البعبع
المجرمون عملوا بُعبعاً خاصاً لهم يرهبون به الناس و يرعبون و يهيمنون به على الناس , كي يسهل عليهم ركوبهم و السيطرة به عليهم , هؤلاء المجرمون يهابون من العقل و التفكير , فهو عدوهم الوحيد الذي يفضح بعبعهم و يفضحهم ,
هم يخوفون الناس من تدبر كلام الله جل وعلا , و يرهبونهم بأنهم لو فعلوا ذلك لربما يخطئون الفهم مما يؤدي إلى خروجهم من دائرة الأيمان , و يوهمونهم بأن للقرآن مفسرون شارحون متخصصون فيه , و يخبرون الناس بعجزهم و قصورهم أمام فهم كلام الله جل وعلا و كأنه سر لا يعلمه إلا القليل ,
فتجد الناس المخدوعين ينكبون على الشرح و التفسير بعقولهم و جوارحهم فيتعاملون بما ورد من شرح و تفسير لكلام الله دون أدنى شك فيه و لو كان مخالفا لنص كلام الله جل و علا في كتابه المبين , مصدقين لما جاء في شروحهم و تفسيراتهم مؤمنون له و به ,
فيتوقف الكثير من الناس أمام هاجس الخوف من التفكير و التمحيص و النظر في كتاب الله جل و علا متأملين له و لصيغه الإبداعية ,
يضعون أمام أعينهم الحواجز النفسية فلا يستطيعون أن يمسوا مقتضاه , يظنون أنه بحاجة إلى تفسير , و يظنون أن العرب القدماء كانوا أكثر إدراكا و وعيا لما يدعو له القرآن الكريم , و يظنون أن اختلاف الزمان يحول دون إدراكنا نحن الآن لمقتضاه ,
و هذا يعد انتهاكا صارخا لكلام المولى عز و جل في كتابه الكريم , و رفضا واضحا منهم لما ورد فيه من انه لكل زمان و إلى قيام الساعة ,
لا يجوز و لا يحق لنا استخدام مصطلح تفسير مع آيات الله جل وعلا , فكلامه سبحانه لا يحتاج لتفسير بشري قاصر , بل هو كلامٌ بينٌ واضح إن تمت تلاوته بشكل دائم بتدبر و إمعان و تفكر مع تجاهل الفكر المسبق الذي تحمله بداخلك و أن تضع صوب عينيك كلام المولى جل وعلا لا غير ,
هذا هو بعبعهم الذي يسيطرون فيه على الناس , أما ما يقض مضاجع هؤلاء المجرمين و يشكل بعبعاً لهم فهو العقل ,
إن أبشع أنواع الظلم و الإجرام هو الاستبداد الفكري و الاضطهاد الفكري حين يتم وضعك ضمن حدود فكرية معينة و لا ينبغي لك تجاوزها ,
و تفتح لك نوافذ في حين تغلق أمامك كل الأبواب , فإن سرت ضمن الهدف المخطط له فأنت ممن سعد , و إن قفزت بفكرك خارج تلك الأسوار تحل عليك اللعنة و تنزل على رأسك الضربات ,
إن كنت ممن سلم و استسلم لموجه التيار فلا بأس عليك , فلا بد لك بأن تأكل مما يوضع أمامك , و لا تحاول أن تتذوق ما أثمر به بستان الجيران , كل و لا تسأل عن نوعية الطعام , و لا تحاول أبدا ركوب هذا التيار فقط استرخي و سلم له فهو يأخذك إلى المكان الذي لا بد لك أن تكون فيه , هو أعلم و هو أخبر و هو أفصح و اذكي و أمهر ,
أما أنت فمن أنت ؟
لا تخف من بعبعهم , و واجههم بعقلك و فكرك الذي أنعم الله جل وعلا به عليك .