مقدمة : الاختلاف بين مفهوم القرآن ومفهوم البشر فى موضوع الاجرام
1 ــ ّ ليس كل من فى السجن مجرما فهناك أبرياء دخلوا السجن ظلما وعدوانا، والمثل الشعبى المصرى يقول :( يا ما فى السجن مظاليم ) . وهذا يعنى ضمنا ليس فقط ضياع العدالة بتبرئة الجانى وتجريم البرىء ، ولكن يعنى أساسا وجود مجرمين حقيقيين فى موقع السلطة يرتكبون أبشع الجرائم ، وتتعاظم خطورتها بقدر النفوذ الذى يتمتع بها ذلك المجرم . نتحدث هنا عن دول الاستبداد، حيث يتربّع المجرم الأكبر حاكما مستبدا، يتمتع بالتقديس بينما هو أفظع المجرمين وأبشعهم ، تسبّح بحمده أجهزة دولته من وسائل الاعلام الى وسائل المواصلات والاتصالات ، ومن المساجد والكنائس الى النوادى والمدارس ، و لا يجرؤ أحد على أن يقول له ( أنت مجرم ) . هذا مع إنّه صاحب أكبر عصابة ، تشمل أجهزنه العسكرية والأمنية وأجهزته التى تسرق له الشعب ، وأجهزته التى تزيف له الوعى وتقلب الحق باطلا والباطل حقا . وأخطر أجهزته هى التى تستخدم دين الله جل وعلا فى تزييف وعى الناس ، وجعلهم ينبطحون ركوعا لهذا المجرم، وتجعلهم يباركون إستبداده باعتباره ( ولى الأمر ) ويباركون سلبه ونهبه لموارد الوطن وقوت الشعب ، وتعذيبه للشرفاء والأبرياء،بل تقوم هذه السلطة الدينية الكافرة المجرمة بتجريح وتسفيه وتحقير المناضلين الأحرار ، وقتلهم معنويا تحريضا على تصفيتهم جسديا . ثم إن هذه السلطة الدينية لو أتيحت لها الفرصة ورأت ضعف المستبد فإنها تسارع بالوثوب على الحكم ، لتباشر الاجرام بيدها وليس فقط بلسانها .
2 ــ هذا الاجرام المسكوت عنه هو أفظع أنواع الاجرام . لا يمكن أن تقارن مجرما عاديا بحاكم مستبد يقتل ويقهر ويسرق شعبا بأكمله . ليس هناك فى التاريخ البشرى مجرم عادى قتل آلاف الناس . قيل إن (آل كابونى ) ت 1947 زعيم المافيا قتل ألف رجل، وهى مبالغة . ولكن لو صحّ هذا فلا سبيل لمقارنته بحكّام السعودية الذين تسبب دينهم الوهابى فى قتل حوالى عشرة ملايين من البشر ، والعدد لا يزال يقبل الزيادة ،وهو يزيد بالانفجارات المستمرة والقتل العشوائى فى العراق وافغانستان وباكستان . ثم، كم عدد ضحايا صدام حسين ومبارك والقذافى وعيدى أمين وحافظ وبشّار الأسد والنميرى والبشير ؟ وكم عدد ضحايا ستالين وهتلر وهولاكو وتيمورلنك وجنكيزخان ؟ وكم عدد ضحايا الخلفاء الراشدين وغير الراشدين من العرب وغير العرب ؟. فارق هائل بين مجرم يقتل أفرادا ويسرق أفرادا وبين مجرم يقتل شعوبا ويسترقّ أمما ..!! الفارق المحزن أن الذى يسترق الأمم ويقتل الآلاف والملايين يتمتع بالحبّ والتقديس، أما المجرم البسيط فهو يشكو هذه العدالة البشرية العمياء التى تتعامى عن أفظع المجرمين لتمسك فقط بخناق المجرمين البسطاء.!
3 ـ هنا يتجلّى الفارق بين المفهوم القرآنى والمفهوم البشرى فى مصطلح ( الإجرام ) . فالإجرام فى مفهوم القرآن يمسك بتلاليب هذا المجرم البشع ويجعله ( أكابر مجرميها )، بل ويجعل الاجرام قرينا للكفر والشرك . لأن هذا المجرم البشع قد ( إستحلّ ) حقوق الله جل وعلا وحقوق البشر ، فظلم الخالق جلّ وعلا وظلم البشر، أى أرتكب الكفر ( العقيدى ) بالاستحلال وتشريع الظلم والاعتداء والقتل ، وارتكب الكفر ( السلوكى ) بجرائمه فى القتل والتعذيب والسلب والنهب والاضطهاد .
