فى محنة تغيير النفس الى الأفضل

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٣ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

فى محنة تغيير النفس الى الأفضل

أولا : تجربة فى الصمود والتصدّى

1 ـ منذ أربعين عاما ( 1977 ) وقف الأزهر بزعامة شيخه د عبد الحليم محمود ضدى ، كنت مدرسا مساعدا ، وقدمت رسالتى عن أثر التصوف فى مصر المملوكية ، وكانت أخطر رسالة تفضح أولياء التصوف المقدسين فى مصر ، وإعتبرها شيخ الأزهر عبد الحليم محمود إهانة له ولآلهته ، وأصدر أوامره بأن أغيّر ما أكتب ليكون مدحا لأولياء التصوف وتبريرا لما فعلوه وتأويلا لكفرهم على نحو ما يفعله المتخصصون فى التصوف فى جامعة الأزهر . ورحب المشرف على الرسالة بموقف عبد الحليم محمود ، إذ كان فى محنة معى ، لا يستطيع إقناعى و ليست لديه حُجة علمية . والشيوخ فى الأزهر يحرصون على أن يكون تلامذتهم أجهل منهم ، ليستروا جهلهم . وكانت رسالتى فى الدكتوراة حادة النبرة ولكن معززة بالأدلة التاريخية والقرآنية ومصادر التصوف نفسها . لكن حدتها فى النقد كانت تجعل جامعة السوربون نفسها تتحرج منها ، فكيف بمستنقع جامعة الجهل ( الأزهر ) . إستغاث المشرف بشيخ الأزهر عميد التصوف فى مصر وخارج مصر وقتها فأعلن فضيلته الحرب علىّ وأنا مجرد مساعد . كانوا يتوقعون أننى سأخاف ، ولكن صممت على ألاّ أغير حرفا مما كتبت . جاءنى التهديد بكتابة تقرير من سطرين من المشرف على الرسالة بأنى لا أصلح باحثا . وعندها يحولوننى من مدرس مساعد الى موظف إدارى بالكلية ، وهذا يعنى أن تأجيل التجنيد الذى معى سأفقده ، وسيتم تجنيدى فورا لأصبح مجندا بمرتب عشرة جنيهات ، وكنت متزوجا ولدى أسرة وملتزم بأعباء عائلية .

2 ـ  كان خيارا صعبا حسمته بسرعة حين سألت نفسى : هل الخصومة بينى وبينهم شخصية أم هى خصومة بسبب ما أكتبه دفاعا عن الاسلام ؟ إذن هى خصومة تتعلق برب العزة جل وعلا . أنا أدافع عن دينه وهم يخاصمون دينه جل وعلا . السؤال الثانى : هل هم يملكون رزقى أم هو رب العزة جل وعلا . الجواب معروف . ثم : هل سيتخلى عنى ربى جل وعلا ؟ بالتأكيد لا . الله جل وعلا قال : (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج ). السؤال الأخير : ماذا أفعل وهم الجبابرة المتحكمون فى مستقبلى كما يظنون ؟ . الجواب : الله جل وعلا غالب على أمره:  ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) يوسف ) ، وليس علىّ إلّا التمسك بالحق وبالصبر. الله جل وعلا قال : (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر ).

 قررت أن أتحدّاهم .إحتاروا فى فهم صمودى ، وجدوا الحل فى التفسير التآمرى ، قالوا إننى مدفوع من جهات أجنبية لهدم الاسلام وحرب الأزهر . عندها خافوا من إحالتى الى وظيفة إدارية . وانتصرت عليهم .

