اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)يوسف 9)
قراءة بسيطة في قصة يوسف ، عليه السلام ، تحمل وجهة نظر شخصية .. قد لفت نظري بداية وجود نية لفعل جريمة.. أعقبتها نية أخرى للتوبة، والعمل الصالح !! فبدأت أسأل نفسي : هل تعد هذه النية: (وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) التي جاءت على لسان أخوة يوسف نية صادقة للتوبة ؟ هل يصح أن ننوي توبة متأخرة، أو رقم اثنينن ، وتكون النية رقم واحد جريمة مع سبق الإصرار ، (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا ، على أساس إن الله غفور رحيم ؟!
بدأت ،وبدون مقدمات أفكر في هذه الآية الكريمة ،القرآن فيما يحكيه من قصص لم تأت حشوا ـ بل لنأخذ منها العبرة ، التي نحن بالتأكيد في غفلة عنها :(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف ) ، فلكل منا مثاله الذي يتمثل به مدافعا عنه ، سواء أكان يدري ذلك أم لا يدري ! إخوة يوسف لم يكرههوا أباهم ،بل كرهووا فيه حبه ليوسف ولأخيه ، وكرههوا معه يوسف وأخيه كأشخاص ..( إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (8)يوسف )، إذن الإخوة عصبة ، أي قوة .. يواجههون معا حب أبيهم ليوسف وأخيه.. وقد أصدروا حكما (أراه ظالما ) على أبيهم مفاده :(إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) ، لاحظوا معي ،كيف أكدوا حكمهم هذا، ولم يشك أحدهم في هذا التأكيد ،بل لاقى كل إجماع !!
وتم تنفيذ الخطة بكل نشاط وإصرار، وتفنيد كل مخاوف الأب على ابنه بحيل سوفسطائية ، مع تبرير اختفاء يوسف ،والتغطية على جريمتهم بما أثاره الأب من مخاوف من أكل الذئب ليوسف، وانشغالهم عنه باللعب !!
هذا عن الإخوة، أما عن يوسف الصغير فقد عقد النية بوحي من الله الخالق العظيم بأن سيأتي الوقت :( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم ) وهذا بعد ما قاموا به : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15يوسف)..
ولنعد لتحليل موقف الأب ، ونحلل القصة بوجهة نظر بشرية ، بطريقة ( س ، جـ )
س1 هل الأب كان مذنبا في تفضيله ليوسف وأخيه ؟
جـ كان الأب يرى في يوسف مالا يراه في أخوته، وهذا نلاحظه عندما قص يوسف عليه الرؤيا ، ووصاه ألا يقص رؤياه على أخوته، ثم بشره بشرى تفرده بالاختيار ، والاستخلاف في النبوة ،وبأنه النعمة القادمة لآل يعقوب: : ( ) وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) يوسف )..
س2 هل كان الأب يعلم ما يشعر به بقية الأبناء تجاه يوسف من مشاعر ،بسبب تأثير الشيطان عليهم ؟
جـ نعم ، لذا آثر الأب ألا يقصص يوسف عليهم الرؤيا ،حتى لا يكيدوا له وأرجع هذا لوسوسة الشيطان :(قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5 يوسف )
س 3 هل تمثل النية على فعل جريمة ،(مع سبق الإصرار والترصد) منا تسمى اليوم؟
جـ نعم فقد تم الاتفاق والإعداد والتخطيط الذي سبق حدوث الجريمة الفعلية ..إذن لم يقف الأمر على مجرد النية ،بل أعقبها تنفيذ مخطط مدروس قد اشترك فيه الأخوة جميعالاحظوا معي واو الجماعة في : اقتلوا ، اطرحوه ، وتكونوا ، ثم الخطاب الجمعي في جواب الطلب (الأمر)يخل لكم وجه أبيكم
س 4 لم كان الخيار الثاني لأخوة يوسف هو: نفيه أو بالتعبير القرآني اطرحوه أرضا ،لم يلق خيار القتل استحسانا من جميع الإخوة لذا جاء اقترح أحدهم ( قائل منهم ) بالنهي عن قتل يوسف ،والاكتفاء بالتخلص منه بإلقائه في غيابة الجب : قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10) يوسف ) فلماذا ؟
جـ حتى يخل لهم وجه أبيهم ، والوجه هنا ، يعني الاهتمام أو الحب ،وهذا شيء فطري ..عندما تهتم بشخص لاحظ انك تضعه نصب عينيك تواجهه وأينما ذهب تتوجه إليه بوجهك ،والعكس صحيحا عندما تتجنب شخصا تدير وجهك حتى لا تواجهه ، حتى إن اضطرتك الظروف للجلوس مواجها له تلوي وجههك لتنظر بعيدا .. كذا أخوة يوسف يريدون اهتمام وحب أبيهم الذي يوجه جله ليوسف وأخيه من بعده ،عقدوا النية على التخلص منه !!
س 5 هل كان إخوة يوسف على علم أن ما يقدمون عليه من عمل ، هو عمل غير صالح ؟
جـ نعم ، ولذا كانت النية الثانية وهي: أن يعودوا بعد هذه الفعلة قوما صالحين !! لم يسألو أنفسهم كيف يقتلوا أو يطرحو ا يوسف أرضا ، وبكل بساطة كأن شيئا لم يكن !
س 6 هل ترى من قصة مشابهة لقصة يوسف مع إخوته في القرآن الكريم ؟
جـ نعم ، فيما حكاه قرآننا العظيم عن ابني آدم ،وكانت الحكاية مشابهة للتي بين أيدينا الآن.
س ضع نقاط التشابة في نقاط محددة.
جـ أ ـ عدم التسليم لحكم الله إذ تم تقبل القربان من أخ ، وعدم تقبله من الثاني ،(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ)
ب ـ وسوسة الشيطان كانت حاكمة له،(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ..
جـ توفرت النية المسبقة للعداء أيضا عند الأخ القاتل في
:(قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ )
دـ وقد علم الأخ الداء كما علمه يوسف من قبل ولخص القضية :( ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28 ) هذا هو السبب وهو حجر الأساس بالطبع..
وبعد.. أن أمثال أخوة يوسف نجدهم حولنا، ، وليس ببعيد أن يكون أحدنا منهم ، وهو الوحيد الذي لا يدري !! فعبقرية المرء تتجلى في تشخيصه لمن حوله ،وقد يمر العمر ولا يدري أنه شخصيا مشترك معهم في نفس ذات الصفات ، ولكن هو وبكل بساطة لا يرى نفسه !! فلذلك سأختم المقال بالحديث بـ (نا الفاعلين)، وأقول : قد تكون لدينا نيتان : الأولى تخص الحياة الدنيا ومافيها من أمنيات ـ قد تذهب بنا بعيدا عن العمل لليوم الآخر ..والثانية فعل الخيرات تكفيرا منا عما حدث .. وأحيانا تسيطر علينا النية الأولى فتأخذ جل عمرنا فلا ننتبه إلا ونجد العمر قد انتهى ، وقد ألهانا التكاثر عن العمل لليوم الآخر ، فهل نحن مدركون !!