أولا : بين الإجرام والكفر
1 ــ الكفر والشرك والفسق والاسراف والاجرام والفساد والظلم والاعتداء كلها مترادفات قرآنية . وكلها تحوى مستويين من التعامل : التعامل مع رب العزّة جلّ وعلا قلبيا وعقيديا بإتخاذ آلهة وأولياء معه ، وتقديس مخلوقات مع الخالق جل وعلا . والمستوى الآخر هو التعامل السلوكى مع البشر بالظلم والاعتداء والاجرام باستخدام دين الله جل وعلالا غطاءا لهذا الاعتداء . وهنا يجتمع الكفر السلوكى مع الكفر العقيدى كما يحدث من الارهابيين الوهابيين وكل من يستخدم دين الله للوصول الى السلطة والثروة مصطنعا أساليب البطش والعنف . على أن هناك من يعيش مسالما لا يفرض عقيدته على الناس ولا يضطهد غيره فى الدين ، مع تأليهه للبشر والحجر، أى يمارس الكفر العقيدى القلبى ويظلم رب العزة ولكن لا يتعدى ذلك الى ظلم البشر باسم الله جل وعلا. هذا أخ لنا فى الاسلام الظاهرى السلوكى ، اختلافنا فى العقيدة مرجعه الى الله جل وعلا يوم القيامة ، وحسابه وحسابنا عند ربنا ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون . فطالما هو مسالم ونحن مسالمون فنحن جميعا ( مسلمون ) بمعنى (الاسلام ) الظاهرى ، يجمعنا (السلام )، ويجمعنا ( الايمان ) الظاهرى بمعنى ( الأمن ) و( الأمان ) .
2 ــ العدوّ الحقيقى الذى يُحرّمُ الله جلّ وعلا موالاته ويُحرّمُ إلقاء المودة اليه هو المجرم الذى يستخدم دين الله فى القتل والارهاب ليصل الى السلطة والثروة أو ليحتفظ بهما، يفرض نفسه على الناس باسم الرحمن ، يمتطى دين الله جلّ وعلا ويشترى بآيات الله جل وعلا ثمنا قليلا . وهذا هو الذى يجب ( الجهاد ) ضده فى شريعة الاسلام الحقيقية ، فهو الذى يكرّر بالضبط ما كانت تفعله قريش مع النبى وأصحابة المسلمين المسالمين ، حين إضطهدتهم فى الدين وأخرجتهم من ديارهم وواصلت قتالهم بعد الهجرة الى أن نزل الإذن للمسلمين فى المدينة بالقتال الدفاعى ضد أولئك الذين يقاتلونهم : (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)( الحج ). أولئك هم المجرمون الكفّار فى شرع الله جلّ وعلا.
الاجرام مرادف للكفر:
1 ـ يقول جلّ وعلا:( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ )( الجاثية 31 ) ، هنا وصف الكافرين بالمجرمين .ويقول جلّ وعلا: ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) وتتوالى الآيات لتنتهى بوصف أولئك المجرمين بالكفر:( هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) ( المطففين 29 ـ ). ويقول جلّ وعلا عن كفّار قريش فى معركة بدر:( وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) ( الأنفال 7 ـ )، فجاء الوصف بالاجرام مرادفا للوصف بالكفر .
2 ـ والاعتداء من مرادفات الكفر السلوكى ، لذا يأتى الاعتداء بمعنى الاجرام ، يقول جلّ وعلا فى ( تجريم الاعتداء ) :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)( المائدة 2 )، ونلاحظ هنا أن الخطاب هو للمؤمنين بعدم إستحلال الأشهر الحرم ومشاعر الحج وحياة الحجاج للبيت الحرام ، و( تجريم ) هذا الاعتداء. ويقول جلّ وعلا فى (تجريم الظلم ) بنفس الاسلوب بالتحذير والأمر والنهى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( المائدة 8).
