لمحة عامة عن السلفيين فى مصر :( 1926 ـ وحتى الآن )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٧ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

لمحة عامة عن السلفيين فى مصر :( 1926 ـ وحتى الآن )

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية.  ج 2 الوهابية

الباب الخامس : السلفية الوهابية فى مصر

الفصل الأول : لمحة عامة عن السلفيين فى مصر : ( 1926 ـ وحتى الآن )

أولا : مقدمة بين الاخوان والسلفيين :

1 ـ قلنا إن شجرة الاخوان المسلمين زرعها عبد العزيز آل سعود فى مصر عن طريق عملائه فى مصر. بدا بالسلفية وأبرز زعمائها رشيد رضا  ، ثم أنصار السنة ، والشبان المسلمين ، ثم أخيرا الاخوان المسلمون عام 1928.  وذلك بعد أن قضى عبد العزيز على (الإخوان النجديين ) التابعين له والذين أنشأ بهم ملكه. وإثناء الصراع بينه وبين الآخوان ( النجديين )، وبمجرد الاستيلاء على الحجاز ومكة وشعيرة الحج استقطب له أنصارا من مصر ، وعمل مبكرا فى وجود الاخوان النجديين على إقامة ( إخوان ) آخرين فى مصر ، فتحولت الجمعية الشرعية المصرية الى الوهابية عن طريق شيخها الشيخ السبكى ، وأنشأ عملاء عبد العزيز له ( أنصار السّنة ) و( الشبان المسلمين ) لنشر الوهابية ، ثم إختير ( حسن البنا ) من داخل الشبان المسلمين لتولى تأسيس ( الاخوان المسلمين ). ليعوّض بهم رفاقه المشاكسين ( الاخوان النجديين ) ، وليستغلهم فى الوصول لحكم مصر لتصير مصر عمقا تابعا له ولأسرته.  

2 ـ مع إتحاد الاخوان والسلفيين فى الدين الوهابى إلا إن الهدف الأول للإخوان هو الوصول للحكم ، وما يستلزمه هذا من صراع ونفاق وإزدواجية الخطاب . على العكس من ذلك ، يمتاز معظم السلفيين الدعاة بالصراحة فى التعبير عن معتقداتهم الوهابية فى أنهم الممثلون لله جل وعلا والمحتكرون وحدهم للاسلام ، وبالصراحة فى رفض المختلف معهم دينيا ومذهبيا وسياسيا وفى اعتبار الديمقراطية كفرا . وحين عملوا مؤخرا بالسياسة كانت محاولة كبح جماح صراحتهم وتعليمهم التقية والنفاق وإخفاء أنيابهم مرحليا حتى الوصول للسلطة، ومع ذلك فإنه لا تزال فلتات لسانهم تفضح حقيقة توجهاتهم السياسية والدينية . وحتى الآن فالاخوان المسلمون ورثوا وتعلموا من رائدهم حسن البنا أصول النفاق ، وتميزوا بهذا عن السلفيين المصرين . السلفيون المصريون  ـ فى معظمهم ـ عاشوا وتعايشوا على حفظ رسائل ابن عبد الوهاب وابن تيمية وابن القيّم فى إنفصال تام عن الحاضر .

3 ـ فى عصر مبارك أتيح لهم التوسع والانتشار واخترقهم ( امن الدولة ) واستغلهم فى أعماله القذرة . لم يعملوا بالسياسة ولم يتعلموا حنكة الاخوان ودهاءهم ونفاقهم . وبعد أن تحرروا من سيطرة ( أمن الدولة ) بسقوط مبارك ظهروا مرة واحدة فى المشهد السياسى المصرى. وبعضهم تعلم الارهاب على ايدى العسكر حين خدم العسكر ، أو بسبب تعذيب العسكر .

