أفيقوا أيها العرب : أعداؤكم هم حكامكم !. وليس أمريكا واسرائيل .
أولا : التعذيب وهيبة المستبد
1 ـ إعتقلوه من بيته وسط صراخ أطفاله ، وجىء به للسجن ، صرخ باكيا للمحقق يبدى إستعداده للإعتراف بأى شىء حتى لا يعذبوه . إبتسم المحقق وقال : ( لا بد أولا من حفل الاستقبال ثم تعترف لنا بكل شىء ). صلبوه معلقا وضربوه وكهربوه وكلما أغمى عليه أعادوه الى الوعى ليذوق العذاب ، ثم ألقوا به أمام المحقق . وقّع على محضر لا يعرف المكتوب فيه لأن عينيه المتورمتين لم ير بهما ما فيه . ألقوه فى زنزانة مكتظة بالمتهمين ، عندما أفاق عرف انهم جميعا شركاء فى نفس التهمة ( مؤامرة لقلب نظام الحكم ) مع انهم لم يعرف بعضهم بعضا قبل هذا الوقت . مرت أيام بروتين محدد ، حفلة تعذيب فى الصباح ، وإستجواب بالتعذيب بالليل . وفى النهاية ألقوا به فى الشارع . عاد الى بيته وأطفاله بقايا إنسان ، كلما رآه واحد من الجيران خاف من إلقاء السلام عليه ، فقد اصبح مشبوها ، ومن يقترب منه قد ينتهى به الحال الى نفس المصير . هؤلاء الغلابة أبرياء ، ولكن لا بد من تعذيبهم لارهاب الآخرين وللتأكيد على ( هيبة الدولة ) ـ أى هيبة المستبد ، فالمستبد هو الدولة .
2 ـ التعذيب وإمتهان كرامة المواطن وإذلاله وإرهابه هو أساس سلطة المستبد ، وبالتعذيب وإعلانه وإشهاره ينشر المستبد الرعب منه فلا يسع المواطنين إلا أن يركعوا له ليركبهم ويضع حذاءه فوق رءوسهم ، فيتحكم فيهم ،يسلب ثرواتهم ويلعب بحاضرهم ومستقبل أولادهم بلا أى إعتراض . بالتعذيب يصبح المستبد مصدر السلطات، يمارسها وحده بلا مُساءلة . لا يستطيع المستبد الاستغناء عن التعذيب . لو إستغنى عن التعذيب سقط وانتهى أمره معزولا مقتولا .
3 ـ الشعب فى دولة المستبد يخاف الحكومة لأنه يخاف التعذيب .!.
ثانيا : فى الدولة الديمقراطية الحكومة تخاف الشعب لأن الشعب مصدر السلطة
1 ـ خاتم النبيين محمد ــ عليهم جميعا السلام ـ كان قائدا فى دولة ديمقراطية يستمد سلطته من أهل المدينة وسكانها . قال له ربه جل وعلا :( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) آل عمران 159 ). جعله الله جل وعلا لينا سهلا فى تعامله مع الناس ، ولو كان فظا فى تعامله معهم لإنفضوا من حوله وتركوه . ولو تركوه ماقامت له دولة ولعادت له سيرة الاضطهاد التى كانت من قبل . إذن هو يستمد سلطته ليس من الله جل وعلا مع إنه رسول الله ـ ولكنه يستمد سلطته من الناس المجتمعين حوله ، أى من الأمّة أو من الشعب ، ولذا عليه أن يستميلهم وأن يسترضيهم ليستمر ولاؤهم له ، ولذا فلا بد أن يشاورهم فى كل أمر لأنهم أصحاب الأمر ، وأن يعفو عنهم إذا أذنبوا فى حقه وأن يستغفر لهم إذا اساءوا اليه .
2 ـ هو نفس الحال فى الدول الديمقراطية ، يتناول الناس القائمين فى السلطة بالنقد اللاذع بلا خوف ولا وجل ، ويبتسم أهل السلطة لأنهم يعلمون أنهم خدم للشعب ، وأن الشعب يملك عزلهم ومساءلتهم ، وأنهم ليسوا مؤبدين فى السلطة ، بل هم فيها مؤقتون يرجعون بعدها أفرادا عاديين يأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق .
3 ـ لذا ترى الغرب الديمقراطى هو الأقرب الى شريعة الاسلام الحقيقية وقيم الاسلام العليا فى الحرية والمساواة والعدل وكرامة الانسان . بينما تجد دول المحمديين تؤله حكامها المستبدين ، وتجتر ثقافة الاستبداد من عصر الخلفاء الفاسقين ( الراشدين ، الأمويين ، العباسيين والفاطميين والمماليك والعثمانيين ) الى عصرنا البائس .