3 ـ ولأن الكفر يناقض الايمان كما أن الكفر قرين بالاجرام ففى القرآن الكريم مقارنات بين المجرمين الكافرين والمؤمنين المسلمين فى قوله جلّ وعلا : ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ) ( القلم 35 )، وتأتى المقارنة بين المجرمين والمؤمنين فى الآخرة : إذ يُحيّى ربُ العزة أهل الجنة بالسلام ( حيث كانوا فى الدنيا مسالمين فى التعامل مع الناس ومستسلمين منقادين طائعين لشرع الله جل وعلا ) لذا يحييّهم رب العزة بالسلام مقرونة بالسخرية من المجرمين أصحاب النار:( سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ )(يس ـ 59 ) ، ونفس المقارنة والتضاد بين المجرمين مرتكبى الجرائم والمؤمنين أصحاب الصالحات: ( إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ) (طه 74 ـ )( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ) ( مريم ـ 86 )
4 ـ والكفّار الذين أهلكهم الله جل وعلا فى الأمم السابقة البائدة ، وصفهم ربّ العزة بالإجرام ، فقال عنهم جميعا:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا )(الروم 47 )( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ )( يونس 13 )( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ )(النمل 69 )،وقال عن قوم عاد:(كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (الأحقاف 25 )، وقال عن قوم لوط (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)( الأعراف 84 )( قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ)( الذاريات 32 )، وقال عن قوم فرعون ( وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ) (الأعراف 133 )( فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ )( يونس 75 ).
ثانيا :المستبدون أولو الأمر هم أكابر المجرمين :
1 ـ أكابر المجرمين موجودون فى كل قرية،و( القرية ) فى مفهوم القرآن هى المجتمع ، وهم يمارسون دورهم التآمرى ضد دعوة الحق والعدل، يقول جل وعلا عن أكابر المجرمين ذوى النفوذ فى المجتمع المعارضين للدعوة للحق والعدل:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ )( الانعام 123 ـ 124 ). يصفهم رب العزة بأكابر المجرمين بينما هم فى عصرنا زعماء وقادة وملوك ورؤساء وأئمة وشيوخ . هم لدينا مقدسون ولكنهم عند رب العزّة ( اكابر المجرمين ). الحديث هنا ليس عن مجرم عادى بل عن (أولى الأمر) فى العالم (الاسلامى ).هم فى هذه الدنيا متمتعون بالنفوذ والتعظيم وألقاب الشرف، ولكنهم عند رب العزّة مجرمون ،وسيصيبهم خزى وصغار وذلة وعذاب شديد يوم القيامة .
2 ـ وأولئك المستبدون لهم أجهزة إعلام تتخصّص فى خداع الشعب المقهور والسخرية من دعاة الحق، وهكذا كان يفعل صعاليك قريش. ولا يزال إعلام المستبدين يمارس نفس المهنة دون خجل ،أولئك الذين يسخرون من أتباع الحق هم مجرمون يقول عنهم رب العزّة:( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) (المطففين 29 ـ )
ثالثا : أئمة الأديان الأرضية أكثر البشر إجراما وأظلم الناس :
1 ــ هم الذين يفترون أحاديث وينسبونها وحيا لله جل وعلا ولرسوله ، وهى عادة سيئة للمجرمين الذين يقيمون أديانا أرضية على حساب الدين السماوى الإلهى ، ومن أجلها يكذّبون بالقرآن وبآياته فى الذكر الحكيم طالما يتعارض مع وحيهم الضال ، أى يفترون على الله كذبا ويكذّبون بآياته . إنّ من حقائق القرآن المؤكدة أنّه لا حديث يؤمن به المؤمن غير حديث الله جل وعلا فى القرآن . ولكنّ الذين يؤمنون بأحاديث البخارى وغيره يكذّبون بحديث الله فى القرآن . يقول جلّ وعلا عن المجرمين المكذبين بالقرآن :( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ) ثم يقول فى خاتمة السورة :(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) ( المرسلات ـ 46 )، ويقول عنهم فى سورة ( الأعراف 40 ) ( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ). أى ليس لهم حظّ ّ فى الجنة .!. وهذا جزاء المجرمين .
2 ـ مخترعو الأحاديث والذين يفترون وحيا ينسبونه لله تعالى ورسوله الكريم يتكرر وصفهم بقوله جل وعلا : (فَمَنْ أَظْلَمُ ) (وَمَنْ أَظْلَمُ )،أى ليس هناك أظلم منهم ، إذ يظلمون الله جلّ وعلا بهذا الافتراء والكذب فى نفس الوقت الذى يظلمون فيه رب العزة بالتكذيب لآياته التى تخالف وحيهم الكاذب . وتتنوّعّ أوصافهم فى القرآن الكريم : يصفهم رب العزّة بالإجرام وأنهم لا يفلحون:( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ) (يونس 17)، ويصفهم بالكفر وأن مصيرهم الى جهنم : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) العنكبوت) ويتكرّر نفس المعنى :( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ) ( الاعراف ).ويصفهم جلّ وعلا بالظلم وعدم الفلاح : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) الانعام )، وإنعدام الهداية طالما يضلّون الناس بغير علم:( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)الأنعام) .