3 ـ تكرر نفس الموقف فى رمضان عام 1985 عندما قرر رئيس جامعة الأزهر وقفى عن العمل ووقف مرتبى ومستحقاتى المالية ومنعى من الترقية لاستاذ مساعد ومنعى من السفر وإحالتى للتحقيق . بسبب خمسة مؤلفات قررتها على الطلبة فى 11 كلية فى جامعة الأزهر. أرسل لى وفدا من أساتذة قسم التاريخ الذى أعمل به لابلاغى بهذا ، وطلبوا منى أن أمثل أمام لجنة التحقيق صباح اليوم التالى وأن اقول لهم كلمة واحدة : (إننى إجتهدت فأخطات ، ومن إجتهد فأخطأ فله أجر ) وينتهى الأمر ويتم رفع العقوبات  . رفضت وقلت لهم : قولوا لى خطئى أين . تكلموا عن رزق أطفالى، قلت لهم: ( لو أنهم يملكون رزقى لاتخذتهم آلهة ). صممت على التحدى ، وصمموا هم على ظلمهم . وعانيت الكثير . خصوصا فى ذلك الشهر رمضان فلم أكن مستعدا لوقف مستحقاتى المالية ، وعلىّ إلتزامات وبيتى مفتوح للضيوف . وأخذت رأى رفيقة العمر (أم محمد ) فقالت :( إنها تعرف أن أحمد صبحى منصور لا يتراجع عن الحق )  . وبهذا ضمنت شريكتى الى جانبى تتحمل معى  الصعوبات القادمة . وصممنا ألّا يعرف أحد بمعاناتنا المالية حتى لايشمت فينا خصومنا وهم حولنا ويتحسسون أخبارنا من قريتنا ( ابو حريز ) الى حى المطرية بالقاهرة .  وتوالت الصعوبات من السجن الى التشريد والتجويع ، وصمدنا . وتكوّن بهذا الصمود التيار القرآنى فى مصر بدءا من عام 1985 ، ودخل فى الانتشار خارج مصر ـ ولا يزال .

4 ـ هذه المعاناة فى الصمود كانت تغييرا إيجابيا فى نفسى . عرفت معنى التضرع فى الدعاء الى درجة البكاء ، أحسست بطعم مختلف فى صلواتى الخمس ، أحسست بمعنى أن أخاطب ربى جل وعلا أقول له ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وإزداد إيمانى بالقرآن الكريم ، وعكفت على تدبره من جديد بمنهج علمى فتكاثرت أبحاثى القرآنية والتاريخية. الضنك الذى أعاشونى فيه كنت أتغلب عليه بالتأليف ، أبحاثا وسيناريوهات درامية ، مع مقالات كانت تجد طريقا الى النشر فى أواخر الثمانينيات وفى التسعينيات .

5 ـ كنت بين خيارين عام 1977 وعام 1985 : الأول : أن أوافقهم وأنافقهم ، وفى هذا الحال سأكون من أبرز قيادات الجامعة وأكون مؤهلا لمنصب ( الإمام الأكبر ) لأنه لا يوجد فى الأزهر من يصل الى مهارتى العلمية . والذكاء فى البحث موهبة يمكن إستخدامها فى الاضلال أو فى الهداية ، ولو إخترت الإضلال الدينى والسياسى فلن يتفوق أحد علىّ ، وساكون قائدا للمُضلّلين لا يشق له غبار . الخيار الآخر : أن أختار التحدى والصمود والتمسك بالحق القرآنى والاصلاح . وهذا يستلزم تغييرا فى النفس يبدأ بما اسميه ( القدرة على الاستغناء ) فإستعددت لأصعب المحن .

6 ـ وإكتشفت من القرآن ما أسميته بالحتميات الأربعة ، وهى الخاصة بالميلاد والموت والمصائب والرزق . فالله جل وعلا وحده هو الذى حدد موعد ومكان مولدى وملامحى و أبى وأمى وأهلى ، وهو جل وعلا وحده الذى حدّد موعد وكان موتى ، وهو جل وعلا الذى يتحكم فى رزقى وفيما كتب لى من مصائب . وبالتالى لا توجد قوة فى العالم تُميتنى قبل الأوان أو أن تنقذنى إذا جاء الأوان ، ولو قدّر الله جل وعلا لى رزقا فلن يستطيع بشر منعه ، ولو قدر لى مصيبة فلن يمنعها عنى أحد ، وهو جل وعلا القائل : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) الانعام  ) . كل هذا هو قضاء الله جل وعلا وقدره ، وهو جل وعلا قد جعل البشر أسبابا فى حدوث الميلاد والموت والمصائب والرزق. ولكننا أحرار فى مشيئتنا دون أن نعلم الغيب . لنا  مشيئة و حرية الاختيار بين الطاعة أو المعصية و الايمان الخالص أو الكفر . ونحن مساءلون عن هذا الاختيار . إذا شئنا أن نزكى أنفسنا بالتغيير الى الأصلح أملا فى الجنة ورضى الرحمن جل وعلا فستقابلنا المصائب المكتوبة والرزق المقسوم كما هو ، ولكن سننجح فى إختبار التغيير الى الأفضل . إذا إخترنا الظلم اوالسكوت عن الظلم والخنوع فقد فشلنا فى الاختبار ، وسنأخذ المقدر سلفا لنا من الرزق والمصائب وموعد الموت .  