4 ــ ونعطى لمحة سريعة

أولا : بين الاخوان والسلفيين

1 ـ فى سياسته فى التجميع كان السلفيون أهم مجموعة يبدأ بها حسن البنا، خصوصا وقد بدأ بهم أول إتصالاته ، وكسب ثقة رشيد رضا ، وتولى بعده رئاسة المنار ، وإكتسب ثقة محب الدين الخطيب ، وبعد موته قال عنه محب الدين الخطيب : ( إن الأستاذ حسن البنا أمة وحده ،وقوة كنت أنشدها في نفس مؤمن فلم أجدها إلا يوم عرفته ...وكنت (ابن صنعة) يوم اكتشفت بيني وبين نفسي حاجة الاسلام إلى هذا الداعية القوي ، الصابر المثابر،الذي يعطي الدعوة من ذات نفسه ماهي في حاجة إليه من قوة ومرونة ولين وجلد وصبر وثبات إلى النهاية . وكثيرًا ما كنت أفكر في هذا الجيش اللجب من الإخوان المسلمين ومالهم من مئات الشُّعَب وكيف استطاع رجل واحد أن يحقق ذلك بعد أن كان أملاً بعيدًا لكل غيور على الإسلام  ).

2 ـ وأتيح لحسن البنا أن يقود فصيلا من السلفيين من خلال اشرافه على مجلة المنار بعد موت رشيد رضا. وإستطاع ان يجتذب كثيرا منهم الى جماعته الاخوان . وإنتشر الاخوان وتشعبوا داخل مصر وخارجها ، وكان السلفيون الأكثر إنتشارا بسبب تخففهم من العمل السياسى وتركيزهم على الدعوة الوهابية باسم الاسلام . دخل الاخوان فى صدام مع مصر الليبرالية ثم مع مصر العسكرية من عبد الناصر وحتى الآن ، بينما كان السلفيون يتغلغلون فى مصر بآلاف الجمعيات ومئات الالوف من المساجد تحت شعار الاسلام و ( الكتاب والسنة ) .

3 ـ  وبينما نشب الخلاف وتم الطلاق بين السعودية والاخوان فإن السلفيين حظوا برعاية السعودية بسبب ولائهم للسلطان القائم وتفرغهم للدعوة ،فتقاطر عليهم التمويل من السعودية والخليج ، ونشطت تجارة إقامة المساجد  الوهابية ، واصبحت وسيلة هامة فى تكوين الثروات ، وصارت مساجد إستثمارية ، تتكون من مستشفى ودروس خصوصية و محلات تجارية .

4 ـ عبد الناصر لم يتعرض للسلفيين حين عصف بالاخوان فى الخمسينيات وفى الستينيات ، لأنه لم يشعر بالخطر منهم ، بل ترك تنظيماتهم الدعوية تعمل بنشاط دون تحجير ، ولهذا ظلت الجمعية الشرعية وأنصار السُنّة تعمل فى عهد عبد الناصر العروبى ( العلمانى ) المعادى للسعودية .

5 ــ ثم دخلت الوهابية فى انقلاب خطير فى عصر السادات وتحالفه مع السعودية والاخوان والسلفيين معا. أراد أن يركبهم جميعا بإعتباره الرئيس المؤمن الذى يتشبه يتشبه بالخليفة عمر بن عبد الخطاب . وكان مجلس الشعب على وشك إقرار ( الشريعة الوهابية ) تحت مسمى الشريعة الاسلامية ، ومنها ( حد الردة ) . وظهر قادة وهابيون جُدُد ، إشتهروا فى عصر السادات ، كان منهم الشيخ  الاخوانى صلاح أبو إسماعيل ( 1927 : 1990 ) ، الذى   سادت شهرته طيلة عصر السادات وحتى عصر مبارك . وفى نضاله ضد العسكر كان ينجح فى الانتخابات رغما عنهم بسبب شعبيته الكبيرة والانتشار الهائل للسلفية الوهابية. وبعد موته ورث شهرته ابنه حازم الذى تحالف مع الاخوان ، وأرتكب أعمالا ارهابية فى فترة الاضطراب التى جاءت بعد عزل مبارك . شهرة صلاح ابو اسماعيل وابنه حازم من بعده تعطى مؤشرا على علو النفوذ السلفى . فليس لهما تميز علمى ، سوى الشهرة فى خطاب العوام .  