3 ــ ويقارن ربّ العزّة بين أولئك المجرمين والرسول والمؤمنين برسالته: ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33)الزمر). فالذى جاء بالصدق هو الرسول الكريم،والذى صدّق بالقرآن وحده هم المؤمنون الحقيقيون ، وجميعهم (الرسول والمؤمنون ) هم المتقون ، وهم فى مقابل الضالين والمضلّين المفترين المكذّبين .
4 ـ ومع هذا التكذيب بالقرآن فإن نور القرآن يتسلل رغم أنوفهم الى داخل قلوبهم ولكنهم يجحدون الحق عنادا واستكبارا ..وإجراما ، الى أن يروا العذاب يوم القيامة فيكون الندم وإعلان الايمان بعد فوات الأوان ، يقول جلّ وعلا عن اولئك المجرمين : ( كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ) ( الشعراء 200 ـ )( كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ) ( الحجر 12 ـ )
رابعا : مصير المجرمين مخترعى ومروّجى الأحاديث الضالة :
1 ـ عند الموت : يصف رب العزة موقفهم عند الاحتضار وتبشير ملائكة الموت لهم بالعذاب المهين الذى ينتظرهم وعجزهم عن إنقاذ أنفسهم برغم أكاذيبهم وإفتراءاتهم : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) الانعام ).
2 ــ وفى الحشر يقول جل وعلا عن أولئك المجرمين: ( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا )( طه 102 )، وقتها وعند الهلع والرعب يتمنى المجرم أن يفتدى نفسه ببنيه وزوجه وأهله وكل العالم ، ولكن دون جدوى ، يقول جلّ وعلا :( يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ ) ( المعارج 11 ـ ).
3 ـ عند الحساب : يعلن الرسول براءته ممّن (إتّخذ القرآن مهجورا )، لم يحذفوا القرآن جملة وتفصيلا ، ولكنهم جعلوا القرآن موجودا ومهجورا فى نفس الوقت ، جعلوا الأحاديث الضالة فوق القرآن ، ويحرّفون معانى آيات القرآن لتتناسب مع أحاديثهم وتأويلاتهم ، ويبطلون أحكام القرآن وتشريعاته لو تعارضت مع حديث واحد للبخارى أو غيره، وهذا معنى إتخاذهم القرآن مهجورا. لذا سيعلن الرسول براءته منهم ومن أكاذيبهم التى ينسبونها له ظلما وإفتراءا بعد موته ، يقول جلّ وعلا:( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) ،أولئك هم الأعداء الحقيقيون للرسول . وهناك أعداء من المجرمين لكل نبى :( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا )( الفرقان ـ 31 ).
ويصف ربّ العزة مصير أولئك المجرمين المفترين المكذّبين حين يشهد عليهم دعاة الحق يوم الحساب ،وتأتى الشهادة عليهم من معاصريهم من دعاة الحق فى كل زمان ومكان ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) هود ).
بل تشهد عليهم جوارحهم ، إذ يتم عرض أعمالهم بالصوت والصورة فى كتاب الأعمال الجماعى الذى يفضح أسرارهم وفسادهم ونفاقهم وإنحطاطهم ، وتظهر صورتهم الحقيقية التى كان الإعلام الزائف يتجاهلها أو لا يعرف شيئا عنها . عندها يتعجّب أولئك المجرمون من هذا الكتاب ( أو الفيديو الالهى ) الذى قام بتصوير كل شىء ، يقول جل وعلا عن موقف المجرمين يوم عرض الأعمال عند الحساب : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) ( الكهف 49 )
4 ــ المجرمون فى النار والعذاب :
يرون النار فيعلمون مصيرهم الحتمى : ( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا )(الكهف 53 ). قبل إلقائهم فى النار يتم تقييدهم بأصفاد ويلبسون أسمالا من قطران حارق وتغشى وجوههم النار حال إقترابهم منها:( وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ )( ابراهيم 49 ـ ).
