أساءوا فهم" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"
النهي يغاير المنع.
حرم الله جل وعلا السيئات ولم يمنع عنها. ولو منع عنها ما استطاع أحد أن يفعلها. فما منع الله فلن يقع أبدا؛ ولن يتمكن أحد من فعله.
لقد أساء السلفيون فهم (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ففهموا الأمر بالفرض، والنهي بالمنع والحيلولة دون. فأصبحت الصيغة عندهم: (فرض المعروف ومنع المنكر.) في حين أن النهي ليس المنع.
النهي يتم بمجرد القول والتحذير، أما المنع فلا يتم إلا باستعمال قوة ظاهري أو باطني، تحبس أو تحجز من أراد فعل الممنوع.
في القرآن (من البقرة ـــ إلى الناس)، فلن تجد الله جل وعلا يمنعنا عن فعل شيء. بل ينهانا. ويكتفي بالنهي دون الحيلولة بيننا وبين فعل ما نهى عنه. فالخيار لنا في الطاعة أو العصيان. في الفعل أو عدم الفعل.
أما "وهابي سلفيون" فهم يجبرون الناس فيما لم يجبرهم الله فيه. فتراهم يرغمون الناس على فعل المعروف (لبس الحجاب مثلا وغيره) ويجبرونهم على ترك المنكر!… وذلك هو فهم وهابي سلفيين في السعودية. حيث انهم أقاموا لجنة سموها: "لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وتلك اللجنة تتطاول على الناس بغير حق. فتضرب من تشاء وترسل من تشاء إلى السجن بتهمة فعل المنكر!… فهو نفس ما يفعله داعش. وكان قد بدأه أصحاب محمد مورسي في مصر؛ فوقى الله المصريين شرهم.
لما نهي الله سبحانه وتعالى عن المنكر اكتفى بالنهي، ولا تجده أبدا يمنع (يحبس أو يحجز) من أراد فعل المنكر؛ احتراما منه، جل وعلا، لخيار بني آدم.
لكن وهابي سلفيون يتألهون على الناس. ومن يتأله على عباد الله أهانه الله أمام العباد. فلن يفلحوا إذن أبدا!… أينما ثقفوا إلا بحبل من الله، وحبل من الناس. الإسلام دين السلام والحكمة والموعظة الحسنة. وليس دين الإرغام والقتل والضرب والسجن.
لما طغى "موجاوو" على المسلمين في جنوب مالي، سلط الله عليهم الجيش الفرنسي فصعقهم.رغم كون فرنسا مفندة للإسلام.(ولله جنود السماوات والأرض. وكان الله عزيزا حكيما)(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض. ولـكن الله ذو فضل على العالمين.) الحمد لله رب العالمين.
كلمة النهي في القرآن:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.) [النحل: 90]نهانا عن فعل الفاحشة، ولم يمنعنا من فعلها. لو منعها ما قدر عليها أحد.
(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى (ولا تمنع)عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.) [العنكبوت: 45]
(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ.)[النازعات: 40]والنفس لا يمتنع عن الهوى أبدا
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى.عبدا إذا صلى) [العلق: 9] فيتوارى العبد ويصلي.
تلك ثلاث آيات محكمات في النهي وأخرى متشابهوهي قوله جل وعلا:(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ.) ، تركت ليضل بها المجادل الذي في قلبه زيغ. وهذا هو سنه الله في القرآن. إذا جمعتَ جميع الآيات التي تتكلم في موضوع ما تجد من بينها آية أو آيتين تحيدان نوعا ما عن الموضوع. وهي الآية او الآيات المتشابهة؛ تُركت لتكون مادة خصبة للمجادل الذي في قلبه مرض. فيضل به من شاءه الاختلاف والفرقة. (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ. وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ.) [البقرة: 213]
لنتدارس الآن معنى كلمة "المنع" في الآيات التالية من القرآن.
قال جل وعلا:
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ (الحيلولة دون) مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.) [البقرة: 114]
(قَالَ مَا مَنَعَكَ (ما الذي حال بينك وبين) أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ.) [الأعراف: 12]
(فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ (حُرمنا) مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.) [يوسف: 63]
(وَمَا مَنَعَ (ما الذي حال بين الناس وبين) النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا.) [الإسراء: 94]
(قَالَ يَا هَارُونُ! مَا مَنَعَكَ (ما الذي حجزك)إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا!]:(ما حبسك)[طه: 92]
(وَيَمْنَعُونَ (ويحجزون) الْمَاعُونَ.):يحتجزونها ويخبئونها عن الناس.
هكذا لا تجد في القرآن منعا يصدر من الله سبحانه وتعالى. بل يكتفي دائما بالنهي والتحذير؛ مع احترم خيار العبد ما يشاء.
إذن فلم تشرعون على الناس من الدين ما لم يأذن به الله؟! هو الإرغام على عبادة، أو القمع على ترك معصية لا تخص إلا الله؟
لا يجوز الإرغام في الإسلام إلا على ترك ما يضر الآخرين. وترك فتنة الناس في الدين.
والله س.ت. أعلم.
هدانا الله وإياكم على ما يحب ويرضى.