6 ــولم يمنع الصدام بين السادات والاخوان تراجع النفوذ السلفى ، بل زاده توسعا بسبب حاجة السادات للأزهر والسلفيين حتى يحتفظ بمسحته الدينية فى مواجهة خصومه من اليساريين والماركسيين والقوميين العروبيين . كان السلفيون ينتشرون بمساجدهم وتنظيماتهم فى العمران المصرى فى كل مدينة وكل قرية وكل حىّ . وأتيح لهم ــ مع الاخوان ــ السيطرة على التعليم والاعلام والأزهر والأوقاف ، بإعتبارهم انهم ( الاسلام ).  وفى عصر السادات إنبثقت من الوهابية تنظيمات مختلفه وأطياف متنوعة من الجهاد والجماعة الإسلامية وازدهرت حركات مختلفة. وحين تصدى لهم قتلوه .  

7 ـ بعد إغتيال الاخوان للسادات ومجىء مبارك وضع أمن الدولة المصرى عينيه على الجماعات السلفية ،فهى التى تمثل ( الاسلام ) من وجهة نظر المجتمع المصرى ، وليس لها  طموح سياسي ، بل هى تعمل فى خدمة أمن الدولة ليتمتع قادتها بالثروة والسلطة فى عصر الفساد الذى تغلغل فى مصر بتغلغل السلفية فيها . وصار ملحوظا هذا التناغم بين إنتشار الفساد وإنتشار التدين السطحى بفعل الوهابية السلفية وإحترافها الدينى . وبينما حارب مبارك  الأخوان وما ظهر وما بطن من تنظيماتهم فقد سيطر امن الدولة على الجسم الأكبر للدعوة الوهابية ، وهو الجمعيات السلفية   .وبالتمويل السعودي والدعم المصري تمدد وتشعب التيار السلفي الدعوى أكثر وأكثر ، وانتشرت تنظيماته وتكاثرت مساجده بالآلاف ، وتسلل إلى الأزهر والتعليم والأعلام والنوادي .. وبتأثيرهم انتشر الحجاب والنقاب ، ووقع الأضطهاد على أهل القرآن لمجرد أنهم يواجهون الوهابية من داخل الإسلام ، بل وتفرغ التيار السلفي لمطاردة المفكرين العلمانيين بمحاكم التفتيش أو " الحسبة " ومطاردة الأقباط ،

8 ـ إقترف السادات خطايا عُظمى : التحالف مع الوهابية والسعودية ( محور الشّر ) دون أن يدرك خطورة اللعب مع العقرب الوهابى ، هذا لأنه أراد أن يستمر فى الحكم الى النهاية ، بإعتباره الرئسس المؤمن الذى يحرم عزله . لذا قام بتغيير الدستور ليمنحه أن يظل رئيسا مددا بلا تحديد ، وأرضى الوهابيين المصريين بالنصّ على مبادىء الشريعة ( الاسلامية ) مصدرا للتشريع ، وأعطى للرئيس فى الدستور سلطة مطلقة دون مُساءلة ـ بنفس شريعة الوهابيين . ولأنه حين كان نائبا لعبد الناصر فقد تآمر على جمال عبد الناصر وإغتاله لصالح السعودية، فقد كان حريصا على أن يكون نائبه بلا لون ولا طعم ولا رائحة ، خاليا من أى طموح ومن أى موهبة ، فإختار حسنى مبارك . بهذه الخطايا العظمى الثلاث وصل مبارك الى الحكم بعد أن شارك فى قتل السادات بيد خالد الاسلامبولى وفرقته . وصل مبارك للحكم ومعه دستور يعطيه الحق فى الترشح للرئاسة والبقاء فى الحكم طالما ظل على قيد الحياة ، وان يمارس سلطته دون مساءلة . رفض مبارك من البداية والى النهاية تعيين نائب له حتى لا يتآمر هذا النائب على حياته بمثل ما فعل السادات مع عبد الناصر وبمثل ما فعل هو مع السادات . تعاون مبارك مع فريق من الوهابيين فى إغتيال السادات وخوفه من الاخوان المسلمين جعله يركز على إستمالة السلفيين والدفاع عن الوهابية فى نفس الوقت الذى يضطهد فيه الاخوان ومن ينتقد الوهابية أيضا .