ثم يتمّ إلقاؤهم فى النار ودورانهم فيها :( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ )( الرحمن 41 ـ 43 )، وفى دورانهم هذا يتم سحبهم على وجوههم ليزداد عذابهم فى النار: ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)(القمر47 ــ ) فى هذا العذاب لا مجال للتخفيف ولا مجال للخروج ، فهو عذاب مستمر وعنيف وخالد بحيث يتمنى المجرم الموت دون جدوى ، بل يأتيهم التبكيت والتذكير بتكذيبهم بالحق وتآمرهم على دعاة الحق : ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ(80)(الزخرف 74 ـ ). حقيقة الأمر أن الموت يحيط بالمجرم من كل مكان ولكنه لا يموت ، يظل يسقى من ماء صديد يتفجّر من جروحه وحروقه: ( مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17). حقيقة الأمر أيضا أنه لا يموت وايضا لا يحيا ، يقول جل وعلا عن هؤلاء المجرمين ( إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى ) ( طه 74 ـ )
وتندلع الخصومة بين المجرمين بمجرد إلقائهم فى جهنم. يقول جلّ وعلا : (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ) ( الشعراء ـ ). تعبير ( كبكبوا فيها ) يعطى تصويرا حركيا وصوتيا لإلقائهم فى حضيض جهنم . الأتباع المخدوعون يقولون لأوليائهم وأربابهم وأئمتهم : (تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ )، كانوا فى ضلالهم الدنيوى يسوّون أولئك الأئمة والأولياء المقبورين برب العالمين ، ثم يلتفتون الى دعاة السوء ووعّاظ السلطان ومروّجى الإفك فيقولون عليهم: (وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ).
وهم حين تتقلب وجوههم فى النار يشعر الأتباع المخدوعون بكراهية لا نهائية من سادتهم أكابر المجرمين فيدعون الله جلّ وعلا أن يضاعف لهم العذاب : ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68)( الأحزاب ). أى خصومة بين المجرمين وأكابر المجرمين .
خامسا :
1 ـ وهكذا تتنوع أوصاف أولئك المفترين مخترعى ما يسمّى بالسّنة والأحاديث التراثية ، فهم مجرمون مكذّبون أظلم الناس كافرون ملعونون صادّون عن سبيل الله جل وعلا يبغونها عوجا . وهذه أوصاف تنطبق على مستحقيها بالعدل طبقا لما يفعلونه ولما يقولونه فعلا ، وطبقا لما يدعون اليه ويتصرفون على أساسه . وطالما هى صفات حقيقية تنطبق عليهم فلا يمكن أن تكون سبّا لهم أو قدحا فيهم . هى مجرد صفاتهم الفعلية ، وقد جاءت هذه الصفات فى القرآن الكريم صالحة لأن تنطبق على كل من يفعلها ، ومؤكدة لإعجاز القرآن الكريم فى أن ما قاله عن المشركين الكافرين المجرمين تنطبق فى كل زمان ومكان على مستحقيها الى أن تقوم الساعة. 2 ــ وبالتالى فإن من أهمّ أسس تبليغ الحق أن يقوم دعاة الحق بتطبيق هذه الأوصاف على من يفعلها ومن يقوم بها فى عصرنا وما سبقه من عصور، إثباتا لحكم القرآن ، وتحذيرا للناس ، فربما يتوب بعض المخدوعين فى عصرنا. أما مجرد الوعظ فى الهواء فلا يجدى ولا يثمر. وأضلّ منه سبيلا أن يفهم بعضهم هذه الآيات على أنها تتحدث عن الكفار السابقين فقط ، كأنّ الشيطان قد قدّم إستقالته ، متناسين أن القرآن نزل حجة على البشر الى قيام الساعة ، وانه يتحدث عن صفات بشرية سارية فى كل زمان ومكان ، وأنه لم يقل ( كفار قريش) أو ( مشركى العرب ) وإنما تكلم بالعموم عن ( الذين كفروا ) ( ومن أظلم ممن إفترى ..) لينطبق الوصف على كل مستحق له، وقت وبعد نزول القرآن والى قيام الساعة.
