بسم الله الرحمن الرحيم
ألم يكن السيد البخاري هو الأول الذي فعلها ؟
إن الواقع الظاهر بكل وضوح يقول إن هناك نوعا من حركة وجلبة غير عاديتين وغير مسبوقتين، تؤشران بأن بعض القلوب بدأت أقفالها تتآكل تحت تأثير الصدإ الذي استفحل بعد أن عمـّــر طويلا.
إن نعمة الوسائل والأسباب الإلكترونية مكنتنا من المشاهدة والإستماع والإستفادة من مقابلات شتى، بين أولئك الذين أظهروا تشبثهم المحموم وحرصهم على العض بالنواجذ على كل ما وجدوا عليه آباءهم .( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ).170. هذا من جهة، وبين أولئكالذين بدأوا يتحركون
تحت تأثير اقترابهم الوشيك من سن التمييز والرشد، بعد أن بدأت قلوبهم - أخيرا - تميل شيئا فشيئا إلى الإطمئنان بأن الحديث المنزل، لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ، بل بعد أن فوجئوا واندهشوا أنهم لو طبقوا وقابلوا ما يرونه ويسمعونه من تراث آبائهم، لو قابلوا ذلك وعرضوه على القرآن العظيم لوجدوا في تراثهم ذلك وموروثهم اختلافا مهولا لا يصدق.
ولعل الطريف في الأمر، أو لعل (الذي يضحك الحزين)، هو عندما تساءل أحد المحاورين، الطرف المقابل له المتشنج الحانق وهو يحسب أنه يحسن صنعا، وأنه في سبيل الذود عن تركة الآباء والأمهات من الصحاح، قائلا لــه :
- ما بالكم كيف تحكمون يا هؤلاء ؟
- كيف يعقل ويسوغ لكم أن تحكموا علــيّ بناكر للسنة؟ بل وربما لا تتحرجون بالحكم علـيّ بالكفر؟ لمجرد أن رواية ما استوقفتني وحيرتني بقدر احترامي لشخص رسول الله وبقدر تنزيهي له من أن يصدر منه ذلك القول أو ذلك الفعل الذي تصفونه به أو تفترونه ؟ ولمجرد أني قابلتُ تلك الرواية بالقرآن العظيم البيـّــن المبين ؟
- وكيف يعقل ويسوغ لكم، أنتم المدعون أنفسكم بالغيورين على السنة والمدافعين - وبدون أدنى تحفظ - على ذلك الكتاب المنسوب إلى البخاري، ذلك الكتاب الموصوف بأنه أجـل وأصح وأعظم كتاب بعد القرآن العظيم ؟، وبأن قيمة صحيح البخاري في حد ذاتها هي قمــة تسمو فوق الشبهات.
نعم ، كيف يسوغ ويعقل لكم أن ترووا وأنتم غارقون في بحر من الإطمئنان بأنـه، أي البخاري، كان له الفضل في أن تمكن من أن يجمع الآلاف المؤلفة من المرويات المنسوبة إلى رسول الله - عليه الصلاة والتسليم - ثم بعد ذلك، وبعد مراجعة نفسه ومراجعة ما جمع، تراجع فأبطل الآلاف المؤلفة وأعدمها ، ولم يترك لنا إلا ما تركه، ومع ذلك فهو يعـدّ بالآلاف دائما، يعني أنه تنكر ورمى الجزء الأكبر؟؟.
- وكيف حدث لكم أن غفلتم ولم تتصوروا ولم تنتبهوا إلى أن السيد البخاري بعد أن جمع ما جمع إضطر - لا محالة - وحتما، إلى وضعه تحت مجهر ومصفاة الفطرة ، أو العقل، أو القرآن العظيم البيـّن المبين، ومـع ذلك لم يفقد السيد البخاري شيئا من وصفه بالغيور على السنة والمدافع عنها ؟ وبأن قيمته تسمو فوق الشبهات ، وهو الذي وظف كل ما أمكنه توظيفه في ذلك الغربال من فطرة وعقل وقرآن عظيم ؟ ثم تقحمون مكيالا آخر وتصفون من فعل نفس فعلة البخاري، ونــزّه الرسول عن المفترى عليه ودافع عنه وتصفونه بناكر للسنة ؟ بل حتى بالمرتد والكافر ؟ ألم يفعلها البخاري قبله ؟ وما لكم كيف تحكمون ؟