9 ـ فى هذا السياق وصل التعاون بين جهاز أمن الدولة فى عهد مبارك والسلفيين الى مرحلة خطيرة ، إذ استغلهم أمن الدولة في احداث القلاقل التي تبرر تمديد قوانين الطوارئ .

وبتسلل امن الدولة إلى جسم الحركة السلفية امكن إنشاء تنظيمات مختلفة تعمل لصالح الأمن. بل نجح الامن في عقد صفقة مع زعماء المساجين من الجماعة الإسلامية والجهاد فيما يعرف بالمراجعة الفكرية وبها يتخلون عن " العنف " والعمل السياسي وطريق الاخوان ويتراجعون إلى المربع الأول أي الدعوة ، أي معسكر السلفية التى تعمل في خدمة امن الدولة وتنظيماتها السلفية السرية ، ومنها ما يتولى لأمن الدولة تنفيذ العمليات القذرة ، مثل تفجير كنيسة القديسين في الأسكندرية ،وتفجيرات شرم الشيخ في سيناء.

ثالثا:بعد سقوط مبارك

1ـ سقط مبارك وسقط أمن الدولة وظهر جسم الحركة السلفية متحرراً من سيطرة الأمن ،  يملك التوسع والأنتشار والنفوذ بين العوام والأزهر والأوقاف والتعليم والأعلام ، وأهم من ذلك ملايين الأتباع والأنصار في القرى والنجوع والأحياء الشعبية ، وظهر تأثيرهم السياسى واضحا يشير إلى طموح سياسي انطلق فجأة يستثمر الوضع القلق بعد عزل مبارك وحالة السيولة التي تعيشها مصر وقتها ـ مع انفلات أمنى ، وهذا فى وقت مفصلى بين غروب دولة بوليسية وملامح فوضى متفرقة ومظاهرات ومطالب فئوية ، ومجلس عسكري لم يكن أعضاؤه جاهزين لإدارة دولة مدنية ، وبقايا أمن الدولة ونظام قديم لا يزال يعمل في الظلام لإسترداد ما سبق  أو حتى على الأقل للإفلات من العقاب بإيقاع مصر في الفوضى ، والسبيل إلى ذلك أن يتعاون العسكر وبقايا نظام مبارك مع البلطجية ومتطرفي السلفيين لإحداث فوضى بتدمير الكنائس أو الأضرحة . وهذا ما كان .

2 ـ فى هذه الفترة تحتم على السلفيين العمل ، إمّا مع الاخوان أو العسكر . زعماء السلفيين الحاليين هم صنائع أمن الدولة ، وقد تربوا على التعامل مع أمن الدولة في عصر مبارك طيلة ثلاثين عاماً.لذا إختار السلفيون التعاون سرا مع العسكر ضد الاخوان ، وخدعوا الإخوان . وضاع الاخوان وإحتل السلفيون مكانهم ، وعادوا الى سيرتهم الأولى أدوات للعسكر فى قهر الشعب المصرى .

3 ـ الخطورة هنا ان عمل بعض السلفيين مع أمن الدولة وقيامهم بأعمال ارهابية لصالح دولة العسكر أدخل أولئك السلفيين فى مربع الارهاب ، أو ممارسة السياسة بالمفهوم الارهابى العسكرى والاخوانى . لم يعودوا دُعاة بل إرهابيين . فصيل آخر من السلفيين لعب فى المربع الرمادى بين الاخوان والسلفيين فتعرض للسجن والتعذيب فخرج ناقما ، ورضى أن يتعاون مع الأمن أو أضمر الكيد للأمن ، وبالطريقين ترك الدعوة وأصبح إرهابيا محترفا ، زالت الفوارق بينه وبين الاخوان المسلمين الارهابيين .

4 ــ وتنوقف مع أهم الجمعيات والجماعات السلفية فى مصر .

اجمالي القراءات 8201