القاموس القرآنى : مكر

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٤ - مارس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى : مكر

أولا :

معنى المكر بالنسبة للبشر :

يفيد معنى الكيد أى التآمر . ونأخذ دليلا من قصة موسى وقصة يوسف عليهما السلام .

 فى قصة يوسف :

1 ـ فى بداية القصة جاء وصف تآمر أخوة يوسف عليه بالكيد ، قالها يعقوب لابنه يوسف يحذره من ( كيدهم ): (قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) يوسف ) ، وفى نهايتها يقول جل وعلا عن ( مكرهم ) بأخيهم يوسف يخاطب خاتم النبيين عليهم جميعا السلام: (  ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)يوسف ). هذا المكر أو التآمر كان تم خفية كما سبقت الاشارة اليه فى سورة يوسف . فالمكر هنا بمعنى الكيد أى التآمر .

2 ـ كادت إمرأة العزيز ليوسف بأن اتهمته ظلما بأنه راودها عن نفسها ، وجاءت تبرئة يوسف من رجل قام بالتحقيق ، يقول جل وعلا : (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يوسف ) . هنا وصف التآمر بالكيد .

3 ـ النسوة فى قصة يوسف تآمرن على إمرأة العزيز فأشعن شغفها بيوسف . ووصل خبر مكرهن الى إمرأة العزيز فردت على مكرهن وكيدهن بكيد آخر ومكر آخر . إذ دعتهن الى قصرها فى حفل ، وأمرت يوسف فدخل عليهن فبهرهن جماله . بعدها تآمرن جميعا على يوسف لإغتصابه ، وإلا السجن ، فدعا يوسف عليه السلام ربه أن يصرف عنه ( كيدهن ) . جاء هنا المكر والكيد بمعنى واحد . يقول جل وعلا : (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)يوسف ).

3 ـ فى التحقيق الذى أجراه الملك إعترفت إمرأة العزيز بالذنب وأنها كادت ليوسف وأن الله جل وعلا لا يهدى كيد الخائنين : ( قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) يوسف )  

  فى قصة موسى وفرعون :

 1 ـ رسم الفرعون خطة لكى يتطرف فى إستبداده ، فقام ببث التفرقة بين المصريين ، جعلهم شيعا ، وإستضعف الأقلية الاسرائيلية يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم . وكان العقاب أن ردّ الله جل وعلا كيده الى نحره ، فكان الفرعون نفسه هو الذى قام بتربية موسى ليكون لهم فى النهاية كيدا وحزنا . يقول جل وعلا : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً )(8) القصص ).

2 ـ وعندما عاد موسى اليهم نبيا يريد الخروج قومه من مصر إستمر كيد فرعون وقومه ، قال جل وعلا : (  فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (25) غافر ) ، وعن إستعداد فرعون بمؤامراته قال جل وعلا ( فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) طه ) . ولأن المكر بمعنى الكيد يقول جل وعلا عن جزاء مكرهم حتى بالرجل المؤمن من آل فرعون : ( فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) غافر ).

ثانيا :

مكر البشر

1 ـ الشيطان هو الذي يزين للناس المكر ، والصّد عن سبيل الله ، يقول جل وعلا :( بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنْ السَّبِيلِ ) (33)الرعد ),

2 ـ وقوم نوح أقدم أمة إحترفت المكر بنوح ومن آمن معه ، قال عنهم نوح : ( وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22)نوح ).

3 ـ وبلغ مكر قريش بالنبى محمد عليه السلام الذروة،وصفه رب العزة بأنه تزول منه الجبال :( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)ابراهيم )، وأوصى الله جل وعلا رسوله بالصبر على مكرهم وألا يحزن عليهم ، فقال جل وعلا له فى خطاب مباشر : (  وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)النمل ) (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل )

 ثالثا :

 قواعد مكرالله جل وعلا  إنتقاما

  عقاب المتآمرين الماكرين هو الانتقام الالهى ، وهنا يأتى ( مكر الله ) يعنى إنتقام الله جل وعلا ممّن يستحق الانتقام . ولهذا قواعد :

  1 ـ الذى يعمل سوءا لا بد أن يُجازى بهذا السوء . يقول جل وعلا : ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) (123) النساء )، وبالتالى فمن يتآمر ويمكر لا بد أن يحيق به مكره .

2 ـ ويتبع هذا المؤاخذة بالذنب ، يقول جل وعلا يخاطب العرب عن إهلاك الأمم السابقة بسبب ذنوبهم : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (6) ) الانعام ). وعن إهلاك قوم ثمود بعد أن كذبوا وعقروا الناقة يقول جل وعلا :( فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) الشمس ). وعن الانتقام من فرعون وقومه يقول جل وعلا : (  كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) آل عمران) .

3 ـ ويقول جل وعلا عن أنواع إهلاكهم بسبب ذنوبهم : ( فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) العنكبوت ).

