أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
هذا سؤالٌ محوري جوهري , سينادي به الخالق الجبار يوم الحساب و يسأل ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) ؟
حينها الويل كل الويل للخاسرين , فكل من أشرك فقد خسر ,
كل من زعم أمراً دون برهان من كتاب الله جل وعلا فقد أشرك !
كل من اتخذ كتابا غير كتاب الله جل وعلا فقد أشرك !
كل من فرق بين الرسل فقد أشرك !
كل من أتخذ قولا غير قول الله جل وعلا فقد أشرك !
كل من قدس غير الله جل وعلا فقد أشرك !
الشرك هو أخطر الأمور على الإطلاق التي يواجهها المؤمن , و محور الشرك كما أوضحنا هو التقديس , و قلنا بأن التقديس هو الظن بالنفع أو الضرر ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ) 38 الزمر ,
في واقع الحال يؤمن الكثير من البشر بالله جل وعلا , و يعبدونه و يجتهدون و يجدون في عبادته , و لكن مع كل أسف يقدسون شيئاً معه سواء لرسولهم أو لأماكن يقدسونها أو يقدسون أقولاً من عند أنفسهم , و يعتمدون على كل هذا بأن الله قد أمرهم بذلك ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) 28 الأعراف ,
كل هذا الجهد المبذول من قبلهم سيضيع و يتلاشى و لن ينفعهم في شيء , كل ما قدموه و فعلوه في تقربهم و عبادتهم لله جل وعلا سيحبطه الله بسبب ما كانوا يقدسون , و سيخسرون هذا الجهد و سيخسرون ما كانوا يقدمون ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) 65 الزمر .
هؤلاء تماماً كما الأنعام لا يعقلون , بل هم أضل ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) 44 الفرقان ,
فهم قد آمنوا و لم يؤمنوا !
و أسلموا و لم يسلموا !
( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ) 87 الزخرف ,
( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ) 63 العنكبوت ,
( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ) 9 الزخرف ,
( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) 25 لقمان ,
( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ) 61 العنكبوت ,
لأن الدين يجب أن يكون لله جل وعلا وحده , فهو صاحب القول فيه , و هو صاحب الأمر و النهي فيه , و لأنهم لم يلتزموا بذلك و كذبوا على أنفسهم و على الناس , و تقولوا على الله و رسوله بادعاءاتهم الكاذبة , فظنوا بأنهم يتقربون بتلك الإدعاءات لله جل وعلا ( أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) 3 الزمر .
سيندمون يوم لا ينفعهم الندم , لأنهم قدسوا هذا الزخرف من القول فدفعهم لتقديس الأماكن و تقديس الرسول , و سيلقون ما اقترفوه على مشيئة الله جل وعلا ( وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) 20 الزخرف .
و يبقى قائدهم و زعيمهم إبليس اللعين و المتمكن فيهم و المسيطر على قولهم (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ) 62 الإسراء ,
و انظر للفظ ( لَأَحْتَنِكَنَّ ) و هذا الفعل مسبوقا بلام القسم , و الفعل هذا يفيد السيطرة المطلقة على الشيء كي ينقاد بسهولة و سلاسة و دون عناء , و هو تشبيه لسوق الدواب بلجمها من حنكها كي يسهل على راكبها قيادتها حيث يريد , و لكن هناك قليلٌ من الناس لا يسهل على الشيطان قيادتهم و لا يمكنه من الهيمنة عليهم و هم أولياء الله جل وعلا ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) 62 يونس ,
و لكن الغالبية العظمى يتمكن منهم و يتسلط عليهم بغوايته و تزينه لهم شركهم الذي أوحاه لهم , فأشركوا بالله جل وعلا ما لم ينزل به , و أشركوا معه بما يدعون ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ * وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) 98-101 النحل ,
نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يتبعون القرآن و لا يشركون به شيئا , و أن لا نزعم و ندعي شريكاً لله و لقوله الكريم .
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا
سبحانك إني كنت من الظالمين