طب الفقراء
فى حياة كل واحد منا من الطبقات الوسطى والدنيا تجارب طبية لجأ لها لأسباب ما معظمها مالى وفى العصور الماضية كان الأمر نفسه وألفت كتب لطب الفقراء منها كتاب الرازى من لا يحضره الطبيب ومنها كتاب لعطار يهودى يدعى شمعون وكتاب تذكرة داود وغيرهم
كل من لا يجد مال أو لديه سبب أخر لعدم الذهاب للطبيب مثل توفير وقت لعمل ما يجرب ما يعتبره شيئا سريعا من أدوية يعرفها أو حتى لا يعرفها فيتناولها ظنا منه أنها قد تشفى
فى السنة الأخيرة أصيب أحد أصابعى بتقيح داخلى بجانب الظفر وهذا التقيح يسبب ألما شديدا يسميه العامة النتش حيث يصعد الألم وينزل بجانب الظفر وقد عالجته بمرهم من المراهم المعالجة لتلك الحالات ولكنه لم يشف الألم هذه الحالة أصبت بها من قبل عدة مرات عبر سنوات عمرى وكان علاجها لدى هو خرم جلد المنطقة بإبرة وتصفية ما بها من قيح ولكن لما حكيت لأحد زملاء العمل قال أنه أصيب بنفس الحالة وذهب للطبيب عدة مرات فكتب مضاد حيوى ومرهم ولكن الحالة استمرت كما هى بعد تناول المضاد ودهن المرهم وعندما ذهب للصيدلى فى المرة الأخيرة وحكى له نصحه أن يضع إصبعه داخل حبة طماطم لمدة خمس دقائق وبالفعل نجحت الطماطمية فيما فشلت فيه الأدوية فقد قضت على الألم وشفت الإصبع
وبالفعل نفذت مقولة حبة الطماطم فى المرتين ولكن لمدد أطول من الخمس دقائق وكانت النتيجة هى شفاء الإصبع وزوال الألم وبعد أيام تقشر بعض الجلد حول الإصبع وذهب القيح دون خروجه من اًلإصبع
فى حياتنا الريفية منذ عقود كانت الأطباء فى الريف نادرى الوجود والذهاب للمدينة حيث الطبيب أمر مكلف خاصة عندما يتعلق الأمر بأمور بسيطة كالجروح والكدمات والبرد فمثلا كان العلاج السريع للجرح هو تبول صاحبه على الجرح وكان الجرح بسبب ذلك يتجلط الدم فيه بسرعة ويندمل بسرعة
جربت هذه الطريقة فى احدى السنوات القريبة ولكن اتضح لى أن الملح المجروش الذى كان نستعمله أيام زمان كان مفيدا أكثر من الملح الذى يسمى ملحا نقيا والذى نشتريه حاليا فى أكياس مزينة
البرد خاصة فى منطقة الظهر أو الصدر كان يعالج بطريقة الأكواب كوب زجاجى أو معدنى يتم كبسه بطرق معينة وللحقيقة لم أجربه وإنما جربته زوجتى وكان مفيدا
هناك أمور استعملتها فى حياتى ففقاقيع الماء التى كانت تظهر فى باطن قدمى بسبب اللعب حافيا فى الصغر فى درجات الحرارة العالية كان علاجها السريع عندى هو خرمها بالإبرة وتصفية ما بها والدوس عليها بقوة عند السير وهو ما كان يعجل بالشفاء السريع
اذكر أنه أصيبت بنت إحدى قريباتى بمرض جلدى عجز طبيب الأمراض الجلدية عن أن يعالجه فى البلدة وكذلك أطباء المدينة المتخصصين ولكن قريبتى ظلت تبحث عن علاج خارج دائرة الطب الرسمى حتى دلتها إحدى النساء والتى يسمونهم العرب وهم بالأحرى رحل يرعون الأغنام وما شابهها على نبات ينمو على أطراف الترع وهو نبات شوكى نسيت اسمه له ثمرة لها أشواك وطلبت منها هرس بعض الثمار فى قماش وضغطها لإنزال العصارة التى كانت تدهن بها جلد الابنة وبالفعل نجحت التجربة وشفى المرض الذى عجز الطب الجلدى الرسمى عن علاجه
