المقال التاسع : ما لم يعرفه الغرب عن : (الزمن )
لوتدبّرالغربالقرآنلتغيرتاريخالعالمفىالرقىالحضارىوالتقدمالعلمى:
أولا : الزمن وخلق السماوات والأرض :
1 ـ لم نشهد خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسنا . قال جل وعلا : ( مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51 ) الكهف )، ولكن نعلم أن الله جل وعلا خلق هذا العالم (السماوات والأرض وما بينهما ) من لاشىء . وهذا معنى ( فاطر السماوات والأرض ) قال جل وعلا :( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر) .
2 ـ ونتصور أن الله جل وعلا خلق الزمن من لاشىء ، جعل منه نوعين :
2 / 1 : الزمن المتحرك ، وبه حدث ( الانفجار الكبير ) ( Big ban)، وتكون منه السماوات والأرض وما بينهما تجرى خلال زمن متحرك الى أن تصل الى النهاية او القيامة أو الساعة ، أى تنتهى بأجل محدد مسمى أو تمت تسميته من قبل . عن هذا الأجل المسمى يقول جل وعلا : ( مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى (8) الروم ) (مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) (3) الاحقاف ).
2 / 2 : الزمن الخالد ، (اليوم الآخر) .حيث لا يوجد ماضى ولا حاضر ولا مستقبل .
ثانيا : الزمن المتحرك فى هذه الدنيا
1 ـ أبرز مثال على زمننا المتحرك أن تسأل نفسك : أين ذهب الأمس ؟ أين ذهبت الساعة الماضية ؟ قال جل وعلا :( وهو الذى جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) ( الفرقان 62 ). أنت تسير فى قطار زمن لا يتوقف ، تركبه فى محطة الولادة وتغادره فى لحظة الموت ، ومثلك كل نفس بشرية ، تولد وهى تحمل زمنها المقدر لها ، وبإنتهائه تعود الى البرزخ الذى أتت منه . تتعاقب علينا الأيام والليالى نمرُّ بها لتصبح خلفة ، أو ماضيا ، وبسرعة لا نتخيلها يتحول الحاضر الى ماضى والمستقبل الى حاضر فماضى ، وقد إكتشف العالم عوالم ما بعد الفمتوثانية فى هذا العالم المادى ، وما وراءه من عوالم البرزخ ( أو أكوان السماوات والأرض ) أعظم . .
2 ـ هذا الزمن المتحرك هو أزمان مختلفة ، ليس فقط فيما نعرف من اختلافات الزمن بين كواكب المجموعة الشمسية ، أو بين نجم الشمس وكواكبه والنجوم الأخرى فى مجرة درب التبانة ، أو بين مجرة درب التبانة ببلايين نجومها وبلايين المجرات الأخرى فى الكون ، ولكن أيضا بين هذا الكون المادى والبرازخ الست للأرض وما يتخللها وما يعلوها من برازخ السماوات السبع . إختلاف الزمن بين البرازخ وبين زمننا الأرضى يظهر فى قوله جل وعلا( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل )فالأمر الالهى بقيام الساعة صدر فى زمن برزخى ، ولكن الدورات الزمنية الأرضية والسماوية لم تصل بعد الى وقت حدوث هذا الأمر . لهذا قال ( لا تستعجلوه ) وحين نصل اليه سيتم تدمير الأرض المادية وكونها المادى وبرازخها وبرازخ السماوات السبع ، وأزمانها المختلفة المتحركة المختلفة ويأتى زمن آخر فى ( اليوم ) الآخر ، زمن خالد ليس فيه ماض ولا حاضر ولا مستقبل . زمن لا ندرى طبيعته.
3 ـ ( اليوم ) كوحدة زمنية تختلف من مستوى الى آخر . نحن نعرف ( اليوم ) فى أرضنا بليله ونهاره ،ومذكور فى القرآن الكريم اليوم الأرضى ، وفى تشريع الحج يقول جل وعلا : (وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ( البقرة 203 )، ومذكور فى القرآن الشهور والأعوام بالحساب الأرضى .
ولكن هناك أيام ستة تم فيها خلق السماوات والأرض : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) ( الحديد 4 )، وفى مستوى آخر منها تنوعت الأيام حسب المستويات ، قال جل وعلا : (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ( فصلت 9 : 12 )
4 ـ فيما يخص تدبير الله جل وعلا للملكوت وتصريفه فينا فهناك إختلاف الزمن بين ( يوم ) عند الله جل وعلا وزمننا الذى نعرفه ، قال جل وعلا : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج ) ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة ).
وفى مقال للدكتور منصور حسب النبي في الأهرام ( 11/5/1995 ) قام بتفسير علمي لقوله تعالى " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ : السجدة : 5" , " وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ : الحج : 47 " فقال إن العبارة القرآنية " مما تعدون " أي بالحساب البشرى , أي بالزمن الأرضي.
