوال فللقصص القرآنى خصائصه التى تميزه عن الكتابة التاريخية الملتزمة بذكر أسماء الأشخاص وزمانه ومكانهم . القصص القرآنى يركّز على العبرة ، ولا يهتم بتلك التفصيلات التى تربط الأحداث بالزمان والمكان والأشخاص . وإذا كان مستحيلا على التأريخ البشرى أن يسجل المستقبل الذى لا يعلمه إلا اله جل وعلا ــ عالم الغيب والشهادة ، فإن التأريخ الشرى للحاضر ـ إن صدق ـ فهو فى إطار الحقيقة النسبية التى تحتمل الصدق ( نسبيا ) والكذب ( نسبيا ) . وهذا غير الحق المطلق فى القرآن الكريم فى كل ما يخبر به من غيب ومن قصص ومن تشريع . والغيب القرآنى ينفذ الى تصوير السرائر وتسجيل الأقوال والأفعال والمؤامرات الخفية التى يعجز التأريخ للبشر عن أيرادها بصدق . ومع أنه لا يذكر الأسماء فهو يصوّر الشخصيات لتكون نماذج إنسانية للكافرين والمنافقين والصالحين والملأ الظالم ، بحيث ينطبق غيب القرآن فى القصص على عصرنا وما سبقه وما سيأتى بعده .  

5 ـ وننصح بقراءة متدبرة لسورة يوسف ( مثالا لغيب القصص الماضى ) وسورة التوبة التى سجلت تاريخا معاصرا للنبى وسكان المدينة قبيل موت النبى عليه السلام . لن ترى فيهما إسما من الأسماء ، بل تصويرا لنماذج بشرية ، لا يقتصر على الأقوال بل الحركات وغيب القلوب .  

اجمالي القراءات 16560