4 ـ بدأ الظلم الاستبداد مصحوبا بالظلم والتعذيب يزحف شيئا فشيئا بعد موت النبى محمد عليه السلام . اسلم الملأ من قريش خصوم الاسلام والمسلمين . كانت الشورى الاسلامية فى دولة النبى مرتبطة بالعدل والرحمة فدخل العرب فى الاسلام الظاهرى ( بمعنى السلام ) فى دين الله أفواجا . كان عليه السلام لا يجبر أحدا على دفع الصدقات بل كانت تطوعا ، وكان لا يقبل الصدقات من المنافقين . ( التوبة 53 : 54 ) . بعد موته قامت قريش باستبعاد الأنصار وإحتكارها السلطة، وقتل عمر بن الخطاب زعيم الأنصار سعد بن عبادة ، ثم فرضت قريش الزكاة على الأعراب فارتدوا فحاربتهم وأعادتهم الى الطاعة ، وقادتهم الى ظلم أوسع وأبشع فيما يعرف بالفتوحات .وتولى عثمان الخلافة فإعتبرها لباسا ألبسها الله جل وعلا له وإعتبر أموال الفتوحات شيئا خاصا به فوزعها على اهله الأمويين وكبار المهاجرين ، فأثار عليه الأعراب جنود الفتح ، وقام عثمان بتعذيب بعض كبار الصحابة مثل عمار بن ياسر وابن مسعود وغيرهما ، وأمر بتسيير زعماء المعارضة ، أى عرضهم فى البلدان ، وانتهى الأمر بقتل عثمان ونشوب الفتنة الكبرى.
5 ـ ثم تولى الأمويون الحكم فجعلوها وراثية إستبدادية ، وتطور التعذيب الى أنواع بشعة ، أيسرها ( أن يوقف الشخص مقيدا ) أو ( يقام ) فى الشارع لكى يتناوله الناس بالبصق والضرب والاهانة والصفع . وأبشعها أن يوضع مسمار فى رقبته ويجرونه منه بين الناس . وتطورت أساليب التعذيب لتكون تقطيع الأطراف فى العصر العباسى ثم وصلت فى العصر المملوكى الى الخوزقة والسلخ . وفى كل وسائل التعذيب من التسيير الى السلخ والخوزقة كانت العقوبات علنية يطلق عليها فى العصرين المملوكى والعثمانى ( التجريس ) لأن القصد من التعذيب هو إرهاب الناس لتسكت وتخضع وتخنع .
5 ـ ولأن المحمديين سلفيون يعيشون الماضى ويجترون تاريخ السلف الصالح فلا زال الاستبداد سائدا يصاحبه التعذيب .!
ثالثا : المستبد عدو لرب العزة جل وعلا :
1 ـ القضية لا تحتمل الوسط . مثل : ( لا إله إلا الله ) . الشورى الاسلامية تعنى الديمقراطية المباشرة ـ وقد شرحنا هذا فى بحث منشور هنا . والخروج عنها تأليه للحاكم وجعله مستبدا ، وهذا يناقض عقيدة الاسلام . فإذا كان النبى عليه السلام نفسه مأمورا بالشورى فإن من يرفضها يرفع نفسه فوق النبى ، أى يؤله نفسه . وإذا كان الله جل وعلا يجعل من صفاته التى يتميز بها عن الخلق من بشر وملائكة أنه جل وعلا وحده الذى: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) الأنبياء ) فإن المستبد الذى يستنكف من مُساءلته أمام شعبه إنما يرفع نفسه الى مقام الالوهية . وهذا كفر . ولهذا يرتبط الاستبداد بمزاعم التأليه إما صراحة أو ضمنا .
2 ـ الشورى تعنى (فنُّ ممارسة القوة ) ، إذا كانت القوة للشعب فالحاكم خادم للشعب . إذا إنتقلت القوة الى الحاكم دون الشعب فالشعب مركوب للحاكم و ( رعية ) له ، والرعية وصف للأنعام ، وبهذا المفهوم التراثى كان يوصف الحاكم بأنه الراعى والمحكومون بأنهم الرعية ، وأنه مسئول عنهم امام الله جل وعلا فقط ، أى يحكمهم نيابة عن الله أى يستمد سلطته من الله جل وعلا بزعمهم ، وبالتالى فمن يخرج عن سلطانه من ( الرعية ) فهو كافر مستحق للقتل ، هذا بينما يكون للراعى أن يقتل بسيف الشرع من يشاء دون مسئولية لأنهم ( رعية ) أو قطيع من المواشى البشرية التى يمتلكها . هذه شريعة ليس بعدها ظلم ، وليس بعدها إثم ، و ليس بعدها كفر ، وليس بعدها إسراف و ليس بعدها خيانة ، ولكنها الشريعة التى يتم تطبيقها فى بلاد المحمديين صراحة أو ضمنا ، والتى يتغنى بها الاخوان المسلمون والوهابيون . جسد الفرد فى هذه البلاد مُستباح للمستبد يعذبه كيف شاء ومتى شاء . وممنوع على الفرد أن يجأر بالشكوى أو أن يعترض ..