وعليه فإن المسافة التي يقطعها الأمر الكوني في زمن يوم أرضي تساوي في الحد والمقدار المسافة التي يقطعها القمر في مداره حول الأرض في زمن ألف سنة قمرية بحساب أهل الأرض . وبحل هذه المعادلة القرآنية ينتج لنا أن سرعة هذا الأمر بالحساب الأرضي يساوى بالضبط سرعة الضوء فى الفراغ أي186 ألف ميل في الثانية أو 299792.5كم /الثانية وفي نفس المقال يقول د. منصور حسب النبي أن معادلات اينشتاين تنبأت قبل نظرية الأوتار الفائقة باحتمال تجاوز سرعة الضوء لجسيمات افتراضية غيبية ذات كتلة تخيلية تسمى التاكيون . كما تنبأت نظرية الأوتار الفائقة بوجود كون آخر سداسي الأبعاد متداخل مع كوننا الرباعي الأبعاد والسرعة فيه تفوق سرعة الضوء ولكنها لا تخضع لقياسنا .
5 ـ وبعد إكتشاف ( نظرية الأوتار الفائقة ) بدأ الحديث عن الأكوان المتوازية ، وهى ما نسميها البرزخ .وحين ننام تنتقل النفس الى البرزخ مؤقتا ، وحين نموت تنتقل النفس الى البرزخ ، وتظل فيه حتى البعث للجميع . وقد اشار رب العزة الى إختلاف زمن البرزخ عن زمننا . فأهل الكهف ناموا وظلوا فى نومهم ثلثمائة سنين وإزدادوا تسعا ، وحين إستيقظوا ظنوا أنهم ناموا يوما أو بعض يوما . ( الكهف : 19 ، 25 ) . وهناك شخص أماته الله جل وعلا أو ( أنامه ) مائة عام ثم بعثه أو أيقظه ، فظن أنه لبث يوما أو بعض يوم : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ) (259) البقرة) . وحين نموت وتعود النفس الى برزخها ، ثم عند البعث نستيقظ ونظن أنه مرّ علينا يوم أو بعض يوم . ( النازعات 46) .
6 ـ هناك اليوم ( الآخر ) بزمنه الخالد ، والمختلف عن ( يوم ) هذا العالم . مدة (هذا اليوم ) الذى تستمر فيه هذه الحياة الدنيا بأرضها وسماواتها وبرازخها ـ هى خمسون ألف سنة بالتقدير الالهى . وهذا ما جاء فى سورة المعارج ، وفيها مقارنة بين يوم الدنيا ( الذى نعيشه ) واليوم الآخر ، الذى سننتهى اليه . مقدار يوم الدنيا خمسون ألف سنة بالتقدير الالهى. يقول جل وعلا : ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَرَاهُ قَرِيباً (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) المعارج ).
خلال هذه الخمسين ألف عام تحركت السماوات والأرض وما بينهما من ساعة الانفجار الكبير نحو النهاية . وكل مخلوق له زمنه ، من البشر والملائكة والنجوم والمجرات ، وفيها تعرج الملائكة بهذا الكون من سماوات وأرض وبرازخهما الى رب العزة ، وحين ينتهى هذا اليوم لهذا العالم ذى الخمسين ألف سنة بالتقدير الالهى ، تقوم الساعة ، ويتدمر العالم ، بأسرع من سرعة الضوء ، يقول جل وعلا بأسلوب التشبيه : ( وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) القمر ) (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) (77) النحل ) .
ثالثا : اليوم الآخر ذو الزمن الخالد
1 ـ تأتى أرض جديدة وسماوات جديدة بزمن خالد ، يقول جل وعلا : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )( ابراهيم 48 ) ، وتكرر الكلام عن الخلود في اليوم الآخر، مثل قول رب العزة جل وعلا : (خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ)آل عمران:88 ) (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)آل عمران:107 ) .
2 ـ الغريب أن مفردات الحديث عن ( اليوم الآخر ) كلها مفردات زمنية . مثل ( اليوم الآخر ) ( يوم القيامة ) ( يوم البعث ) ( يوم النشور) (يوم الحساب) ( الساعة )..الخ. ونكتفى بمثال ، يقول جل وعلا : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) الروم ) . هنا إستعمالان لكلمة ( الساعة ) . الساعة بمعنى وقت تدمير العالم وما يعقبه من بعث ، و ( الساعة ) التى نعرفها ، وهو بعض اليوم .
3 ـ لهذا نتصور أن الله جل وعلا فطر ( الزمن ) من لاشىء ، ومن قطعة منه خلق هذا العالم بزمن متحرك ، مدته خمسون ألف عام بالتقدير الالهى . بعده تأتى الساعة باسرع من الضوء ، فيتدمر هذا العالم ويحل محله اليوم الآخر بزمن خالد ، وعذاب خالد أو جنة خالدة .
4 ـ وما أضيع من يعيش حياته الدنيوية المتحركة فى عصيان ، ثم يأتى فى اليوم الآخر الخالد ليعيش فيه فى عذاب لا تخفيف فيه ولا خروج منه .