الحمد لله؛ فرغم تفاؤلي فإن اللقاء ظُهر اليوم في المستشفىَ كان فرَحـًـا بكل المعايير والأوصاف.
وضعت كل الاحتمالات فالسرطان لا يمزح، وهو ضيف ثقيل إذا زار فشرٌّ مستطار، وإذا استقر استكبر وأبىَ أنْ يبرح مكانه حتى يُنهي الاثنين: وليمته.. وفريسته.
صافحني الطبيب وقال لي على الفور لئلا تطول لحظات الانتظار: كان أكبر مما ّصورته الأشعة المقطعية، وفي أكثر هذه الحالات لا ينجو منه إلا قليل من المرضى؛ أما في حالتك فقد كان حميدًا، وانتهىَ إلى غير رجعة، ولست في حاجة إلى العودة للمستشفى للكونترول، وسنلغي موعدك مع الأشعة المقطعية المحدد لها مرتين في يوليو، وقد شُفيت تماما، وأنت من المحظوظين!
كان الخُبر كقطعة موسيقية قصيرة تدخل الحواس الخمس كلها في نفس الوقت، وتُركّب لي جناحين، وتطير بي لتــُـبلغ كل الذين تمــنـّـوا لي الشفاء والسلامة.
كان الخبر كصلاة الجمعة أو قُدّاس الأحد في جزيرة نائية تحيط بها البحار وأشجار الجوز ورياح تعزف قبل أن تهُبّ، وتدندن قبل أنْ تُصّــفـِّـر، وتهمس قبل أن تصيح.
كان تفاؤلي من نوع قبول الأمر الواقع، فالسرطان لا يُلقي نكتة، ولا يعرف المزاح، وضحاياه يمنحونه صفات الافتراس قبل أن يلمس خلية من الجسد.
ابتسم الطبيب وأعاد قراءة التقرير من على شاشة الكمبيوتر قائلا: لمزيد من التأكيد! قلت: أو لعله مريض آخر؟ ردّت سكرتيرته الممرضة: وتاريخ ميلادك كذا! قلت: بلىَ، يوم فالنتاين!
قلت للطبيب إنَّ زملاءك الجراحين وطبيب التخدير والممرضات كانوا خلال الأيام الأربعة ملائكة رحمة وحًسْن وجمال وكفاءة.
صافحته بحرارة، وخرجت إلى زوجتي ومجدي وناصر وقد انعكست كل ألوان الطيف على وجوههم قبل أن أذيع عليهم الخبر السار.
أغرقت دموع الفرح وجه زوجتي. توجهنا جميعا إلى مطعم تركي لنحتفل، فالأتراك خصوم في السياسة، أصدقاء في الطعام.
تخيلت للحظة السرطان وهو يغادر جسدي غاضبـًـا، ومتوعدًا بمعاودة الهجوم، فإذا بصدىَ صوت الطبيب يُطيــّـب خاطري: لا نريد أنْ نراك هنا مرة أخرى، فقد شُفيت تمامــًــا.
الحمد لله، وأشكر من كل قلبي كل الذين جعلوا السماء مُلئت دعوات وأمنيات ورجاءات تُشفي الأمراض المستعصية، وتصل إلى سدرة المنتهى قبل أن يتحرك مشرط الجراح في هجومه المضاد على الزائر القبيح .. السرطان، خبيثه وحميده!
الحمد لله فقد رأيتَ يد الله ونوره للمرة المئة .. الألف .. اللانهائية في حياتي.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 10 ابريل 2017