7 ـ  بالتالى فان المؤمن العاقل هو الذى يوطّد نفسه على التغيير الايجابى ، يزكى نفسه ويطهرها ويقف مع الحق والعدل مستمسكا بالصبر ، لا تأخذه فى الحق لومة لائم . بهذا هو لايغير نفسه فقط الى الأفضل بل يغيّر العالم حوله الى الأفضل . وفى النهاية هو سيأخذ المقدر له فى هذه الدنيا من مصائب وصحة ومرض ورزق وعُمر حتى يموت وقد ( وفّى ) المكتوب له من تلك الحتميات ، شأنه فى ذلك شأن أى فرد ينال المقدر له من أوقات الرخاء وأوقات الشدة ، من اللذة والألم . لكن يظل الفارق هو الانتصار فى الدنيا الذى ضمنه رب العزة للمؤمنين فى الدنيا وفى الآخرة ، قال جل وعلا : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) غافر ).

8 ـ كنت وحيدا مضطهدا فى جامعة الأزهر عام 1977  ثم توالى الاضطهاد . الان وبعد أربعين عاما ، أعيش مستريحا فى أمريكا ، أنعم بأولادى وبالنعم التى حبانى بها بى جل وعلا وأجد التيار القرآنى ينتشر بمختلف الأطياف ، والخرافات المقدسة تم فضحها . وقد اصبح إسمى مشهورا على مستوى العالم ، بينما إنزوى وإختفى الجبابرة الذين كانوا يستطيلون على بباطلهم ونفوذهم .

أخيرا : لمحة قرآنية : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ  ) الرعد 11 )

1 ـ العادة هو تعانق الكهنوت السياسى والدينى معا ، وهم معا موصوفون بأنهم أكابر المجرمين الرافضين للحق والعدل والمتآمرين على دُعاة الحق والعدل ، وفى النهاية يحيق بهم مكرهم فى خلودهم فى النار بعد حياة قصيرة فى هذه الدنيا . يقول جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ  ) الانعام 123 ). وهم ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ثم ستكون عليهم حسرة يوم القيامة إذا ماتوا على كفرهم ، يقول جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) الانفال )  ،وقد توعدهم رب العزة بالعذاب ، يقول جل وعلا :(وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) ابراهيم )  ومن أوصاف أصحاب النار أنهم : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ  ) الاعراف 45 ) ، وسيأتى يوم الحساب دُعاة الحق شهودا عليهم: ( هود 18 ــ )

2 ـ لأنهم أكابر المجرمين المتحكمين فى الدولة والمجتمع فإن مواجهتهم تكون مخاطرة كبرى، وهى مخاطرة تستدعى الحرج ، وهذا ما شعر به خاتم المرسلين فقال له ربه جل وعلا ينهاه ويذكره ويذكرنا : ( كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) ولأن الكهنوت السياسى الدينى يتبع كتبا مقدسة متخمة بالخرافات والأباطيل فقد قال جل وعلا فى الاية التالية :( اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ  ) الاعراف ).