3 ـ وعليه ، فعلى الداعية للحق أن يصدع بالحق مسميا الأشياء بأسمائها ، فيعلن أن البخارى مجرم وأن مالك مجرم والشافعى مجرم وان إبن حنبل مجرم ، وأنّ هذا ينطبق على كل من إفترى على الله كذبا ، طبقا لما هو مكتوب فى كتبه ومؤلفاته . وأن يعلن أن الذى يقوم بالترويج لهذا الإفك والضلال فى عصرنا هو أيضا مجرم ، ينطبق على هذا على كل إئمة السلفية فى عصرنا الراهن كالشعراوى والقرضاوى وابن باز ..الخ ..
4 ـ إن حقّ الله جل وعلا أعظم الحقوق ، وأولئك الذين ظلموا رب العزة خالق السماوات والأرض لا يستحقون إلّا ما ينطبق عليهم فى الكتاب العزيز ، فلا مجال للتبرير والخوف والخشية من البشر . فالمؤمن لا يخشى إلا الله جل وعلا .
أخيرا :
1 ـ بدلا من أن تقول للمستبد الفاسد : يا صاحب الجلالة ، أو يا صاحب السّمو أو ياصاحب الفضيلة أو يا صاحب السعادة ، قل له : يا أيها المجرم . قلها ولو فى سريرتك لتغيّر ما بنفسك من خضوع وخنوع . هذا المستبد يتعامل معك على أنّك مركوب له ، وإن رفضت ذلك قتلك. إنّ شعاره فى التعامل مع الشعب : ( إما أن أركبكم وإما أن أقتلكم ). تطبيق هذا الشعار قام به كل مستبد ثار عليه شعبه فحاول قتل شعبه بالحديد والنار ليؤكد أنه عريق فى الاجرام ، فعل هذا القذافى ومبارك وبن على وعلى صالح ، ويفعله الآن مستبدون آخرون فى الجزيرة العربية وفى سوريا والاردن وشمال أفريقيا . التغيير فى النفس يبدأ بأن تعتبره مجرما عدوّا لله جل وعلا وللناس وخائنا للشعب ، وأن الخروج عليه فرض الاهى لأنّ الله جل وعلا لا يرضى بالظلم . وأولئك ظلموا الله جل وعلا وظلموا الناس، ولا مفر من مواجهتهم حتى يقيم الناس القسط. وإقامة القسط هى الهدف من أرسال كل الرسل والهدف من إنزال كل الرسالات السماوية ، وإن لم تحدث الاستجابة لإقامة القسط بالقول فلا بد من اللجوء للحديد ذى البأس الشديد فى مواجهة عتاة الإجرام لتتم نصرة الله جل وعلا ورسله : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) ( الحديد )
2 ـ إن الله جل وعلا قد أكمل الاسلام بنزول القرآن وبموت خاتم المرسلين فقد إنقطع الوحى فى الدين الالهى ، ولم يعد هناك مجال للزيادة أو التبديل والتعديل . وأى زيادة أو تبديل أو تعديل فهو من صنع أئمة الأديان الأرضية التى يتم تأسيسها بالافتراء والوحى الشيطانى .
3 ــ إن الله جل وعلا لم يرسل جبريل عليه السلام بعد نزول القرآن ليقول لنا إن فلانا ابن فلانة هو ( صاحب القداسة )، أو ( صاحب الفضيلة ) أو ( الإمام الأكبر للمسلمين ) أو ( الإمام الأعظم ) أو أنه ( حجة الاسلام ) أو إنه (ولى الله ) أو إنه ( وصىّ الله ) أو أنه ( آية الله ) أو( روح الله ). كل هذه الألقاب والدرجات الكهنوتية من أفتراءات مؤسسى الديانات الأرضية .
4 ــ لهذا لا تقل يا صاحب القداسة ولكن قل : يامجرم . ولا تقل : ياصاحب الجلالة ولكن قل : يا مجرم ، ولا تقل يا أيها الإمام الأكبر ولكن قل : يا أيها المجرم الأكبر ، ولا تقل يا آية الله ولكن قل : يا عدو الله .، ولا تقل : يا صاحب الفضيلة ، ولكن قل : ياصاحب الفضيحة ..!
5 ــ كلهم مفترون ، كلهم أظلم الناس للناس ولرب الناس .. كلهم أكابر المجرمين . ومن الانصاف أن نخاطبهم بما يستحقّون ، فيكفى أن العدالة البشرية تتعامى عنهم . ومن العدل توصيفهم بأوصافهم الحقيقية طبقا لما يرتكبون من إجرام فى حقّ الله جلّ وعلا وحقّ الناس .