۞ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (المائدة82) )
شهادة من رب العزة تبدأ بفعل مؤكد بنوعي توكيد ( اللام في أول الفعل ونون التوكيد في آخره ، (لتجدن )،و مضمون الشهادة هو ، من هم (أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا) أفعل التفضيل : (أشدالناس ) ،بعدها تميزاً منصوب (عداوة )ثم تكرار للشهادة بنفس تفصيلاتها (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا ) من أفعل تفضيل وتميز لمن هم الأقرب للذين آمنوا .. ولماذا كانوا أقرب للذين آمنوا ؟!
إليكم التفصيل : تبدأ الآية الكريمة حديثها بـ الفعل المؤكد بنوعي التوكيد اللام في بدايته ونون التوكيد في آخره : ( لَتَجِدَنّ) ، ولذا كان للمخاطب المهتم بمعرفة ما سوف يُقال ! أضف لذلك التأكيد، حسن اختيار الفعل فالفعل : (وجد ) الذي يدل على اليقين ،وهذا اليقين كان من أجل معرفة معلومة غابت عن المتلقي ، وهذه المعلومة اليقينية كانت من أجل تحديد إجابة على سؤال افتراضي ، وهو : من هم أشد الناس عداوة للذين أمنوا ؟ هذا عن الفعل وجد ، ولقد كان الاستخدام لــ (أشد) لصيغة أفعل التفضيل ، ليدل على أن إذا كان هناك عداوة نعرفها أو نمت لعلمنا من أي طريق كان ، فإن هناك من هم أشد عداوة ، ونلاحظ أن (الناس ) عامة غير محصورة في أُناس بعينهم ، وهذه العداوة الشديدة المؤكدة تتوجه لقوم بعينهم ، وهم (الذين آمنوا )، وهم غير محددين أيضا ،إنهم الذين آمنوا من كل الأزمنة ! هل انتهت الجملة ؟ لا ، سيأتي المفعول به وهو (اليهود) . اليهود فى المفهوم القرآنى هم المعتدون من بنى اسرائيل ، وهم موصوفون بانهم كلما أوقدوا نارا للحرب أطفاها الله . وبالتالى فهم على نفس دين الاعتداء الذى عليه الكافرون المشركون طبقا لمعنى الكفر والشرك فى السلوك ، لذا فاليهود المعتدون والذين أشركوا المعتدون هم الأشد عداوة للمؤمنين المسالمين . وبالتالى فليس اليهود المعتدون وحدهم ، بل يشترك معهم في حجم هذه العداوة : ( الذين أشركوا)، وبنفس الفعل نبدأ في جملة ثانية تربطها بالأولى( الواو) نوع آخر من الشعور، وهو ليس حباً ،بل قرباً وهو يخص (الذين قالوا إنا نصارى) ، هم قوم بعينهم (قالوا إنا نصارى ) وتعلل الآيات ذلك القرب للذين آمنوا، بأسباب تبدأ بـ (ذلك ) بأن منهم قسيسين ورهبان ، وملاحظتي بأنهم ليسووا هم فقط الرهبان والقسيسين .. ولذا نجد (من) التي تدل على أن من هذا الجمع القريب من الذين آمنوا نسبة من الرهبان والقسيسين ، وهل هذا يكفي كونهم قسيسين ورهبان ؟ لا ، بل هناك صفة ملازمة لهم وهي : ( وأنهم لا يستكبرون ) إذن السبب الآخر هو أنهم لا يستكبرون ! ولماذا هم لا يستكبرون ،و ما الدليل على اتصافهم بهذه الصفة ؟ هو ما تحمله الآيات القادمة من مواقف تثبت ذلك، نقرأ معا :
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(83)
إذن فاضت أعينهم من الدمع، لأنهم عرفوا أن ما أُنزل إلى الرسول هو الحق ،وقد أعقب هذا الفيض من الدمع ،قولٌ واضح ، شهادة واعتراف يُحسب لهم : (يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)
وتنقل الآيات لنا هذا الإيمان وهذا الاقتناع المبني على أدلة عقلية ،وحقائق ترفض الخيار المعاكس ،والذي يعني عدم الإيمان:
وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)
إذن كان إيمانهم هذا مبنيٌ على ما تم معرفته من الحق، ومقارنته على ما بين أيديهم من الحق ( كتاب) وقد أعقب إيمانهم بآخر رسالة سماوية الدعاء بأن يكونوا مع القوم الصالحين .
(ملاحظة متعبة ،هل هذا الصلاح حكر على أتباع آخر رسالة ؟ ! أترك الإجابة للقارئ! لكن اسمح لي ان أساعدك قليلا ، فقط اقرأ معي الآية 36 من الرعد :
الرعد - الآية 36وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ۖ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ ۚ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ۚ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ
وجاء الجزاء من رب العزة لهم سريعا، وهذا قد تم استنتاجه من استخدام حرف العطف الفاء الذي يدل على السرعة : (فأثابهم) كان الثواب من جنس القول (بِمَا قَالُوا ) :
فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ(المائدة85)
وهو نفس ما نرى في الآيات التالية :
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (54القصص)
ودائما صدق الله العظيم
..........................