بعض اللغط في مقدمة ابن خلدون
هذه بعض الملاحظات على موضوع الصخرة الواردة في مقدمة ابن خلدون و العلاقة بين اليهود و النصارى و المسلمين في بيت المقدس و لما يؤمنون به و يعتبرونه جزءً من الدين و الإيمان , و تقديسهم للمكان عوضاً عن احترام الإنسان .
بدايةً أرى بأن ابن خلدون قد ظلم الصابئة حين قال أنهم كانوا يعبدون النجوم و الكواكب , و أكثر ما ورد عنهم أنهم موحدون و لهم شريعتهم .
و بالنسبة للصخرة في بيت المقدس و هو موضوعي , يجب أن نتحرى المقصود منها , حيث يتواجد في بيت المقدس صخرتان و ليس صخرة واحده ,
الأولى تقع أسفل كنيسة القيامة و فيها تجويف ( كهف ) و هي ما يعتقد به المسيحيون أنها لجأ إليها عيسى عليه السلام هربا من بني إسرائيل الذين أرادوا قتله , و على تلك الصخرة يعتقدون انه صلب عليها و يعتقدون انه دفن في ذلك القبر الموجود داخل الكنيسة و تحت قبتها ,
و الصخرة الثانية تقع أسفل مسجد الصخرة ذلك البناء مثمن الأضلاع الذي بناه عبد الملك بن مروان , و فيه في المنتصف أيضا تجويف ( كهف ) ,
كنيسة القيامة في مكانها القديم و لا تزال في مكانها و حين دخل عمر بن الخطاب بيت المقدس كانت موجودة و في مكانها الحالي و علماء الآثار اثبتوا عمرها , و كذلك الأمر بالنسبة لمسجد الصخرة فقد اثبتوا بأن كامل أساساته تعود لعهد عبد الملك بن مروان و لا يوجد أي أجزاء لأساسات أقدم من ذاك العصر .
علماء الآثار اليهود اجروا حفريات عميقة جدا أسفل المسجد الأقصى و لم يجدوا أي دليل أثري يثبت زعمهم لمكان ما يسمونه هيكل سليمان عليه السلام ,
شخصيا أنا لا اعتقد بأن كل ذلك له كبير الأهمية , ما أؤمن به أن تلك البقعة هي بمثابة مكان تاريخي مهم كان مسرحا لتنازع الأديان الأرضية و لا يزال , فكان الأجدر بالجميع أن يعبدوا الله جل و علا بسلام كي تحل عليهم بركة تلك الأرض , هذا إن كانوا جميعاً يؤمنون بأنه سبحانه و تعالى و حده إلهً لهم , فعبادته ليست حكرا على أحد و لكنهم قوم يجهلون .
كنيسة القيامة تعرضت لعدة مراحل من الهدم و البناء و ذلك بفعل عامل الزمن و ما توالت عليها من حقب تاريخيه , الرومان الأوائل وضعوا تماثيل ألهتهم فيها و حولوها إلى معبد لتلك الآلهة , هيلانه بعد أن تنصرت أزالت تلك التماثيل و أعادت تحويل المكان إلى كنيسة و رممتها .
أما في عهد عمر بن الخطاب, كان بيت المقدس تحت سيطرة الصليبيين , و حين دخلها توجه إلى كنيسة القيامة في نفس مكانها اليوم و لم يهدمها بل صلى في الجهة المقابلة لها و بني في ذاك المكان مسجد و سمي بمسجد عمر و لا يزال حتى اليوم ,
و لم يكن هناك أي بناء في المنطقة التي يقع فيها المسجد الأقصى و مسجد القبة , إلى أن جاء عبد الملك بن مروان و أقام المبنيين ( المسجد الأقصى و مسجد قبة الصخرة ) في مكانهما الحالي و كانت كنيسة القيامة لا تزال قائمه في مكانها .
و في عهد صلاح الدين الأيوبي كانت بيت المقدس تحت سيطرة الصليبيين للمرة الثانية , فجاء لتحريرها من سيطرة الصليبيين الغزاة , فما كان من الصليبيين إلا أن كانوا قد حولوا ما بناه عبد الملك بن مروان إلى إسطبل لخيولهم ,
فأعاد ترميمه و أعاد الصلاة فيه من جديد , فأي كنيسة هدمها صلاح الدين التي قال ابن خلدون انه هدمها و قام ببناء المسجد مكانها ؟ و لا ادري من أين أتى بهذا الكلام !
بل كان الأمر مختلفا تماما , فلم يدخل صلاح الدين المدينة إلا بعد إبرام اتفاق مع الصليبيين , و هو ما ينص على حماية كنسهم و الحفاظ عليها و حرية الدين و عدم الاعتداء على المسيحيين أبناء تلك الديار , و على أن يتم نزوح كل الصليبيين الغربيين و إجلاءهم عن المدينة و عودتهم إلى ديارهم مقابل إطلاق سراح الأسرى المسلمين الذين كانوا بأيديهم ,
و منذ ذلك العهد و ما قبله و إلى يومنا هذا حدثت تغيرات في تلك العمائر الدينية و لكن دون أي تغير بالمكان .
أرى من خلال بحثي المنشور سابقاً بعنوان ( سورة الإسراء الوعد الأول و الثاني ) أن بني إسرائيل كان لهم مسجدا في تلك البقعة من الأرض و هو ما بناه داوود و سليمان عليهما السلام ,
و لكن بعد وفاتهما علمنا بأن مملكة بني إسرائيل انقسمت إلى مملكتين شماليه و جنوبيه , فجاء الوعد الأول للشمالية , و بقيت الجنوبية و التي تضم تلك البقعة كونها في جنوب ارض فلسطين ,
و نعلم أن بني إسرائيل ابتعدوا عن دينهم بعد انهيار دولتهم الأولى زمن داوود و سليمان عليهما السلام و تحولوا إلى الوثنية , و يبدو لي بأن كل التماثيل التي كان يعملها الجان لسليمان قد اتخذوها آلهة من بعده فحق عليهم قضاء الله جل و علا , إلى أن جاء الوعد للثانية ( الأخرى ) و نلاحظ الإشارة بالمسجد بالوعد الثاني كونه يقع تحت سيطرتها بالجنوب .
لذا اقتضى التنويه ,
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا
سبحانك إني كنت من الظالمين