4 ــ ويقول جل وعلا يصف جرائمهم وكبائر ذنوبهم وتآمرهم بالمكر : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26)النحل )

5 ـ والعادة أن يكون القادة المستكبرون فى الأرض وفى القوم وفى الدولة هم أكابر المجرمين فيها ، وهم الذين يحترفون المكر ، ويحيق بهم مكرهم السىء ، يقول جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَالِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)الانعام )

6 ـ وهذه سنّة الله جل وعلا فى تعامله مع المشركين الماكرين والتى لا تتغير ولا تتبدل وهى سارية فوق الزمان وفوق المكان . يقول جل وعلا :( اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر )

رابعا :

تطبيق القواعد بعد نزول القرآن الكريم فى الدنيا

1 ــ سبق تطبيق هذه القواعد فى إهلاك الأمم السابقة قبل نزول القرآن الكريم ، وقد دعا رب العزة العرب وغيرهم للسير فى الأرض لننظر الى آثار الأمم التى أهلكها رب العزة بسبب مكرهم وذنوبهم قال جل وعلا : (  أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22) غافر )

2 ـ وقال جل وعلا يحذر الماكرين مقدما : (  أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45)النحل ) .

3 ـ وبعد أن قصّ رب العزة قصص بعص الأمم التى أهلكها قال يعظنا : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) الاعراف ). أى هو تحذير لمن يمكر متآمرا ظالما أن ( مكر الله ) منه قريب . هذا فى الدنيا .

خامسا :

عاقبة الماكرين يوم القيامة

1 ـ  أما فى الآخرة فعذاب أبدى لا فكاك منه ولا تأجيل له ولا تخفيف فيه ولا خروج منه . وهم تحت هذا العذاب الخالد يتلاومون ، ويصف المستضعفون من اهل النار أسيادهم المستكبرين بأنهم كانوا يمكرون بهم ليل نهار حتى أضلوهم . يقول جل وعلا : (وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) سبأ ) .

2 ـ أى يحيق بهم مكرهم فى الدنيا ويخسرون به الدنيا بالموت ، ثم يخسرون به مستقبلهم الأبدى وهم فى النار . بارت تجارتهم . يقول جل وعلا عن عاقبة مكرهم يوم القيامة : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) فاطر )

سادسا :

 اسلوب المشاكلة فى موضوع المكر

1 ـ لا يستطيع العقل البشرى تخيل صفات رب العزة جل وعلا ، ولا يستطيع اللسان البشرى التعبير عن ذاته وصفاته . ولذا يأتى الحديث عن ذاته جل وعلا وصفاته بالمجاز كالتشبيه والاستعارة والكناية . وأهم أسلوب للمجاز هنا هو ( المشاكلة )

2 ـ والمشاكلة تعنى أن يؤتى بنفس الشكل المعروف للبشر والذى يفهمه البشر فى التعبير عن (فعل ) يفعله الخالق جل وعلا ، مع التسليم أنه جل وعلا ليس كمثله شىء . ولكنه أسلوب لتخطى الفجوة بين عجز البشر وعظمة الخالق التى لا يمكن لن يتعرف عليها البشر .

3 ـ وبهذا يأتى التعبير بمكر الله جل وعلا مقابل مكر البشر . ونعطى أمثلة :

3 / 1 : تآمر تسعة من الأشقياء من قوم ثمود على قتل النبى صالح وأقسموا بالله جل وعلا أن يغتالوه ليلا ثم يثبتوا براءتهم أمام أهله . قال جل وعلا عن هذا المكر والكيد والتآمر : وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49). وحاق بهم مكرهم بإنتقام رب العزة جل وعلا منهم ، وجاء وصف هذا الانتقام الالهى بأنه مكر جزاء مكرهم ، قال جل وعلا : ( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) وقال جل وعلا يعظنا :( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)النمل )

3 / 2 : عن بعض الحوارين قال جل وعلا : (  فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) آل عمران )

3 / 3 : وعن مكر قريش الكافرة بخاتم النبيين وتآمرهم على حياته بالقتل أو بالطرد أو بالسجن قال جل وعلا (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الانفال ).

3 / 4 : وعن البشر الضالين عموما يقول جل وعلا (  وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلْ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)يونس )، أى إن ملائكة تسجيل الأعمال يكتبون ما نفعل ، وبالتالى فلا يحيق المكر إلا بأصحابه .

أخيرا :

1 ــ المكر له تعبيرات جذابة مثل السياسة والاعلام والتخطيط والمخابرات والأمن ، وله مؤسسات دينية وعلمية وعسكرية وأمنية وإعلامية ، محلية واقليمية ومحلية تتطاحن وترفع شعارات عظيمة تخدع بها العوام المستضعفين فى الأرض . إذا أردت أن تتعرف عليهم فهم يحتلون عناوين الأخبار يحوزون الشهرة والفخار ، وفى النهاية فهم لا يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون .

2 ـ وما أروع قوه جل وعلا عنهم : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَالِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)الانعام ).

3 ـ ودائما : صدق الله العظيم .!!    

اجمالي القراءات 7053