فيا ليت كل من لديه تجربة طبية من طب الفقراء يكتبها هنا أو فى مكان أخر فللأسف فى بلادنا مقبلون على أيام لا يعلم مدى سوءها سوى الله فالمجرمون الذين يحكمون بلادنا أكثروا من فجورهم ويريدون موت شعوبهم بالبطىء أو يريدون مزيد من أخذ المال لكى يعيشوا هم فى النعيم والترف بينما يجد الفقراء طعام يومهم بالكاد
التأمين الصحى هو الأخر مصيبة تجعل الكثير من الموظفين خاصة فى الريف لا يذهبون إليه فمثلا من لديه احتقان بالحلق عليه أن يدفع ثمن مواصلات أكثر من ثمن شريط الدواء المضاد الحيوى الذى يشتريه من الصيدلية ويتناوله دون ذهاب للطبيب ففى التأمين لا يوجد كشف طبى فمعظم الكشوف عبارة عن كلام المريض للطبيب وبناء عليه يكتب الطبيب الدواء فمثلا مطلوب من طبيب التأمين أن يكشف على مئات الحالات فى ستة أو أربع ساعات فلو انه ارقد كل منهم على السرير وقاس الضغط والحرارة وكشف بالسماعة فإنه لن يكشف سوى على عشرين أو ثلاثين حالة بينما يتبقى باقى المرضى للغد وما بعده
هو نافع فقط فى العمليات الجراحية التى تتطلب مالا لا يوجد عند كثرة أو معظم الموظفين
والعملية الوحيدة التى أجريت لى كانت فى التأمين الصحى كانت نهارا سعيدا لم أشعر بها ولكن فى الليل كانت أسوأ ليلة قضيتها فى حياتى فى المستشفى فلا طبيب ولا ممرض ولا ممرضة فالاحساس الرهيب بالألم فى منطقة العملية والرغبة فى التقيؤ بسبب مادة اليود المركز والرغبة فى التبول وعدم نزول البول جعلتنى أترك الحجرة للبحث عمن يعطينى مسكن أو منوم فى المشفى وخرجت من الحجرة باحثا فى طرقات المشفى عن أى أحد فلم أجد لا فى حجرة الأطباء ولا الممرضات أحد متيقظ ولا حتى نائم فعدت أدراجى للحجرة وكان بجوارى رجل على سرير الحجرة الثانى مكسور الكتف ومربوط فسألنى عما بى فأجبته فقام الرجل من مكان وأحضر لى علبة صفيح من علب السمن وقال لى تبول فيها وعبثا فعلت فلا تبولت ولا تقيأت ولا توقف الألم وظللت ساهرا طول الليل حتى جاءت أمى وخالتى فى الساعة السابعة صباحا وأحضرتا الممرضات
وفى احدى المشافى العامة كنت ذاهب لزيارة أحدهم وكان هناك احدهم مصاب بقطع فى وتر فى يده وكان يصرخ كل دقيقة والممرضات كل عدة دقائق يقولون أن الطبيب قادم ومن كثرة البكاء والتأوه صاحبه كان يتوسل للممرضات ومن كثرة تأوه صاحبه بدأ الصاحب يصرخ فى الممرضات طالبا الطبيب ولكن الرجل لم يأت فطلبوا الأمن له وجاءت الشرطة وطوال ساعتين أو أكثر والرجل يصرخ والطبيب لم يأت ولم يكلف أحد نفسه من الأطباء الأخرين بالمجىء رغم أن صراخ الرجل كان يتجاوز الدور الذى كنا نحن فيه
بالقطع هذا ما نواجهه فى المستشفيات العامة ومستشفيات التأمين الصحى فى الغالب