|
أبو عمر وحقوق الإنسان
|
|
بينما كانت السلطات القضائية الايطالية تطلب تسليم29 امريكيا يعملون لحساب السي.اي.ايه( المخابرات المركزية) لمحاكمتهم بتهمة اختطاف وتعذيب أبوعمر المصري, كانت أجهزة الأمن المصرية تقرر منعه من السفر أو الكلام.
ولاتوجد معلومات دقيقة عن المدة التي قضاها ابوعمر ـ وهو مصري يحمل الجنسية الايطالية كان يعمل اماما لمسجد في ميلانو ـ في يد المخابرات الأمريكية ولا عن كيفية تسليمه لمصر, مثل هذه الوقائع لانعرفها إلا إذا كشفت عنها صحف أجنبية, كما أنه لاتوجد مصادر موثقة للتأكد من صحتها.. حتي نواب مجلس الشعب عجزوا في طلبات الاحاطة التي تقدموا بها عن الحصول علي معلومات حول أعداد المعتقلين أو المسجونين بدون محاكمة.
ولهذا السبب لم يكن غريبا أن يطالب أبوعمر المصري بإعادة تسليمه إلي ايطاليا, ليس فقط للمطالبة بالتعويض عما لقيه من الألم والضرر الذي أصابه, ولكن أيضا لكي يستعيد آدميته وحريته في ظل الجنسية الايطالية, بعد أن سلبتها منه السلطات المصرية التي لسوء حظه ولد علي أرضها ثم منعته من مغادرتها!
في هذا السياق كنت أتصفح التقرير السنوي الثالث عن حالة حقوق الانسان المصري الذي أصدره المجلس القومي, ومن خلال صفحاته الاربعمائة أدركت من ناحية هول العبء الذي يتحمله المجلس, ليسلط شعاعا رفيعا من الضوء علي غابة كثيفة من الظلام الذي يلف حياة الانسان المصري. وأدركت من ناحية أخري عمق الهوة الفاصلة بين المبادئ والتشريعات التي تحميها, وبين المعاناة اليومية للانسان المصري في تعامله مع السلطة ومدي التزامها بالقانون, فما أيسر أن نرسي مبدأ المواطنة في الدستور, وتصدر الدولة تشريعات تغطي أوجه القصور ثم لاتلبث السلطة أن تضرب بها عرض الحائط, متذرعة بحالة عدم استقرار سياسي داخلي, أو حالة الطواريء, أو محاربة الارهاب أوغيرها من المبررات.
ينعكس ذلك بصورة واضحة في حجم الشكاوي التي تلقاها المجلس متعلقة بالحقوق المدنية والسياسية. سواء فيما يتعلق بالحق في الحياة التي يتعرض فيها مواطنون محبوسون أو مسجونون أو محتجزون لانتهاكات صارخة, وانتشار حالات التعذيب واساءة المعاملة داخل أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز. وهو ما طفح علي صفحات الصحف خلال الأيام الأخيرة وحمل الجهات المسئولة علي التحقيق فيها, كما ينعكس في حالات الاعتقال السياسي والجنائي فترات طويلة دون محاكمة, أو الحرمان من المحاكمة العادلة بالإحالة إلي المحاكم العسكرية بدلا من المدنية.
ويكاد يكون هذا الجانب وحده من أشد فصول التقرير كآبة, وذلك علي الرغم من اهتمام المجلس بمجالات أخري واسعة تتعلق بحقوق التعليم والصحة والعمل السياسي, وإن كان من الملاحظ أن حملات الهجوم المتعمدة التي سبقت اذاعة التقرير, والتلويح بإعادة تشكيله, قد تركت أثرها علي درجة الاهتمام العام به.
ويكفي أن يتابع المرء مأساة أبوعمر المصري وأحواله, ليدرك أننا في مصر بإزاء قضايا سياسية في المقام الأول. وحيث لاتتوافر الإرادة السياسية في حماية حقوق الانسان فلن يستطيع أحد مساعدة أبوعمر غير وطنه الثاني, ولن تضمن التشريعات غير القشرة الظاهرة منها
|
|