3 ـ كانت مهمة ثقيلة على خاتم المرسلين وهو يواجه ــ بالقرآن الكريم ــ  قريش بكهنوتها وسطوتها ، لذا جاء وصف القرآن الكريم بالقول الثقيل : ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا  ) المزمل 5 ). وهؤلاء المنكرون للقرآن الكريم ( القول الثقيل ) سينتظرهم  ( يوم ثقيل ) هو يوم القيامة الذى إنشغلواعنه بيوم الدنيا القصير العاجل ،، يقول جل وعلا :  : (إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا ) الانسان 27 ).

4 ـ هذه المهمة الثقيلة فى مواجهة الطغاة تستلزم تغييرا إيجابيا فى النفس ، يكون تمحيصا وتطهيرا لها . ، يقول جل وعلا :  ( وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ )آل عمران 141 ) . كيف تدافع عن دين رب العزة وأنت واقع فى عصيان رب العزة ؟ إذن لا بد أن تتوب وأن تُقلع عن المعاصى حتى لا تخجل من نفسك وأنت تدعو ربك فى الصلاة بأن يهديك الصراط المستقيم . والطغاة سيوقعون بك إضطهادا ، وستلقى من المحن الكثير ، وهذه المحن ستتغلب عليها بالتقوى وبرحمة الله جل وعلا والتى هى قريبة من المحسنين . فى المحن تدعو ربك تضرعا أن ينصرك وأن ينجيك من ظلمهم ، يقول جل وعلا : (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (56) الاعراف )  . وقبلك دعا ابراهيم عليه السلام والمؤمنون معه أن ينجيهم رب العزة من فتنة القوم الكافرين ، قالوا : (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) الممتحنة ) ودعا موسى وقومه رب العزة أن ينجيهم من فتنة أو إضطهاد فرعون:( فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) يونس ) . لا بد من تغيير النفس بالسمو بها بالتقوى والآخلاق الحميدة لتستحق رضى الرحمن جل وعلا . ثم لتستحق دخول الجنة ، قال رب العزة جل وعلا : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) آل عمران   142  ) . هذا هو التمحيص القلبى بالشدائد والمحن والذى قال عنه جل وعلا : ( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) آل عمران  154  )

5 ـ وفى المقابل فإن أكابر المجرمين يصل بهم عملهم السىء الى التكذيب بآيات الله بسلوكهم وبأقوالهم وتقديسهم للوحى الشيطانى ن يقول جل وعلا : (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون (10) الروم )

6 ـ مشيئة التغيير تبدأ بالفرد . إذا شاء التغيير الى الأفضل جاءت مشيئة الله جل وعلا تالية ومؤكدة للمشيئة البشرية . وهذا معنى قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ  ) الرعد 11 ) . إذا شاء البشر الرضى بمستبد كافر ظالم جاءت مشيئة الله جل وعلا مؤكدة على مشيئتهم تعترف بهذا الحاكم الكافر ملكا عليهم . فرعون كان طاغية ، ولكن رضى به المصريون فإعترف به رب العزة حاكما على المصريين وقال لموسى أن يذهب اليه ، وليس للمصريين ، قال له رب العزة جل وعلا : (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) طه 24 ) . وهذا الملك الكافر الذى جادل ابراهيم عليه السلام ، وصفه رب العزة بالكفر والظلم ووصفه ايضا أنه آتاه الله جل وعلا المُلك ،  (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  ) البقرة 258 ). أى خنع له الناس وشاءوا الخضوع له فشاء الله جل وعلا ان يعترف به ملكا عليهم .

7 ـ التغيير الى الأفضل يبدأ بمشيئة البشر وكذا مشيئة البشر بالخضوع للمستبد . وهو نفس الحال فى الهداية والضلال . إن شئت الهداية هداك الله جل وعلا وزادك هدى ، وإن شئت الضلال أضلك الله جل وعلا ومدّ لك فى الضلال . يقول رب العزة جل وعلا : ( قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا  ) مريم 75 : 76 )(  فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً ) البقرة  10) ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى ) محمد 17)(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ابراهيم 4 ) (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) فاطر 8).

ودائما : صدق الله العظيم .! 

اجمالي القراءات 7510