طه - الآية 111۞ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ )
وقفت مع جلال هذه الآية الكريمة طويلا أتأملها ، ملخصة ولكنها وافية !! مشهد لا يغيب عن بال كل من يرجو اليوم الآخر ، يعمل ما وسعه إلى ذلك سبيلا ..يسعى مدمجا كلمه الطيب بعمله الصالح لأجل ذلك اليوم ، وهو في هذا اليوم.. فقط يرجو أن يزحزح عن النار.. أعظِم بتلك أمنية !! تقف كل الوجوه من إنس وجن وملائكة في حالة ترقب . الجميع في انتظار بدء معالم ذلك اليوم العظيم ..الجميع في انتطار لله سبحانه، قيوم السموات والأرض، فهو سبحانه لا يئوده حفظهما بمن وما فيهما .. سبحانه فقط لا تأخذه سنة ولا نوم أما هم ،فلا يملكون لأنفسهم حتى أن يغيروا أن يحولوا وجوههم .. وقفة مع هذه الآية العظيمة أدعو الله راجية إياه سبحانه ،أن يوفقني ، ويغفر لي إن جانبني الصواب، إنه سبحانه قريب مجيب الدعاء ..
ففي الفعل : عنت وصف معجز لهيئة الوجوه التي لا نستطيع مهما أوتينا من بلاغة ،أن نبدل ما جاء به هذا الفعل المعجز :(عنت ) من ملامح ..نشعر بها فتخشع لها قلوبنا.. نتصور معا هيئة تلك الوجوه وقد علاها واعتلاها القلق والزعر والخوف والفزع مع الترقب !! مهما حاولنا أن نأتي بكلمة معبرة فلن نستطيع وهذا هو سر إعجاز اللفظ القرآني ..
و قد جاء (عنت) بصيغة الفعل المسبوق بما : (ما عنتم ) في موضعين، الأول في :آل عمران - الآية 118يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ.. ۚ)
والثاني في : التوبة - الآية (128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
وثالثا بصيغة الفعل ولكن بدون (ما ) في (أعنتكم )في الآية الشهيرة التي تبدأ بداية لافتة للنظرحيث تبدأ بـ ( في الدنيا والاخرة) نقرأ معا:البقرة - الآية 220 (فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۗ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
كما جاءت معرفة بالألف واللام (اسم ) :(العنت ) في:
النساء - الآية (25) فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
) الوجوه معرفة ، لأنها معلومة محددة معدودة على كثرتها !! ولكن ما هذه الوجوه ، أية وجوه هذه ؟ هي وجوه الخلق جميعا: من انس وجن وملائكة ،وقد يسأل سائل وهل الملائكة ضمن هذه الوجوه أيضا ؟ نقول ، نعم ، ولماذا ؟! الإجاية في هذه الآيات ، نقرأ معا :
(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْد
95) مريم ) ،
فالملائكة عدد ممن تشمله السموات ونلاحظ الفرق بين السماوات والسماء فليس فقط السماء الدنيا بل كل السماوات.. فالجميع معنيي ومعدودٌ ومحصيٌ..
(الحي القيوم) وللوقوف على هاتين الصفتين علينا أن نتتبعهما في القرآن ،وبالبحث وجدنا أنهما وردتا بهذا الشكل، وبهذا الترتيب (الحي القيوم ) في آيات ثلاث.. في اثنتين منهما ملخصة تقص مراسم هذا اليوم، ولكن بشكل اجمالي كما نجدهذا في سورة ( آل عمران - الآية 2 :
(اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) أو في طه (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ..( طه111 ) التي نتناولها في الموضوع ،
وأخيرا في سورة البقرة (255 ) شارحة مفصلة لكل ما تعنية صفتي الحي(الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ) القيوم( له ما في السماوات والارض إلى أن نصل إلى:( لا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم ) من معاني فهذه الآية تشرح تفصل وتوضح وتبين هاتين الصفتين .. معا نقرأ:
البقرة - الآية 255(اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)
وبعد.. كما قرأنا لا أحد يشترك مع الله جل وعلا في هاتين الصفتين ،ولكن لم ذكرت هاتين الصفتين تحديدا؟! الخلق في حالة إفاقة بعد الموت ، هم يُدروكون جيدا معنى أن يكون الله سبحانه وحده الحي وقت موتهم وزوالهم ، فهم لا يستطيعون مجرد التحكم في مسار أعينهم أو وجوههم.. سيدروكون جيدا الفرق بين من يدير الكون ولا يعجزه شيء في السموات والأرض، وبين ما هم عليه من ضعف وعجز وخوف ..فهل نعي ما يتطلبه هذا الموقف من سجود حقيقي لآيات الله سبحانه ، ونرفقها بالعمل الصالح .. من منا يستطيع ذلك ؟