3 ـ قرآنيا : يجب إعتبار المستبد العربى كافرا خائنا لا يحبه الله جل وعلا ، يقول جل وعلا: ( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة 276 )( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ) ( الانفال 58 )( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ) ( النساء 107 )( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ )( الحج 38 ).
وإعتباره معتديا لا يحبه الله جل وعلا ، يقول جل وعلا: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (البقرة 190 )، ( المائدة 87 ) ( إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) الاعراف 55 ).
وإعتباره ظالما لا يحبه الله جل وعلا ، يقول جل وعلا: ( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) (آل عمران 57 ، 140 ) ( إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) (الشورى 40 ).
وإعتباره فاسدا لا يحبه الله جل وعلا ، يقول جل وعلا: ( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) (البقرة 205) ( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) المائدة 64 ) ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) القصص 77 ).
ومن صفاته الأخرى الاستكبار والاسراف ، والله جل وعلا لا يحب المستكبرين ولا يحب المسرفين ، يقول جل وعلا: ( إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ )( النحل 23 )( إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) (الاعراف 31 )( الانعام 141).
هذا بينما يكون من حق المظلوم أن يجهر بالسوء من القول ، قال جل وعلا : ( لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ) النساء 148 )
رابعا : إن المستبد لكم عدو فإتخذوه عدوا :
1 ـ يقول جل وعلا يخاطب البشر : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) فاطر 6 ). هذه هى الخطوة الأولى فى الاصلاح الفردى . أن تتخذ الشيطان عدوا لأنه هو عدو حقيقى .
2 ـ الشيطان لا نراه ، وهو يتحكم فى أوليائه من البشر يزين لهم الحق باطلا والباطل حقا ، وبالتالى يستمرون فى الظلم بلا توبة . وهذا نراه فى المستبد العربى . يظل فى جبروته سادرا الى النهاية بالموت أو القتل أو العزل .
3 ـ وإذا كان رب العزة قد أخبرنا أن الشيطان لنا عدو وأمرنا أن نتخذه عدوا فإن المستبد ولى الشيطان يجب أن نعامله بنفس الطريقة؛ هو عدو لنا معتد أثيم ظالم مسرف مستكبر كفار أثيم ، وعلينا أن نبدأ خطوة الاصلاح الجماعى بأن نتخذه عدوا ، لا نهتف له وهو يعذبنا ويقهرنا بل نلعنه ، لا ندعو له بل ندعو عليه ، لا نستسلم له بل نقاومه ما إستطعنا . ومهما كان خوفنا منه فهو اشد خوفا منا . ليس لدينا ما نخسره وما نخاف عليه ولكنه لديه ما يخسره وما يخاف عليه إذا كنا نخاف على أولادنا فهو أشد خوفا على أولاده .
4 ـ لا نقصد المستبد الفرد بل معه جهازه الأمنى والعسكرى والقضائى والاعلامى والدينى فى دولته العميقة . كلهم خونة للشعب يستحقون اشد العقاب . هذا هو حكم الاسلام فيهم . إذا كان القاتل لإنسان برىء واحد يستحق غضب الله ولعنته والعذاب العظيم (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) النساء ) فكيف بفرد واحد يقتل مئات الألوف ظلما وعدوانا . وإذا كانت الجروح بالقصاص (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) المائدة 45 ) فكيف بمن يعذب مئات الألوف ظلما وعدوانا ؟ وإذا كان من يسرق بلا توبة فردا يستحق قطع يده فكيف بمن يظل يسرق شعبا بملايينه ؟
أخيرا :
1 ـ العمر الذى نحياه فى هذه الدنيا قصير ، ولا مفر من الموت . ولن يصيبنا إلا ما كتب الله جل وعلا لنا . وقد خلقنا جل وعلا أحرارا ، فلماذا نتنازل عن حريتنا ؟
2 ـ لا بد أن نغير ما فى أنفسنا من رضى بالهوان ومن سلبية وخنوع وخضوع لنؤسّس مكانها عزة وكرامة لا تخشى مخلوقا بل تخشى الله جل وعلا وحده . فالظالم التابع للشيطان يخوّفه الشيطان أما المؤمن فهو لا يخشى الا الله : (إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) آل عمران ) . وبهذا الايمان يبدأ طريق الاصلاح . إذا غيرنا ما بأنفسنا بدأنا طريق الاصلاح ، وأصبحنا على موعد مع إرادة الله جل وعلا بالتغيير الى ألفضل لنا ولأولادنا . يقول جل وعلا : (نَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) (11) الرعد )
3 ـ شعوب أوربا لم تتخلص من الطغاة والكهنوت التابع لهم إلا بحروب طاحنة . ونتيجة لذلك ينعم أحفادهم اليوم بالحياة الكريمة وبالرفاهية ، بينما لا يزال المحمديون أسرى للكهنوت السياسى والدينى ، وقد اصبحوا اليوم عارا على البشرية . آلاف الملايين يتحكم فيهم حوالى ثلاثين فردا من الحكام .!! يا للعار ..
4 ـ وهم يحكمون على أنفسهم وأولادهم بهذا العار .!!